كشفت مصادر أمنية عاملة في القصر الرئاسي، لـ«العربي»، تفاصيل أحداث الساعات الأخيرة لليلة سقوط القصر الرئاسي في «معاشيق» في 29 يناير، بعد فرار أغلبية جنود الألوية التي تتولى حراسته إلى بعدن، رافضين أوامر المشاركة في قتال قالوا إنه «لا ناقة لهم فيه ولا جمل».
وأبلغ سكان يقطنون الأبنية التي تحيط بالقصر من الجهتين الغربية والشرقية، «العربي» بأن العشرات من جنود ألوية الحماية تركوا متارسهم المحيطة بالقصر، واتجهوا صوب مدينة كريتر، واستعانوا بالسكان لتغيير ملابسهم العسكرية بأخرى مدنية.
وتمكنت الوحدات العسكرية التابعة «للمقاومة الجنوبية» المؤلفة من قوات تابعة «للمجلس الانتقالي» و«الحزام الأمني»، وأخرى خاضعة لمدير الأمن شلال علي شائع، من تطويق القصر الرئاسي الواقع شرق مدينة كريتر والسيطرة على بوابته الرئيسية المقابلة لقلعة صيرة، فيما سيطرت وحدة خاصة بقيادة مختارالنوبي، على القصر من الجهة المطلّة على مقبرة القطيع، بعد معارك عنيفة خاضتها تلك التشكيلات العسكرية مع مسلحين ينتمون إلى تنظيمي «القاعدة» وحزب «الإصلاح»، بعد الاستعانة بهم من قبل قيادات عسكرية وأمنية تابعة لحكومة هادي، بغرض تعزيز قوّة وحداتها الأمنية ومعسكراتها المنتشرة في عدد من مديريات محافظة عدن.
إنهيار ألوية الحماية
شكّل سقوط معسكر اللواء الثالث حماية، في منطقة جبل حديد شديدة التحصين، على يد جنود الوحدة الخاصة التابعة للواء شلال علي شائع، في اليوم الأول من المواجهات، ضربة قاسية للحكومة «الشرعية». سقوط أدّى أيضاً إلى انهيار معنويات جنودها في بقية الألوية التابعة لها. وبحسب شهود عيان، فقد اقتحم 13 فرداً من القوات الخاصة التابعة لشلال شائع، سور المعسكر وتوغلوا إلى وسطه بمصاحبة غطاء ناري كثيف، وتمكنوا من الدخول إلى المرافق القريبة من سور اللواء الشمالي الذي لم تكن قيادته تتواجد فيه.
مفاجأة الاقتحام أربكت جنود اللواء الثالث وقادتهم إلى تسليم أسلحتهم مشترطين تسليم أنفسهم للواء شلال علي شائع، وعددهم 72جندياً، وهو الأمر الذي حدث بالفعل، فيما فرّ أكثرهم باتجاه مدينة كريتر التي كانت مسرحاً لمواجهات اليوم الثاني والأخير.
مواجهات داخل القصر
بعد تأكد رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر، من أن القصر الرئاسي أصبح محاصراً من قبل لواء «الجن» التابع لـ«المجلس الانتقالي»، وتهاوي ألوية الحماية الرئاسية وهروب أغلبية جنودها قبل وصول وحدات «المقاومة» إلى بوابة القصر بساعتين، وإبلاغه من قبل حارسه الشخصي أن 400 من جنود الحماية، كانوا يشكلون النسق الأخير للدفاع عن القصر، سلّموا أنفسهم أيضاً لمدير أمن عدن، قام بن دغر بالاتصال بالقوّة السعودية المرابطة بـ4 عربات في منطقة «حقات»، طالباً منهم حمايته وتأمين خروجه.
وبحسب ما أكّد مصدر أمني في قصر «معاشيق» لـ«العربي»، فقد أبدت القوات السعودية استعدادها لتأمين الحماية لبن دغر، ومرافقته إلى خارج «معاشيق»، بعد أن طالبت قيادة «المقاومة» بتوفير ممر آمر لها للخروج من القصر باتجاه معسكر «التحالف».
الأحمر: الهروب ممنوع
استمر انتظار القوات السعودية قدوم بن دغر، قرابة النصف ساعة للخروج معهم، غير أن ذلك لم يحدث، ما اضطرها للمغادرة بدونه. ويقول المصدر لـ«العربي»، إن «بن دغر حينما حاول الالتحاق بالقوة السعودية للخروج من القصر برفقتها، وبمعيته حقيبة يد صغيرة، اعترضت طريقه وحدة من قوات الحماية الرئاسية، تتولى تأمين قصر الرئيس هادي، ومنعته من الخروج، وأشهر الجنود السلاح في وجهه، وقالوا: إن هذه أوامر الرئيس هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وهم لن يسمحوا له بالتحرك والخروج من القصر مهما كانت الظروف».
وأضاف المصدر أن «الجنود قام بعدها بتجريد رئيس الوزراء بن دغر، من أغراضه الشخصية عنوة، بينها هاتفه النقّال وحقيبة، وأجبروه وحارسه الشخصي على العودة إلى مقر إقامته، وأغلقوا دونهم الأبواب، وأبلغه قائد الوحدة أيضاً بأن نائب الرئيس يأمره بالتزام الصمت وعدم الحديث مطلقاً مع أي جهة كانت حتى إشعار آخر».
وبحسب المصدر، فقد عاد بن دغر وحارسه إلى غرفته و«تم قطع جميع وسائل الاتصال عنه وعن حارسه الذي تم تجريده أيضاً من هواتف كانت بحوزته».
وكشفت أن «شجاراً حاداً واتهامات بالخيانة نشبت بين جنود ألوية الحماية الرئاسية وأحد والوزراء – شمالي – لدى مغادرة جميع الوزراء والوكلاء الذين ينتمون إلى الشمال القصر قبل يومين من سقوطه، بعد اتهام الوزير للجنود بالتقصير ومعاملتهم باعتبارهم شماليين وأساس في الاشتباكات والتوتر الذي يحدث في عدن».
وبحسب المصدر، فقد قال الوزير قبل صعوده إلى مركب أقله و6 وزراء آخرين «لو كنا من خبره هادي كنتم فديتونا بعيونكم، لكن نحنا عيال خاله هنا؛ ونستاهل لما خرجنا من صنعاء»، وتابع: «خلوا أصحاب الضالع يعلموكم الاحترام»؛ ليرد عليه أحد الجنود «مش شغلك يا دحباشي نحنا وأصحاب الضالع نسد».
هدنة فضل حسن تؤجل السقوط
ليلة اندلاع المواجهات التي بدأت عند الرابعة والنصف صباح يوم 28 يناير 2018م في حي خور مكسر بإطلاق جنود تابعين للواء الثالث حماية رئاسية النار باتجاه حراسة أمن عدن وتنفيذ انتشار أمني في محيط المعسكر الذي لا يفصله سوى سور عن إدارة أمن عدن، وقام كذلك جنود اللواء الثالث بنصب نقاط تفتيش على الطريق المؤدية إلى كريتر الحاوية قصر «معاشيق»، معلنين المدينة منطقة مغلقة تمنع السيارات والأشخاص من خارجها الدخول إليها.
ليل اليوم الأوّل من المواجهات توجه قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء فضل حسن، إلى مقر مدير أمن عدن اللواء شلال علي شائع، عارضاً هدنة يتم بموجبها وقف إطلاق النار من الجانبين، طالباً من مدير أمن عدن تسليمه الأسرى من جنود اللواء الثالث حماية وعددهم 72 أسيراً، وهو ما تم بالفعل.
ولاستكمال مهمته، توجه اللواء فضل حسن إلى أحمد المسيري، وزير الداخلية المعيّن من قبل الرئيس هادي، وكان حينها في اجتماع مع وزير النقل صالح الجبواني، وعدد من القيادات الأمنية في إحدى الفلل السكنية بمدينة المنصورة، لعرض مبادرة وقف إطلاق النار.
وبحسب مصدر مشارك في اللقاء، فقد حضر إلى الفيلا 10 أشخاص بعضهم ملثم، وخاطبوا الميسري بلهجة عنيفة، وحمّلوه مسؤولية أي انتكاسة أو هزيمة قد تتعرض لها الألوية الرئاسية والقطاعات الأمنية المساندة لها، ومن بين ما قالوه إن الشخص الذي كلفه وزير الداخلية مدّهم بصواريخ حرارية مضادة للدروع وقانصات، لم يفِ بوعده، ما تسبب في جرح زملاء لهم نصبوا نقطة تفتيش وحواجز أمنية بالقرب من حي ريمي وجولة كالتكس، في مواجهات اندلعت صباح اليوم الأوّل من المواجهات مع قوات من «الحزام الأمني». وأكد المصدر أن وزير الداخلية قام ساعتئذ بالاتصال بجهة قال إنها ستتكفل بتوفير الأسلحة النوعية التي طلبها المسلّحون.
يشار الى أن الهدنة التي قادها اللواء فضل حسن، لم تصمد ليستمر القتال وإطلاق النار ليوم آخر انتهى بتدخل دول «التحالف العربي» في اللحظات الأخيرة، بعد أن تمكنت «المقاومة الجنوبية» مسنودة بوحدات «الحزام الأمني» ولواء «الجن » التابع لـ«المجلس الانتقالي» من الوصول إلى البوابة الرئيسة لقصر «معاشيق»، مقر حكومة الرئيس هادي في عدن.
خليك معنا