الصباح اليمني_دولي
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للأستاذ المساعد في جامعة سنغافورة، جيمس كرابتري، قال فيه إن قصة جائحة كورونا لحد الآن رويت من منظور الدول الغنية ولكن آثارها الأسوأ ستشعر بها الدول الفقيرة.
زادت الإصابات بحوالي النصف خلال أسبوع واحد في نيسان/أبريل، بينما تستمر الأعداد بالتزايد في الهند. كما أن أسوأ التفشيات تقع في بلدان مثل البرازيل وإكوادور وتركيا. ويمكن لمركز الجائحة أن يعود بسهولة لآسيا أو ينتقل لأمريكا اللاتينية.
وبعد هذه الطوارئ الصحية هناك تهديد بدمار اقتصادي. وكان الفعل الجريء للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هو الذي منع سلسلة من الأزمات المالية في الأسواق الناشئة بعد هروب رؤوس الأموال في آذار/مارس الماضي والتي بلغت 83 مليار دولار.
ولكن الجائحة الآن تهدد بتحول أكثر عمقا، جلب نهاية لفكرة الأسواق الناشئة، وهي الدول الفقيرة التي تنمو بسرعة وتحقق قفزات سريعة نحو التطور فتصبح المفضلة للمستثمرين الماليين.
وأضاف أن هناك بعض الأمل في أن هذه البلدان الأفقر قد تستطيع أن تنجو بمعجزة من فيروس كورونا.
تشير البيانات من الهند، مع أنه لا يمكن الاعتماد عليها، بأن الوفيات لم تتجاوز 100 لحد الآن، وهو عدد صغير مقارنة بـ63000 في أمريكا. كما أن الأضرار في جنوب شرق آسيا كانت قليلة. وحاولت عدد من النظريات تتراوح بين الإغلاقات المبكرة إلى نسبة السكان الشباب تفسير ذلك.
ولكن عدد الحالات المحدودة قد يكون بسبب الفحوصات القليلة والحظ ظاهرة لا يتوقع لها أن تستمر. فحتى لو استطاعت الدول الأقرب تجنب الفيروس، إلا أن التداعيات الاقتصادية ستؤثر عليها بشكل كبير.
وأشار إلى أن تحذير برنامج الغذاء العالمي من أن هناك 30 بلدا من البلدان الأكثر فقرا، كثير منها في أفريقيا، على شفير المجاعة، بينما توقعت لجنة الإنقاذ الدولية مليار إصابة في المناطق المتأثرة بالصراعات والدول الهشة.
واستدرك أن عملية إدارة الجائحة على المدى الطويل ستكون معقدة. فالدول الغنية بدأت الآن بالتحرز كيف يمكنها إعادة بدء النشاطات الاقتصادية مع تجنب موجة جديدة من الإصابة بالعدوى من خلال الفحوص وتتبع المتصلين (بأشخاص مصابين).
وبهذا التعقيد تحتاج إلى بلدان مثل الدنمارك وسنغافورة. أما الدول التي لديها إمكانيات محدودة وأنظمة صحية ضعيفة ستجد الأمر مستحيلا تقريبا. ولذلك يتوقع حصول تفشيات مستقبلية يرافقها بطبيعة الحال “دوائر الفتح والإغلاق المدمرة”.
وحذر قائلا حتى لو كان بالإمكان تجنب كارثة صحية فإن على الدول النامية التعامل مع تحديين إضافيين مهمين: تهديد الركود على المدى القصير والذعر المالي، والمشكلة طويلة الأمد بالأداء الضعيف للاقتصاد على مدى فترة طويلة.
وتظهر توقعات صندوق النقد الدولي بأن الأسواق الناشئة ستنكمش بنسبة 1 بالمئة هذا العام. وهذا يبدو أفضل بكثير من انكماش 6 بالمئة المتوقع للدول الغنية. ولكن هذه التوقعات تخفي الحجم الحقيقي لتباطؤ الاقتصاد، لأن مجموعة الأسواق النامية تشمل الصين والتي سيتعافى اقتصادها العملاق بسرعة نسبيا.
وتبدو الصورة في أماكن أخرى قاتمة. فالبلدان المصدرة للسلع تأثرت سلبا بسبب تراجع الطلب. وتلك التي تعتمد على السياحة تعاني أيضا وتراجعت الحوالات المالية أيضا. وتبدو اقتصادات أمريكا اللاتينية بالذات هشة، أمثال البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، والتي أشيد بها وهي جزء من مجموعة “بريكس” (BRICS)، ستتراجع بنسبة 5 بالمئة أو أكثر.
وستكون الأرقام أسوأ إن انتشرت تفشيات جديدة، حيث يصبح الأكثر احتمالا أن تُقوض التوقعات المتفائلة لمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي لعام 2021.
والأسوأ من هذا هو أنه ليس هناك أي أسواق ناشئة لديها الإمكانيات لتوفير المستوى اللازم من الدعم المالي الطارئ، مثل ضمانات الدخل ومساعدات الأعمال الصغيرة، كما حصل في بلدان مثل أمريكا وبريطانيا.
وبعض هذه الأسواق ستقلص النفقات على قطاعات أخرى كما فعلت تايلند عندما قلصت النفقات الدفاعية، أو السعي للحصول على قروض من البنك الدولي. ولكن بلدانا مثل إندونيسيا والهند لا تملك مساحة مالية واسعة لزيادة النفقات، كما أنه ليس بإمكانها زيادة الديون كما فعلت دول أكثر ثراء. ولا يمكن لمصارفها المركزية اتباع سياسات مالية طموحة خشية تخويف المستثمرين القلقين مما سيزيد من هروب رؤوس الأموال وتراجع قيمة العملات المحلية.
لكن المخيف بصورة أكبر هو “ماذا سيحصل إذا انهارت أسواق الاقتصادات المتقدمة”.
ارتفعت الأسواق العالمية على مدى الأسابيع الأخيرة بسبب ما أسماه استراتيجي الاستثمارات، محمد العريان “الفشل الإدراكي الكبير” لتقدير خطورة الجائحة، ويعتمد كثير منها على الاعتقاد الأعمى بأن الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في ضخ الأموال المحفزة مرة بعد مرة.
ولذلك تجد الأسواق الناشئة نفسها معتمدة على سخاء رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول واستعداده أن يبقي الأموال تتدفق.
وتمت مشاهدة ذلك من خلال خطوط التبادل الجديدة، والتي تعني ضمان استخدام الدولار بالسعر المتفق عليه، مع بلدان مثل البرازيل والمكسيك وكوريا الجنوبية. فكم من الزمن يمكن لباول أن يستمر في ذلك فهو أمر لا يعرف الجواب عليه أحد. ولكن حتى لو ظهرت منه إشارة أن ذخيرته بدأت تنفد فإن هروب رؤوس الأموال من الاقتصاديات النامية سيكون سريعا ومدمرا.
ويفاقم هذا الخطر قلق آخر هو كيف يمكن تمويل المديونيات الجديدة للدول الأكثر فقرا. فأكبر 30 اقتصادا ناشئا تحمل ديونا مقدارها 73 تريليون دولار، وهي مديونية نمت مرة ونصف خلال العقد الأخير بحسب بنك التسويات الدولي، وهو مجموعة من البنوك المركزية.
وتلك البلدان التي لديها مديونية عالية بالدولار بالذات، مثل الأرجنتين، ستكون عرضة للخطر، إن استمر الدولار بالارتفاع، كما حصل في آذار/ مارس عندما لجأ المستثمرون الخائفون إلى الأمن النسبي للموجودات بالدولار.
ويعلق أن بعض الدول ستتحمل الصفعة أكثر من غيرها. فالأسواق الناشئة في آسيا لديها احتياطي يصل إلى تريليونات الدولارات، وهو درس تعلموه من الأزمة الآسيوية عام 1997. وبعضها، مثل فيتنام، تحملت أزمة فيروس كورونا بشكل جيد لحد الآن. ومع ذلك، فإنه مع استيعاب حجم الكارثة يتوقع أن يكون هناك أزمة مالية بشكل أو آخر في الأسواق الناشئة.
مضيفا أن المؤسسات العالمية قامت باتخاذ بعض الإجراءات، إلا أنها ليست كافية لمنع أزمة. فوفر صندوق النقد الدولي مثلا تخفيفا على ديون أكثر من 20 دولة من أفقر الأعضاء. وأعلنت مجموعة العشرين في أواسط شهر نيسان/أبريل بأنها ستعلق سداد الديون حتى نهاية العام. كما قدمت مؤسسات أخرى مثل البنك الدولي مساعدات أيضا.
ولكن كل ذلك لا يصل بأي شكل من الأشكال قريبا من مبلغ 2.5 تريليون دولار التي تقول الأمم المتحدة بأن هناك حاجة لها لمساعدة الاقتصادات النامية، وهو هدف يتطلب إلغاء الديون ومساعدات غير مشروطة على مدى أوسع. ويجب توزيع إلغاء الديون على نطاق واسع أيضا وليس على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فقط.
كذلك على دول معينة لعب دور مهم (حيث يقع التركيز على الصين)، وخاصة أنها أقرضت مبالغ كبيرة للاقتصادات الناشئة بما في ذلك حوالي 150 مليار دولار لأفريقيا منذ عام 2000. ولكن مع أن الصين قالت إنها ستوفر تعليقا لدفع الديون، إلا أن الإلغاءات بقيت لحد الآن مستبعدة عن الأجندة.
وحتى لو كان من الممكن تجنب الأزمة المالية والصحية، على زعماء الاقتصادات الناشئة التفكير في التغيير على المدى الطويل الذي سيتسبب به فيروس كورونا لنمو تلك الاقتصادات.
وتقوم هذه الجائحة بنقض صور التكامل التجاري والمالي الذي دعم ثلاثة عقود من العولمة السريعة فساعد على نشل مئات الملايين من الفقر. وتراجعت مستويات التجارة العالمية والاستثمار وربما لن تعود للمستويات التي وصلت إليها قبل الجائحة. ونفس الشيء صحيح بالنسبة للسفر التجاري العالمي والسياحي.
بعض هذه التوجهات كانت سابقة للجائحة مثل التراجع التدريجي للأداء الاقتصادي للدول النامية. ولو استثنينا الصين والهند لوجدنا أن الأسواق الناشئة كمجموعة بالكاد نمت أكثر من الأسواق المتطورة منذ عام 2013. وسيسرع فيروس كورونا من تراجعها.
وباختصار فإن هذا قد ينهي الأسواق الناشئة بالشكل الذي قصده المؤلف روتشير شارما في كتابه Breakout Nations لعام 2012 حيث اقترح أن الدول مثل أندونيسيا والفلبين ونيجيريا أو تايلند ستتمكن من تحقيق تمددات ملحوظة فوق المستوى. ولسنوات بعد الفيروس لا يتوقع أن يحقق أي اقتصاد ناشئ نموا مستداما يصل إلى 7 أو 8 بالمئة كما كانت تعد بعض تلك الأسواق.
صحيح أن بعض تلك الأسواق الناشئة قد تنمو بمعدل قريب من هذا العام القادم: حيث يتوقع صندوق النقد الدولي تحقق نمو بمعدل 9.2 بالمئة في 2021. ولكن ذلك سيكون حالة استثنائية بينما تحاول الدول الخروج من حفرة الركود بسبب فيروس كورونا. وبعدها يتوقع أن يكون النمو أقل مما كان متوقعا قبل الأزمة.
ومن الواضح أن هذا احتمال مخيف بالنسبة للأسواق الناشئة نفسها والتي اكتسب زعماؤها شرعيتهم من الوعود بالنمو المستدام والسريع وارتفاع الدخل. فنموذج التطور الذي استخدمته الكثير من الأسواق الآسيوية الناشئة والذي يقوم على التركيز على التصنيع للتصدير السريع سيكون أقل فعالية في عالم ما بعد كورونا المتراجع عن العولمة. وسيزيد تعقيد الوضع المالي للدول الفقيرة وخاصة أنها استدانت بذلك الشكل الكبير بناء على افتراض نمو لم يعد يبدو واقعيا.
ولكن يجب أن تقلق هذه التوجهات بقية العالم أيضا. فالاقتصادات الناشئة تشكل حوالي ثلاثة أخماس الناتج العالمي، بعد أن كانت تشكل خمس إنتاج العالم في 1990. وتصرفت تلك الدول بمسؤولية الشركاء في النظام العالمي، وخاصة أن الكثير استفاد من العملية. وقد لا يكون هذا هو الحال في المستقبل.
ويختم بالقول: “عند مواجهة تباطؤ في النمو وشعب غاضب قد تتحول دول مثل الهند وتركيا إلى جموح قومي كما هي حال روسيا عندما تسعى لتقويض المؤسسات متعددة الأطراف وتتنمر على جاراتها الضعيفة. وحتى لو لم يحصل ذلك فإن فكرة أن البلدان النامية ستقود الاقتصاد العالمي وتخرجه من حالة المرض التي يعاني منها يقل احتماله. وبينما يحقق معظم مرضى كورونا شفاء كاملا، فإن الأسواق الناشئة لا يتوقع أن تكون محظوظة إلى ذلك الحد”.
خليك معنا