فقدان الشعور بالانتماء

|بقلم:عصام واصل|

يُعد الإنتماء والشعور به نتيجة حتمية لإحساس الفرد والمجتمع بإشباع الحاجة وتوفير متطلبات الرفاهية التي يصبو إليها ويشعر مع تحققها بكينونته وإنسانيته وانتمائه للآدمية، وهي سمة لا تتحقق إلا في المجتمعات التي تسيّر شؤونها نخبٌ على مستوى عال من المسؤولية والإنسانية، وتحكمها قوانين صاغتها البشرية المتقدمة في الوعي وطرائق التنفيذ.

يفتقد الشعب اليمني الشعور بالانتماء الحقيقي للوطن والاعتزاز به واحترام مبادئه وكياناته وتقديس رموزه كبقية الشعوب؛ نتيجة لغياب الإشباع التام للحاجة من جهة، وفقدان الأمان والتعايش السلمي، وانسحاق الهوية وغياب الإحساس بالكرامة والتقدير من جهة ثانية.

ويبدو أن هذا الشعب هو الوحيد من بين كل شعوب العالم الذي يشعر بـ«قرف» مطلق من هذا الإنتماء، إنه لا يتورع عن التعبير عنه علانية داخل الوطن وخارجه، في كل المحافل الرسمية وغير الرسمية، وعبر كافة وسائل التواصل والاتصال، إنه يشعر بالقرف من هذا الإنتماء بمقدار شعوره بالقرف من كل المكونات التي تمثل السلطة أو ترمز إليها، وبمقدار إحساسه بالقرف الناتج من غياب النظام والقانون والمساواة والعدالة الإجتماعية.
وغالباً ما ينتج هذا الشعور من عدم ثقة الإنسان بالنخب التي تحكمه، فغياب الثقة ينتج منه غياب في الشعور بالطمأنينة والأمان، كما ينتج منه سلوك مرتبك وغير طبيعي تجاه من لا يثق بهم، لاسيما إذا كان يراهم – من وجهة نظره – مجرد عصابات تعمل على سلب حقوقه وهدر كرامته بل وجعله هامشاً مقصىً ومغيباً ليس إلا.

وغالباً ما يتولد عن هذا الشعور الطاغي لدى الأفراد والمجتمع عنف مضاد، يظهر على شكل رفض مطلق وكراهية حادة لكل مؤسسات الدولة ورموزها ولكل ما يمثلها من سلطة أو يدل عليها. كما يتولد عنه عنف داخلي حاد وانفصام مركب يفرز ملفوظات احتقار وسخرية من قبل الذات لمحيطه ومجتمعه ووطنه ورموزه وكياناته.

الخطير في الموضوع هو أن تحول هذه الأفعال من مجرد ممارسات عابرة وآنية، إلى عادات مألوفة ومسلم بها دون وعي أو حسبان لنتائجها الفادحة، يعني الإنتهاء الكلي لمجموع القيم التي يحترمها الفرد والمجتمع، بل إن احترامه لأي شيء يصبح في حكم المنعدم، وإذا انعدم الإحترام أصبح ما يفترض أن يمثل قيمة عليا لدى الشعوب أمراً غير مهم ولا قيمة له.

ولعل أبرز مسببات هذا الشعور هو الإحساس بأن هذا الوطن بكل مقدراته وثرواته ومؤسساته مسخَّر لخدمة أفراد بعينهم، وأن بقية الأفراد يعيشون خارج الإهتمام تماماً، ومن ثم فإن كل مسمى يؤدي إلى الإنتماء إلى هذا الوطن يولد إحساساً بارداً لِخلوِّه من مضامينه ومن ما يعزز شروط التعايش الحقيقي مادياً وروحياً.
كما أن جعل عناصر السلطة كـ«أنا» متعالية مهيمنة متسلطة وإقصائية، مقابل أفراد الشعب كـ«آخر» مسحوق ومقموع ومقصى ومغيب، يرسخ استمرارية هذا الشعور لدى العامة والخاصة، بل ويرسخ الإيمان المطلق بالتنافر ورفض الإنتماء، ويجعله سلوكاً متأصلاً، ليبدو وكأنه جزء من الهوية والطبيعة البيولوجية.
العجيب أنه يستوي في ممارسة هذا السلوك كلٌ من القامع والمقموع في اليمن، فالكل سواسية يعبرون عن هذا الشعور، بالرغم من أن القامع يمتلك الجاه، ويسيطر على مصادر الثروة، ويتمتع بما يشبه الحصانة التي تجعله في منأى عن المساءلة والوقوع تحت ضغط الحاجة، إنه يمارسها كما لو أنه لا يمتلك شيئاً، مثله مثل المواطن المقموع من قبله.
إن الإعتزاز بالوطن والشعور بالانتماء إليه ثقافة مكتسبة تتأتى من الشعور الحقيقي بالمواطنة، ويقاس بمدى توفر الكرامة والأمان وتطبيق القانون. كما أنه يمثل النتيجة الأولى والأخيرة للشعور بالمساواة والعدالة وغياب الشعور بالتمييز، وبدون ذلك تظل المعادلة ناقصة.

خليك معنا
قد يعجبك ايضا