مع انعدام الخيارات المُتبقيّة أمام العربية السعودية، وحِلفها الخليجي المُقاطع من خلفها لدولة قطر، ونجاح الأخيرة في كسب التعاطف العربي ولو إعلامياً على الأقل، واقتصادياً بدرجةٍ أكبر بمُساعدة الحُلفاء، يُقال أن هناك خياراً أخيراً مُتبقيّاً أمام بلاد الحرمين، وهو “تجميد” عُضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، أو التهديد بطردها منه، حال عدم استجابتها لقائمة المطالب، التي تُعيدها للبيت الخليجي.
لا يبدو ذلك الخيار البديع، كخيارٍ “مُرعبٍ” برأينا بالنسبة للقيادة القطرية، فتجميد عضويتها، أو حتى طردها من مجلس التعاون الخليجي، لا يُغيّر من الأمر شيئاً، واتفاقيات الدفاع المُشترك التي تنص عليها بنود “التعاون”، للحماية من الأخطار الإيرانية وغيرها تبدّلت بين ليلةٍ وضُحاها، وباتت قطر تستعين بحليفها الإيراني والتركي، لحمايتها من دول خليجية مُتعاونة معها فيما يُسمّى مجلس التعاون.
دول الخليج إن كانت تعتقد باستثناء دول الحياد كالكُويت وعُمان، أنها تستطيع إيجاد بدائل قويّة لاستبدال مقعد قطر في مجلسها المُتعاون، فالخيارات القويّة مَعدومة، لأن المغرب والأردن اللذان كَثُر الحديث عن ضمّهما للمجلس، أبديا حِياداً على غير العادة، وخَرجا عن إجماع “المُقاطعين”، فالمغربي أرسل مواد غذائية وتدخّل للوساطة مع قطر، والأردني خفّض التمثيل الدبلوماسي، وأبدى القطري تفهّماً لموقفه، أما اليمن فهو مقسوم، وحاله يُبكي الحجر، فأيُّ مجلس تعاونٍ هذا؟
العجيب في كل هذا، أن السعودية وحِلفها المُقاطع، يُصرّون على أن قطر ستكون باباً خلفياً، لتدخل منه إيران للمنطقة، مع العلم أن إيران دخلت للمنطقة من البوابة العراقية التي تم إسقاطها بفعل التآمر الخليجي وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين، ومن ثم البوابة السورية بفعل الحرب الكونية على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي اليمن حكاية الحزم اللامُنتهية، وغيرها من الأبواب التي فتحتها الأخطاء السعودية أمام تدخّلات إيران في المنطقة، فكيف يُمكن أن تكون قطر بوابةً خلفية، وهناك من يدفعها لأن تكون بوابة أمامية رئيسية، لدخول إيران وبإذن رسمي من قطر لحمايتها من البوابات الخليجية “الشقيقة”.
السعودية بتقديرنا، بسياساتها الخاطئة أو المُتخبّطة، لا تفتح أبوابها للشيطان الإيراني لمنطقة الخليج فحسب، بافتعالها الأزمة مع قطر بضوءٍ أخضر أمريكي، بل هي تعمل على أن تخسر معركتها نهائياً في الملف السوري، والمُلتهب أصلاً قبل إشعالها للخُصومة مع قطر، ولنا إن سمحت لنا السعودية أن نُذكّرها، أن انكفاء قطر وتركيا عن التدخّل في سورية، والحديث هنا عن هزيمة مجموعاتها المُسلّحة في محافظة إدلب، وتسليم محافظة إدلب بالتالي للجيش العربي السوري، وهذا هو أحد الأثمان التي سوف تُقدمها قطر لإيران، في حال طال عُمر الأزمة معها، وانضمت لمحور المُمانعة والمُقاومة.
لا نعلم حقيقةً، ما الذي سيترتّب عليه انتهاء مُهلة السعودية ورهطها المُقاطع لقطر للاستجابة لمجموعة مطالب، على رأسها وقف دعم جماعة الإخوان المسلمين، وحركة “حماس″، وإغلاق قناة “الجزيرة”، لكن الأكيد أن القيادة القطرية فيما يبدو حتى الآن على الأقل لن تتنازل، وتحذيرات أمير الكويت، ووزير الخارجية الألماني من عواقب وخيمة لاستمرار الأزمة، لا تُبشّر بخير، وتشدّد الإمارات كذلك أمرٌ لا يُمكن إغفاله.
كل هذه المؤشرات الحادّة، ربّما تأخذنا إلى خيار الحرب الذي يُرجّحُه البعض، ولكن لا زلنا نستبعده، مع تواجد مؤشرات أقل حدّة، تُشعرنا بوجود ضُغوطات أمريكية تُمارس على السعودية والإمارات للتراجع، آخرها قرار مُراعاة الحالات الإنسانية التي سارعت له مُتأخّراً، كل من السعودية ومن بعدها كل من الإمارات والبحرين.
كذلك هناك تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير التي أكّد فيها أن قطر ليست مُحاصرة، وأن بلاده مُستعدّة لإرسال المواد الغذائية لها، وكلها تأتي في إطار امتصاص غضبٍ شعبي عربي تعاطف مع قطر، وتماشياً مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الذي أبدى الاستياء من مُحاصرة قطر في رمضان، رغم إعطاء بلاده الضوء الأخضر لذلك الحصار.
تعلّمنا دائماً، أن الولايات المتحدة الأمريكية تسير على التناقضات في سياساتها، بغض النظر عن التصريحات المُعلنة، ولذلك ربّما تعلم القيادة السعودية، رغم أننا نشك بذلك، أن السيد الأمريكي، له مصالح خاصّة لا تتقاطع مع مصالحها بالتأكيد، وتناحر الدول الخليجية بالتأكيد من مصلحته، وإيران ستستغل هذا التناحر لمصلحة محورها المُقاوم، لذلك إن أتى ذلك الضوء الأخضر الأمريكي، والذي يَسمح للطائرات السعودية والإماراتية التحليق في سماء الدوحة وقصفها، هذا لا يعني بتاتاً أن السياسة السعودية قد انتصرت، فالرئيس صدام حسين دخل الكويت ضمن مؤامرة أمريكية، وسقط في نهاية الأمر، فحذاري كل الحذر من هكذا نهاية.