كل ما في الأمر أن «الإخوان» فشلوا سياسياً كما فشلوا دعوياً… لا فرق بينهم والسلفيين. هذا على المستوى العربي. أما في اليمن – حيث بيئة الجهل والتخلف الأكبر التي تساعد على تنميتهم كالحوثيين والسلفيين إضافة إلى تقهقر الخطاب السياسي المدني أساساً – فلطالما كانوا قفازاً لصالح ولمشائخ القبيلة للحد من السياسة والمدنية. بينما الحاصل الآن للأسف أنهم يرسخون دورهم المفضل الموائم لصالح.
لكن كما يقول الكواكبي في كتابه الأشهر «طبائع الإستبداد» يبقى بين «الاستبدادين السياسي والديني مقارنة لا تنفك، متى وجد أحدهما في أمة جر الآخر إليه، أو متى زالَ زال رفيقه، وإن صلح أي ضعف أحدهما، صلح أي ضعف الثاني. ولو كان الاستبداد رجلاً وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي وحياتي فالمال المال المال».
والحال أن مفهوم الوطن في وعي الإسلام السياسي يسقط مقارنة ومفهومي الخلافة أو الإمامة الثابتين. لذلك تصبح الهوية الوطنية هي الدينية فقط، بينما تهان أحلام الدولة المدنية من قبل أولئك الذين يشوهونها ويفرغونها من مضمونها قياساً وتأجيجهم الدؤوب لمفهوم الدولة الدينية. كما يقدم هؤلاء على التحالف مع الشيطان من أجل تحقيق مآربهم العليا تلك، ويتم التفريط بالوطن لصالح مشروعي الخلافة أو الإمامة، ليتم احتقار الفرد بالمحصلة وترسيخ الإستبداد.
على أن السخيف في كائنات الولاية، هو زعمهم أنهم يعانون من مظلومية جراء عدم تحقيقهم لجوهر عقيدتهم المتمثل بوعي الولاية. والمشكلة أنهم يتغافلون عن رفعهم للسلاح ورفضهم للسياسة و«لهف الدولة» ومحاولة إرضاخ المجتمع لإرادتهم، مع أن ثلاثة أرباع اليمن مغايرة لوعي الولاية ولا تؤمن به.
وبالطبع فإن هذا لا يعني الرضا بوعي الخلافة المتطرف، كما تزعم كائنات الولاية التي تبتهج بتطييف الصراع لتحقيق مصالحها الضيقة غير المشروعة واستمرارها فوق الدولة وفوق المواطنة المتساوية.
ثم إن غالبية اليمنيين على مستوى اليمن مع دولة مدنية لا دولة دينية. وبالتأكيد الوعي الديني يظل محترماً إذا لم يتطرف ويتحول إلى إرهاب سني أو شيعي. غير ذلك معناه أننا ننحاز إلى مذهبياتنا المشوهة التي لا تنتمي للتعايش وللديمقراطية وللمواطنة المتساوية. ننحاز لسلطة السلالة أو لسلطة الطبقة، وهذا هو المرفوض بعينه حتى لو حاولتم فرضه بالأمر الواقع يا كائنات الكهنوتية البغيضة.
والواقع أن كل طرف متطرف الآن يتغذى من تطرف الطرف المضاد له، بينما هؤلاء في الحقيقة لا يختلفون عن بعضهم أبداً، لأنهم يصبون في مصهر واحد هو دولة النظام المذهبي المتحجر والمتطرف فقط، وباسم الدين للأسف. النظام الذي لا يصون تنوع اليمنيين المذهبي بإبقاء الوعي الإستغلالي للدين بعيداً عن الصراعات السياسية والإجتماعية، النظام الطائفي بامتياز طبعاً، النظام الذي يريد أن يكون تعريف المواطن لنفسه: أنا مواطن سني أو مواطن شيعي، وليس أنا مواطن يمني!
فالثابت أن مفهوم الشعب يمحق بشناعة ممنهجة في ذهن هؤلاء، وتكون مصلحة الجماعة المنفذة للحكم قبل مصلحة الوطن دائماً. بالتالي تتفاقم فكرة الجهاد ولا صوت يعلو فوق صوت الفتوى، كما تتخرب قيمة الوحدة الوطنية ويكون المعنى الوحيد للهيئات الدينية التي تزعم التعبير عن الشعب بالتشدد وبالقوة.
فيما ينغلق المجتمع على نمط أحادي التثقيف أكثر ما يتسم به هو التعصب، وتصاب بالشلل مفاهيم القانون والحريات والانفتاح وحقوق الإنسان. ذلك أن الدولة الدينية تزعم احتكارها للحقيقة الدينية ولا مجال لحرية الرؤية المخالفة أو للاختيار الآخر إلا نادراً وبمشقة. وبالمحصلة، يزدهر الكهنوت البائد كما يخاصمنا المستقبل التقدمي ليطبق رجال الاستغلال السياسي للدين وصايتهم القهرية على المجتمع ومؤسسات الدولة دون أي مساءلة أو اعتراض.
بمعنى آخر؛ لا تحترم الدول المستبدة الدينية بالذات أي خصوصيات أو تعدديات مجتمعية كما ينبغي، فيسود منطق الإرهاب التكفيري في الدول الدينية ويكتوي به كل صاحب وجهة نظر أو رأي مستقل، كما تسقط الأوطان في هاوية منظري وهم وعبث الدولة الدينية، ليصبح فكر الإسلام السياسي في تمام الاستبداد حين يتمكن دعاته من الحكم. والمعروف أن أبرز الدول الدينية حالياً هي إيران والسعودية، رغم تفاوتات نسبية بينهما كما نعرف. وفي السياق نظام «طالبان» في أفغانستان سابقاً أيضاً.