الصباح اليمني_مساحة حرة|
لطالما روجت الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها بأنها بلد الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والقانون والحريات الفردية، وبأن كل مواطنيها سواسية أمام القانون الفيدرالي في بلاد العم سام، وبأن واجبها السّياسي والأخلاقي والقانوني يحتم عليها الدفاع كل مواطن يحمل الجنسية الأمريكية في أي مكان في العالم، بالإضافة لتقديم كل أنواع الدعم والحماية الدبلوماسية وحتىّ العسكرية له إن لزم الأمر.
وذلك حسبما جاء في وثيقة دستور الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1789م، بجميع تعديلاته لغاية سنة 1992م، والتي بلغت 27 تعديلاً دستورياً، إذ جاء في التعديل 14 الفقرة 1 ما يلي ” يعتبر جموع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة الأمريكية والحاملين لجنسيتها والخاضعين لسلطانها، من مواطنييى الولايات المتحدة الأمريكية، ومواطنيي الولاية التي يقيمون فيها، ولا يجوز لأي ولاية أن تضع أو تطبق أي قانون ينقص من امتيازات أو حصانة مواطنيي الولايات المتحدة الأمريكية، كما لا يجوز لأية ولاية أن تحرم أي شخص من الحياة أو الحرية أو الممتلكات دون مراعاة الإجراءات القانونية الأصولية، ولا أن تحرم أي شخص خاضع لسلطانها من المساواة في حماية القوانين. كما جاء في (وثيقة دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر عام 1789 شاملاً تعديلاته لغاية عام 1992م، ص 13.12).
ولكن يبدو بأن الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ أحداث 11سبتمبر/أيلول 2001م، تعرف تغييراً دراماتيكياً وغير مسبوق في التركيبة القانونية والثقافية والبيئة الاجتماعية، حيث أصبح هناك شرخ كبير وواضح، بين الخطاب السّياسي والقانوني في أمريكا وبين ممارساتها الواقعية، حيث منذ ذلك الوقت تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في نخبها البيروقراطية تمييزاً عنصرياً ضد مواطنيها العرب الحاملين للجنسية الأمريكية، حيث ازدادت موجة الكراهية والاضطهاد ضدهم بشكل كبير مباشرة بعد تلك الأحداث التي يرى الكثير من الخبراء بأنها من صنع المخابرات الأمريكية والموساد الصهيوني، وذلك من أجل إيجاد الذرائع والمبررات الكافية من طرف اليمين المتطرف في تل أبيب، الذي كان ولا يزال في تحالف استراتيجي مع تيار المحافظين الجدد في أمريكا لغزو العراق، خاصة وأن النظام العراقي البعثي كان يعتبر من أشد أعداء الكيان الصهيوني خطورة في نظر صناع القرار في تل أبيب، كما أن وجود عدد كبير من العلماء والكوادر الذين يمكنهم اعادة احياء البرنامج النووي العراقي العسكري، كان يشكل مصدر قلق دائم لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، وخلال تلك الفترة انتشر استعمال مصطلح ” العربوفوبيا”، الذي أصبح بمثابة الوجه الأخر للاسلاموفوبيا، حيث يقول المفكر إيميل أمين ” ان العربوفوبيا هي الوجه الاخر للاسلاموفوبيا، وعلى الرغم من أن الغالبية من العرب مسلمون، فإن أي عربي بما في ذلك عرب أمريكا من المسيحيين وكنت منهم، بات ينظر إليهم على أنه ارهابي”، ويرى بأن أزمة العربوفوبيا تتصاعد بشكل غير مسبوق، وأنه مع تصاعد المدد اليميني المتطرف الذي يستهدف ويسقط أمريكيين لاتينيين كما جرى في حوادث تكساس وأوهايو الاخيرة، يمكن القول أن سيكونوا ضحايا في جولات و صولات مقبلة”. ويضيف كذلك ” بأن المنظرين والمفكرين في الداخل الأمريكي ألهبوا العربوفوبيا، إذ يروج مستشار البيت الأبيض السّابق ستيف بانون للتيارات اليمينية الرافضة للعرب والمسلمين. كما جاء في موقع INDEPENDENT عربي، بتاريخ 10سبتمبر/ أيلول 2019م، في مقال بعنوان ( هجمات 11سبتمبر، ” العربوفوبيا” تسحب البساط من تحت ” الاسلاموفوبيا” )
والملاحظ أن تعامل المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية مع العرب، لا يختلف باختلاف الأحزاب الحاكمة أو الرؤساء فيها، فالجميع يعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، والدليل على ذلك هو تعامل ادارة بايدن مع حادثة مقتل الصحفية شرين أبو عاقلة، حيث أنه وخلال زيارته الشرق أوسطية التي قادته إلى الكيان الصهيوني، والتي أكد فيها على أنه صهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم، تجاهل بايدن كل المطالبات الأمريكية والدولية بضرورة فتح هذا الموضوع مع الجانب الصهيوني، حيث أن الجيش الاسرائيلي الذي يعتبر المسؤول الأول عن استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة باعتبار أن كل الأدلة تشير لتورط أعضاء من وحدة ” دوفدوفان”، التابعة للجيش الاسرائيلي كما قالت صحيفة ” هأرتس” في عملية الاغتيال، وبأن الرصاصة التي أصابتها من عيار 5.6 ملم أطلقت من بندقية من طرازM16 رفض تحمل المسؤولية، وهو نفس الموقف التي تبنته الحكومة الإسرائيلية، حيث قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها، بأنه لا يمكن تحديد مصادر النيران التي أطلقت على الشهادة شرين أبو عاقلة، وقال رئيس أركان الجيش الاسرائيلي أفيف كوخافي في بيان له ” بأنه في الوقت الحالي لا يمكن تحديد مصدر النيران التي قتلت بسببها. كما ذكر موقع قناة الجزيرة، بتاريخ 12ماي/ أيار 2022م، في مقال بعنوان (اغتيال شيرين أبو عاقلة برصاص الاحتلال، السلطة الفلسطينية ترفض تسليم الرصاصة القاتلة وتقاعد المطالبات بتحقيق دولي).
بل ذهب بايدن لأبعد من ذلك في لقاء عمل جمعه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث قال في مؤتمر صحفي في مدينة بيت لحم بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على التحقيق في القضية ومعاقبة الجناة، وأكد على دعمه لفكرة حل الدولتين، بالرغم من تأكيد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأن الرصاصة التي أصابتها أطلقت من موقع إسرائيلي، ونفت كل من تل أبيب وواشنطن بأن يكون العيار الناري الذي أطلق كان بنية القتل، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي بأنها تحارب الأنظمة القمعية والديكتاتورية والتسلطية، و تدخلت عسكرياً في العديد من الدول القمعية كمل تصفها، بدافع حماية شعوبها من بطش حكام هذه الدول، وضمان أمنهم وسلامتهم، تغض الطرف عن مقتل مواطنة أمريكية قتلت بسلاح جندي أمريكي، فالدولة الأمريكية لم تفشل في توفير الحماية لمواطنة أمريكية أثناء أداء مهمتها النبيلة في كشف وفضح جرائم الاحتلال الاسرائيلي دولياً فقط.
بل تركت دمها يذهب هدراً، لأن من أطلق النار عليها هم جنود الكيان الصهيوني الحليف الاستراتيجي لها في منطقة الشرق الأوسط، ومعروف بأن اللوبي الصهيوني قوي جداً في أمريكا، وبأن اليهود هم من يتحكمون ويسيطرون على البنوك والمصارف الأمريكية الكبرى ووسائل الإعلام، كما ذكر ذلك الكاتب القومي الأمريكي في كتابه الصحوة ” النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية”، وبالتالي فهم يستطيعون التأثير بطريقة سلبية على حظوظ جوزيف بايدن في الفوز بالانتخابات الرئاسية المزمع اجراءها في سنة 2024م، وذلك بفضل تغلغلهم في دواليب صناعة القرار في بلاد العم سام، فالفوز بولاية رئاسية بالنسبة لبايدن أهم بكثير من معاقبة من تسببوا بمقتل مواطنة أمريكية خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
والحقيقة التي لا يمكن لأحد انكارها بأن العرب مضطهدون في أمريكا، ويعاملون بازدراء من طرف الإعلام الأمريكي، الذي يصور العربي حتى ولو كان مواطن أمريكي بأنه شخص عنصري وارهابي وعدواني وجاهل، وذلك في صورة نمطية كرستها أفلام هوليوود التي تحرص في كل أفلامها تقريباً على ربط العرب والمسلمين بالإرهاب، وبالرغم من الجهود التي تبذلها المنظمات العربية، والمنظمات المستقلة والغير حكومية، التي تعنى بحقوق الإنسان داخل أمريكا، لتغيير هذه الصور النمطية، إلا أنّ التشرذم والانقسام العربي الحاد في أمريكا، وغياب أليات وميكانيزمات دستورية وقانونية تضمن حقوقهم كأقليات في أمريكا، يفاقم من حجم معاناتهم في مجتمع يهيمن عليه العرق الأبيض الأوروبي، والذي يعتبر نفسه الأحق بحكم أمريكا وادارتها منذ عهد المؤسس جورج واشنطن.
خليك معناالمصدر: صحيفة رأي اليوم