الصباح اليمني_مساحة حرة|
في فيلم بعنوان “النظام العالمي 2018” للصحفي الروسي فلاديمير سولوفيوف، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الضربة النووية ستؤدي إلى كارثة عالمية للإنسانية والعالم، وبعد ذلك تساءل: “لكني كمواطن روسي ورئيس للبلاد أود طرح سؤال آخر: لماذا نحتاج إلى ذلك العالم الذي لا توجد به روسيا؟”.
يعني بوتين أن من يحاول محو روسيا عن الخارطة سيتسبب في محو الخارطة عن بكرة أبيها. وبالنسبة لنا نحن العرب فلا أظن أن هناك معنى لقيم العدالة في عالمنا اليوم، طالما ظل الشعب الفلسطيني محروم من التمتع بحقوقه الوطنية وسيادته على أرضه، ويتعرض يومياً للاضطهاد والقمع والقتل.
وكان القادة العرب في ختام قمتهم بالجزائر، الأربعاء، قد أعلنوا عن “دعمهم المطلق” للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، بالتوازي مع تطبيع لبعض الدول العربية مؤخرا لعلاقاتها مع إسرائيل، مع ثقتنا الكاملة بتمسّك هذه الدول بمبدأ “الأرض مقابل السلام” و”المبادرة العربية”، على الرغم من سعيها نحو “صفقة القرن” وغيرها من الأوهام الإسرائيلية.
من جانبه ندد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه في القمة بـ “الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، وإصرارها على تقويض حل الدولتين، وانتهاك القانون الدولي والاتفاقات الموقعة معها”. من جانب آخر أكد “إعلان الجزائر” في ختام القمة التي استمرت ليومين، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في الحرية، وتقرير المصير، وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.
وتجنبا للأحرف الحادة، نجحت القمة العربية في الجزائر في تجديد “التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، والالتزام بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية” دون الإشارة إلى التطبيع الذي قامت به بعض الدول.
كانت قمة الجزائر في المجمل إيجابية، وعلى الرغم من جهود الجزائر وكافة الدول العربية لحلحلة بعض المشكلات العويصة، التي كان القادة يطمحون إلى حلحلتها، إلا أن الوضع الدولي الراهن، والتدخلات الخارجية الواضحة في الإقليم تحول دون التوصل لأي حلول في الملفات الشائكة.
وينطبق ذلك على اليمن ولبنان والعراق وفلسطين وسوريا وليبيا، التي لم تنضج فيها أطراف الصراع بعد، ولم ينضج معها القرار العربي المستقل، والدور الذي نطمح إليه. إلا أن تلك المشكلة أوسع من أن تكون مشكلة الإقليم، وإنما هي مشكلة النظام العالمي الراهن، المبني على هيمنة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدفع الجميع لمواجهة الجميع، حتى تحافظ على سيطرتها التي تأفل كل ساعة لا كل يوم.
إن ما نطمح إليه لا يمكن أن يتحقق دون الانتقال إلى النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، تتمكن فيه كل بلدان العالم من الحصول على استقلالها التام اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. والبيان الصادر عن قمة الجزائر يعتبر خطوة جيدة عبرت من خلاله جميع الدول العربية عن تأييدها لأهمية وضرورة حدوث تطور في العلاقات بين الدول، وتفعيل دور هيئة الأمم المتحدة، واحترام القرارات الصادرة عنها، وسعي الدول العربية للمساهمة الفعلية في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، وحل جميع القضايا والخلافات عن طريق الحوار وإعلاء حق الشعوب في تقرير مصيرها.
يبقى الأهم اليوم هو الحفاظ على نظام التهدئة في جميع الدول العربية التي تعاني من مشاكل والسعي إلى تقديم المساعدات الإنسانية لهذه الدول، حيث ولا يجوز أن تستمر الأزمات الانسانية التي تعاني منها الملايين من شعوبنا العربية، في الوقت الذي يتمتع به عالمنا العربي بإمكانيات اقتصادية ضخمة، تساهم في الدفع إلى الأمام بعجلة الاقتصاد في العديد من الدول الغربية المتقدمة.
ولنكن صرحاء، فالخلافات التي نشأت بين دول الخليج، وتم تجاوزها لله الحمد، لا شك وراؤها أياد خارجية، هي من تحاول اليوم إحداث نوع من التوتر بين البلدان العربية، وكان لها أثر مباشر في عدم حضور بعض الزعماء العرب. وهو ما يخدم كذلك اختلاف بعض الدول على الموقف من العملية العسكرية الروسية الخاصة.
وليس التفجير الإرهابي لـ “السيل الشمالي” أو الهجوم على جسر القرم أو على السفن في سيفاستوبول إلا تهديد واضح لجميع الدول التي تتمتع باحتياطات الطاقة، أو تتحكم في المضائق المائية، بأن ذلك مصير من يخالف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. تماما كما تفعل عصابات المافيا وتجار المخدرات.
لذلك فإن ما تقوم به روسيا تجاه التشكيل العصابي الذي اختطف السلطة في أوكرانيا، ويضحي بشعبها، ليس سوى دفاع لا عن روسيا وحدها، وأمنها القومي، وإنما هو دفاع عن كتلة أوسع من البشر تلتقي مصالحها حول إنشاء النظام العالمي الجديد، الذي يعيد الحق لأصحابه، ويساوي بين الدول والشعوب.
ولعل موقف روسيا من القضية الفلسطينية غني عن التعريف، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك على عدالة الرؤية الروسية، التي دائما ما وقفت في اللحظات المفصلية في التاريخ لتغير تاريخ البشرية استنادا للقيم والمبادئ التي تستند إليها الثقافة الروسية.
لهذا فمن بين المستفيدين من انتصار روسيا في العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا فلسطين التي تتطلع هي الأخرى إلى نظام عالمي جديد، يعيد الحق لأهله، والأرض لأصحابها. أي أن أحد الأهداف النهائية للعملية العسكرية الروسية الخاصة سيكون استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
خليك معناالمصدر: جريدة رأي اليوم