يدرك علي عبد الله صالح أن الصدام مع «أنصار الله» ـ في الوقت الراهن ـ هو صدام مع اللحظة الشعبية الوطنية الثورية التي تختزلها وتترجمها حركة الأنصار بنكران ذات عالٍ في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي، والنهوض بالعبء الأكبر من جهد هذه المواجهة بشرياً ومادياً، وإدارة دفة وصدارة وريادة سدة مجرياتها غرماً لا مغنماً.
لذا ـ وبمنأى عن حساب وهن صالح وحزبه أو قوتهما اليوم ـ فإنه سيتلافى المجابهة المباشرة مع «أنصار الله»، لكنه سيستمر في تنمية نزوع المعارضة لدى حزبه للحركة تذرعاً بـ«قميص معارضة الفساد والاختلالات الإدارية ومخالفة الدستور والقوانين»، وهي دعاوى ضد الأنصار لم تخل منها كلمته الأخيرة، فضلاً عن أن وسائل إعلام حزبه لم تكف عن إثارتها طيلة ما قبل الشراكة السياسية وأثناءها وحتى اللحظة.
على أن دعاوى من هذا القبيل لا تصمد أمام حقيقة الغلبة المؤتمرية البيروقراطية في سدة البناء الفوقي التوافقي السياسي والحكومي، كما والمناصب القيادية الوسطية في كافة مؤسسات ومرافق الدولة، مقابل حصة عليا للأنصار يشاطرونها حلفاءهم من اشتراكيين وناصريين وأحزاب ومكونات اجتماعية أخرى مناهضة للعدوان، الأمر الذي يجعل من تلك الدعاوى ضدهم ضرباً من المزايدة غير المقبولة، واستمرار المؤتمر في تبنيها يقطع أن ثمة مغزى مضمراً من ورائها، وأنها ليست مقصودة بذاتها ولا بغية تقويم الأداء الإداري التنفيذي لحكومة الإنقاذ القائمة على الشراكة والتوافق.
المشتركات المرحلية بين الأنصار وصالح وحزبه، والمتمثلة تلخيصاً في حاجة المكونين إلى تجاوز الخلافات لجهة تمتين اللحمة الوطنية في مواجهة خطر وجودي داهم لا يستثني أحداً، لا تدحض ـ بطبيعة الحال ـ واقع التناقضات البنيوية الحادة بين المكونين الثوري الفتي والتواق ذي النزعة التحررية الراديكالية والتطلعات المستقبلية الاستراتيجية من جهة، والحزبي التقليدي العتيق والمترهل ذي النزوع الماضوي والحنين المكتوم إلى دفء زمن الوصاية والتبعية من جهة مقابلة.
تناقضات تجعل من الأداء المؤتمري جنوحاً تكتيكياً بالقصور الذاتي، حتى عندما يتعلق الأمر بمواجهة عدوان كوني يستهدف تمزيق البلد ونسيجه الإجتماعي، يسحب نفسه على هيئة ابتسار وخنوع وهوان في المقاربة المؤتمرية لطبيعة الحل والتسوية التي تنهي العدوان برأيهم واستشرافهم الناكص والكسيح لمستقبل الحياة السياسية ما بعد العدوان، انطلاقاً من يقين ذهاني بأن الحرب على اليمن ليست أكثر من «سحابة صيف» سرعان ما ستمر ليعود الحزب إلى سابق عهده من رغد البحبوحة في كنف الوصاية.
لقد استنفد صالح هامش التخويل الأمريكي عام 2011، وخلافاً لنظرائه بن علي ومبارك والقذافي، انفسح أمامه أفق حياة ودور كريمان ومائزان باندلاع ثورة الـ21 من أيلول 2014، وملحمة التحرر الوطني الكبرى في مواجهة العدوان الكوني 2015، غير أن ثقالات الحسابات العائلية والحزبية الماضوية تقسره على النكوص والتردي في فخ العشم الواهم والحنين إلى «يوتوبيا مؤتمرية مفقودة» لن تعود ولم تكن كائنة يوماً ما.
في أي مواجهة قادمة سينتصر الشعب وقيادته الثورية الطليعية التي انتصرت وتنتصر طيلة العامين ونصف العام، على تحالف عدوان كوني بمنظومة أدواته البائدة… ولا أعتقد أن المؤتمر الصالحي سيختار هذه النهاية.