يسجل التاريخ مواقف متباينة لرؤساء وقادة صنعوا تحولات كبيرة في بلدانهم في فترة ما من حياتهم، كانت خلالها أوطانهم في أمس الحاجة إلى خدماتهم وطاقاتهم، وسرعان ما أصبحت إنجازاتهم علامة فارقة في صناعة التحول وإحراق المراحل واختصارها خدمة لشعوبهم، وصارت مغامراتهم تجارب تُدرّس ويحتذى بها.
وعندما حان وقت الرحيل عن كرسي السلطة، تباينت مواقفهم؛ فبعض الرؤساء والقادة تخلوا طواعية عن مناصبهم بمجرد أن رأت الشعوب أن وجودهم في السلطة أصبح عبئاً على بناء الدولة، ولم يشفع لهم تاريخ خدمتهم للوطن، كما حصل مع الجنرال شارل ديغول، وهناك من تشبثوا بمناصبهم وعززوا هيمنتهم، بعدما كان بعضهم ثائراً ضد الظلم والاستبداد فأصبح حاكماً باسمه، والمثال على ذلك فيدل كاسترو، وغيره من الديكتاتوريات العربية وزعامات العالم الثالث.
وهناك موقف تميز القائد فيه بإنجازه التاريخي لوطنه، وظل متمسكاً بمدنيته وملتزماً التزاماً ذاتياً بدوره الذي ألزم نفسه به، وعندما انتهى منه انسحب عن طيب خاطر، وترك المجال للطاقات الجديدة التي ستكمل خدمة المجتمع، ونموذج ذلك الرئيس سانتوس دي سيلفا في البرازيل.
إن تلك التجارب التي تنبغي قراءتها من قبل السياسين – في اليمن – ودراستها، للوصول إلى حلول لمشاكل البلد، لا يتم التوقف عندها إلا للتشدق بالحديث عنها أمام العامة وفي المجالس أو وسائل الإعلام، واستحضارها للتوظيف في خدمة المصالح الذاتية، باستغلال المبادئ التي قامت عليها، والشعارات التي رفعتها، للتغطية على صفقات الفساد، وتلبية الأهواء الشخصية على حساب المجتمع الذي تصل نسبة الفقراء فيه إلى أكثر من 80%.
إن قيادات الشرعية التي شاخت من الداخل، وأصبحت عاجزة عن الفعل والإنجاز وترجمة تطلعات الشعب، أصبحت شللاً وعصابات، كل منها مستحوذ ومتملك للمؤسسة التي يديرها. فبالإضافة إلى كونهم تحصلوا على تلك المناصب بتعيينات مباشرة وتحاصص في ما بينهم بصفتهم العصابة المتحكمة بالسلطة، المتسلقة على تضحيات البسطاء، فإنهم يستغلون الشعارات التي توجبها المرحلة ولكن لخدمة مصالحهم، كشعار التمكين السياسي للشباب؛ إذ تم استغلاله للحصول على قرارات تعيينات لأبنائهم بغير وجه حق، ووضعهم في المناصب القيادية للوزارات والمؤسسات، وتكريسهم كقيادات إدارية وخبراء دون خجل، وكأنهم حصلوا على ذلك ثمناً لأدوار نضالية يزعمون أنهم يقومون بها، أو قاموا بها، ويسنون لأنفسهم امتيازات مقابل ادعاء بطولات كاذبة، فيما تفتك الأمراض بجزء من المجتمع، والجزء الآخر يتضور جوعاً.
لقد رأينا تعيينات غاية في المهزلة، وبقرارت جمهورية مضحكة مبكية، أبطالها الرئيس هادي وحاشيته من موظفي الرئاسة البيروقراطيين الذين تم تعيينهم بناء على توصيات حزبية وغيرها، وأقارب الرئيس هادي نفسه، والانتهازيون من أنصار الرئيس السابق، وقيادات الأحزاب، والشخصيات المهيمنة على قرار الرئيس العاجز… إلخ.
ولقد أصبح من السخرية أن يسري خبر التعيين كإشاعة، ثم يصبح حقيقة، بل الأكثر سخرية أن يضطر «مصدر رئاسي» إلى نفي تلك الأخبار، بعد إثارة اللغط حوله في وسائل التواصل الإجتماعي، ثم تصبح الإشاعة حقيقة تسخر من نفسها، كما حدث في تعيين سفيرة اليمن في هولندا.
إننا نتذكر أن هؤلاء اللاعبين بالقرار الرخو للرئاسة، في التعيينات للمناصب القيادية وغيرها، كانوا خلف إلغاء فكرة المفاضلة لشغل عدد من الوظائف الدبلوماسية في وزارة الخارجية عام 2012، والتي تم تقاسمها فيما بينهم. لقد وصل الحال إلى أن أصبح التغول على الوظيفة العامة تقليداً في الحكومة الشرعية، ويتضح ذلك من كشوفات التعيينات المسربة لأسماء أقارب كبار القادة العسكرين والوزراء، وهو وضع يجسد التفكير والسلوك العصاباتي لدى قيادة الشرعية وحكومتها.