حين كانت قرية موزع في تعز تدفن عشرين من أبنائها، بينهم نساء وأطفال، جميعهم من أسرة واحدة، كضحايا لهذه الحرب اللعينة، كان الناطق الرسمي للفرقة الأولى «مدلّع»، عسكر زعيل، يقيم حفل عرس باذخاً لاثنين من أبنائه، في قلب العاصمة السعودية الرياض، بحضور أمين عام حزب «الإصلاح»، عبد الوهاب الآنسي.
في يوم واحد، أنفق العسكري، عسكر زعيل، عشرات الملايين احتفالاً بزفاف نجليه المبجّلين، فيما عشرات الآلاف من العسكر اليمنيين يموت أطفالهم جوعاً، ويعانون هم شظف العيش بسبب عدم صرف معاشاتهم منذ أشهر، حتى صار كثير منهم يكلم نفسه وقارب على الجنون.
عسكر زعيل، الضابط الهارب من أول طلقة أطلقها الحوثيون في صنعاء، ينفق عشرات الملايين من الريالات، ملايين لا أحد يعلم من أين أتى بها، فيما آلاف الجنود والضباط المرابطين في الجبهات لا يجدون ما يسد رمقهم، وهم في قلب المعركة، في وسط الصحاري والسهول وأعالي الجبال في هجير الصيف القاتل.
في ظل استشراء الفساد في جسد حكومة الشرعية، لا يبدو مستغرباً هذا الإنفاق المهول لضابط عادي من ضباط الجنرال، علي محسن الأحمر. ضابط كان يفترض به أن يكون في هذا الوقت في جبهات القتال، وليس أمام دسوت الرز والقعدان المحشية، يخوض معها حرباً من نوع خاص، وكأن ما يجري في بلاده أمر لا يعنيه.
وفي ظل شعور فاسدي هذه الحكومة الفاسدة بالزهو بفسادهم، سيستمر مسلسل استفزاز الشعب الجائع في داخل الوطن المحرقة، وبذلك لن تكون أفراح عسكر زعيل الباذخة آخر الأفراح، كما أنها ليست أولها، بعد أن سبقتها أفراح مشابهة بالبذخ لأولاد الشيخ الصالح، عبد المجيد الزنداني، والوزير الناصري المؤتمن، عبد الملك المخلافي، وغيرهما كثر.
وفي غمرة أفراح المسؤولين وحاشياتهم الفاسدة، وما تتسم به من بذخ مبالغ فيه يستفز ملايين الفقراء في اليمن، يُطرح سؤال هو: من أين يأتي هؤلاء المتخمون بكل هذه الملايين، وهم مجرد مشردين في بلاد الغير؟ ثم أليس في البذخ تأكيد لحقيقة يعلمها أكثر الناس من أن الحرب بالنسبة لأمراء الحرب بات مغنماً ومصدر إثراء فاحش جداً؟
لمن لا زال يتذكر، فإنه وقبل عام ونيف من الآن، كشف خالد بحاح، رئيس الحكومة يومذاك، عن استيلاء قائد مقاومة تعز، حمود المخلافي، على ثلاثمئة مليون ريال سعودي، مخصصة لمقاومة تعز، وحولها للاستثمار بها في تركيا قبل أن يلحق بها. وبعد بحاح، كشف ناشطون عن فساد سلطان العرادة، وعبد العزيز جباري، ومحمد المقدشي، ونقلهم المليارات المقدمة من التحالف لاستثمارها في المغرب، وامتلاكهم لمزارع وعقارات ضخمة في مصر والأردن وغيرها.
الواضح جداً أنه، من الرياض إلى القاهرة إلى عدن إلى مأرب، بات فاسدو الشرعية ينفقون المليارات المنهوبة، من دعم للمقاومة ومرتبات للموظفين ومشاريع إغاثة للفقراء، في شراء العقارات وبناء القصور والفلل، وإقامة الولائم الباذخة، في وقت ما زال فيه المئات من جرحى الحرب يئنون من أوجاعهم دون أن يلتفت إليهم أحد، كما يشكو أطفال الشهداء من عدم صرف معاشات آبائهم الذين ضحوا بأرواحهم ظناً منهم أن الوطن سيرثه الصالحون، وليتهم علموا أنه بات مطية ولعبة بأيدي أفسد الفاسدين.
إن من الخطأ أن يظن أحد من المغفلين أن الفاسدين الذين تحولوا بفضل هذه الحرب إلى أثرياء سيسعون إلى حسم المعركة، أو ستؤلمهم مناظر الضحايا مهما تزايدت أعدادهم، بل على العكس، فكلما زادت معاناة الناس زادت حججهم في مد أيديهم لطلب الدعم والمساعدات بأسماء الفقراء والمعوزين، وتحت مبرر دعم الجبهات المشتعلة، وهي منهم براء.
إن مما يثبت ظلم وفساد الشرعية أنها منحت عسكرياً واحداً، هو عسكر زعيل، الملايين ليفرح هو، ويفرح أولاده، فيما حرمت مئات الآلاف من العسكر من حقهم في معاشهم الضئيل، ليتمكنوا من إطعام أولادهم وعلاجهم وتعليمهم و«أبوها الزواجة» على قول أهلنا (في اليمن)، لا داعي لها، وليستبدلوها بالصوم.
وعلى قول صاحبنا الصومالي: «ما يركب عسكر واحد يفرح… آلاف العسكر يبكي».