ضية التحول للبحث عن وطن في تقوية الذات عسكرياً، هي الحربة السامة التي توغلت في خاصرة وطن كان اسمه اليمن السعيد، تلك الرغبة في التفرد قادت إلى عدد من الحروب في تاريخ البلاد المعاصر والحديث، أدت إلى تمزيق النسيج الاجتماعي على أسس قبلية ومناطقية وطائفية.
يتكرر المشهد اليوم بوادي وصحراء حضرموت، بإخراج من الدولة القائدة لـ«التحالف»، حيث تسعى جهات قبلية بكل ثقلها لتجنيد أبنائها وفخائذ أخرى تنتمي إليها من دون شرائح المجتمع الأخرى، وكل ذلك خارج إطار مؤسسات الدولة اليمنية. تقف «الشرعية» اليوم أمام سيناريو خطير يتجاوز ما تدعيه من عزمها على تأسيس «جيش وطني موحد» من كافة أفراد المجتمع اليمني، يكون انتمائه فقط لليمن.
تجنيد ميليشاوي
التجنيد الميليشياوي أسلوب دأبت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ دخولها الحرب في اليمن، عبر إنشائها لتكوينات عسكرية تحتكم مباشرة إلى الحاكم الإماراتي في تلك المنطقة، فكانت قوات «الحزام الأمني» و«مكافحة الإرهاب» بعدن، وغيرها في أبين والضالع وشبوة، تكوينات سعت جاهدة إلى تنفيذ أجندة الإمارات، على الرغم من الدعوات التي كان يطلقها رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، لدمج تلك التكوينات بالمؤسسة العسكرية والأمنية الوطنية، ليكون الآمر والموجه واحد.
تنافس دول «التخالف»
أن يأتي هذا الأسلوب المليشياوي من المملكة العربية السعودية، فهذه واقعة جديدة، كما يقول الرائد بالجيش اليمني محمد الخالدي في حديثه لـ«العربي»، مضيفاً «التجنيد بالشريط الصحراوي بوادي حضرموت الذي يربط الوادي مع السعودية يتم كلياً خارج إشراف الشرعية، التي تمثل سلطتها العسكرية المنطقة العسكرية الأولى المرابطة بوادي حضرموت، والتي يرفض قائدها تسليم مواقع ألوية حرس الحدود اليمنية لمجموعة من الشباب خارج تشكيلات قوات المنطقة».
ويعتبر الخالدي أن «تأجير أبناء بعض القبائل بمسمى حماية القطاعات القبلية على الحدود السعودية، وبدون إشراف مباشر من القيادة العسكرية، هو تعدٍّ صارخ للسيادة الوطنية»، ويستطرد في حديثه «تتم طريقة التجنيد بربط مباشر مع الاستخبارات السعودية، التي قسّمت الحدود الرابطة بين حضرموت والسعودية إلى ثلاثة قطاعات قبلية، كل قطاع تحت حكم عسكري لشيخ من مشائخ تلك القبيلة، فالقطاع الممتد من حدود المهرة إلى حدود العبر شرقاً يقع ضمن اختصاص قبيلتي المنهالي والعامري، وبإشرافهم، بينما من العبر إلى مثلث مأرب حضرموت الجوف، فهو يقع ضمن اختصاص قبائل الصعر». ويؤكد أن «هذا التصرف غير المسؤول من قيادة الاستخبارات السعودية يقوض وجود الدولة في تلك القطاعات».
حماية للأنبوب النفطي
يرى كثير من المراقبين أن الحديث عن حماية الحدود ما هو إلا محاولة لصرف الأنظار عن السبب الرئيسي لهذا التجنيد، وهو حماية أنبوب النفط السعودي الذي يمر عبر أراضي حضرموت مروراً بالمهرة، كما يقول الناشط الإعلامي سالم العوبلي، في حديثه لموقع «العربي»، فيتساءل قائلاً: «مِن ماذا يتم حماية الحدود السعودية بالصحراء الحضرمية، وهي منطقة تنتشر فيها قوات الجيش اليمني، ولم تشهد تلك المنطقة أي تحركات عسكرية أوعمليات قتالية بعد حرب صيف 94؟ الحقيقة أن المملكة تسعى لحماية أنبوبها النفطي، الأمر الذي رفضت قبائل المهرة أن يتم عبر أراضيها من دون اتفاقيات حكومية تحفظ للوطن سيادته، ووافقت عليه بعض القبائل الحضرمية»، ويختم «إذاً هي مرحلة شراء الذمم مقابل الريالات السعودية».
طرح العوبلي، يؤكده المجند في حرس الحدود لأحد القطاعات القبلية الحديثة محمد عبدالله، ويقول في حديثه لمراسل «العربي»: «نشاهد أنبوب النفط من على برج المراقبة الذي نرابط فيه، لكن لا يسمح لنا بالاقتراب منه، وهناك أطقم خاصة تابعة للشيخ سعيد العامري مباشرة، هي من تقوم بالدوريات حول الأنبوب، كما نسمع عن قرب دخول قوات سعودية للمشاركة في حماية الأنبوب بعد استكمال الأعمال فيه»، مضيفاً «استلمنا مبلغ 12.000 ريال سعودي مقابل العمل 3 أشهر وفيها الكثير من الإجازات، لا أعلم كم يستلم المسؤولون علينا وأغلبهم مدنيين، المهم أن أرفع من دخلي في ظل هذا الوضع، سنحمي أنبوب نفط أو أنبوب ماء، لم يعد ذلك مهماً بالنسبة لنا، وأعتقد بالنسبة للدولة أيضاً».
أسلوب ليس بالجديد
التجنيد على أساس قبلي ليس بالأمر الجديد على حضرموت، وخاصة بعد فتح باب التجنيد منذ انطلاق عمليات عاصفة «الحزم» في ما يسمى بمعسكر «الخالدية» بمنطقة رماه الصحراوية، حيث سعت نفس الأطراف القبلية لِتُكوِّن نواة قوات «النخبة الحضرمية» من أبنائها من دون غيرهم، كما يقول الملازم السابق بـ«النخبة الحضرمية» سالم المبخوت في حديثه لـ«لعربي».
ويشير إلى أن «هذا التوجه قوبل بالرفض من قبل الكثير من فئات المجتمع الأخرى، وكذا عدد لا يستهان به من الضباط الحضارم الذين تم استدعاءهم للتدريب بالمعسكر، وفي مقدمتهم قائد المنطقة العسكرية الثانية السابق اللواء عبدالرحيم عتيق، ما اضطر القائد العام للقوات الإماراتية في اليمن في تلك الفترة، أبو سيف، إلى فتح باب التسجيل لجميع الفئات»، مضيفاً «بعد تحرير مدن ساحل حضرموت من تنظيم القاعدة، عادت بعض القبائل لتعزيز نفوذها العسكري، فتم فتح باب التجنيد بطريقة تحفظ لقبائل معينة السيطرة العسكرية».
وأوضح المبخوت «أصبحت قوات حماية الشركات لها ارتباطاً قوياً بالشيخ عمرو حبريش الحمومي، بينما قوات المنطقة الثانية المنتشرة بمدن ساحل حضرموت تابعة للبحسني، قائد المنطقة الثانية، وهو من قبيلة الحموم أيضاً، فيما ظلت قوات النخبة تخضع لتوجيهات الضابط الإماراتي فيصل الكعبي، بقيادة (ديكورية) من قبل العقيد منير التميمي، وبقيت الفئات الاجتماعية الأخرى تسير في فلك الإقصاء والتهميش الذي يمارسه عليهم أبناء محافظتهم».
وحسب مصادر عسكرية، فقد دعت الاستخبارات السعودية، قادة الألوية العسكرية المرابطة بالحدود الصحراوية، لمحاولة إقناعهم تسليم مواقع القوات الحكومية على الحدود للشيخ سعيد بن عسالة العامري، كونه القائد لقطاعات حماية الحدود، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل القادة، وكذا من قائد المنطقة الأولى اللواء صالح طيمس.