كلا… إنها ليست ثمانية مخططات للدفع بالعاصمة المؤقتة، عدن، نحو حرب أهلية. إن ما شهدته عدن أكثر من ذلك، ويمتد إلى ما قبل الحرب. ربما كان محافظ عدن، عبد العزيز المفلحي، يتهم جهة معينة بهذا الرقم، وإن كان يُستغرب أن يأتي هذا الإتهام في هذا التوقيت الذي لا تزال فيه عدن رازحة تحت وطأة الفوضى السياسية، علاوة على الفوضى الأمنية والاقتصادية، إلا أن حديثه عن بدء دوران عجلة التنمية في عدن يشير إلى وجود نية بإنهاء حالة الفوضى، للوصول إلى الهدوء والاستقرار أو ربما إلى فوضى أعتى وأشد.
مع الأسف، إن الإستفزاز والتخوين السياسي اللذين مارسهما الإخوة الأعداء، طيلة مراحل التاريخ اليمني، مراحل البناء والهدم على السواء، وبشكل مباشر وغير مباشر، انعكسا كأزمة ثقة بين المواطن والمسؤول. وفي كل مرة كان الشعب لا يأكل من وراء اتهامات الفساد والتخوين غير الهواء، ولذلك أصبح الشارع بدلاً من أن يلتف حول المصلح ينقسم حول الفاسدين، لتتصدع الأرض تحت أقدامهم، ويتفاجأ الجميع بأن المصلح نفسه أفسدته السياسة والسلطة. وعليه، يفترض البعض، بحسن نية، أن الميزانية ذات الأرقام المهولة التي أشار اليها المحافظ في كلمته، والتي لم تصبّ في توفير الخدمات، قد تكون ركزت على الجانب العسكري، خصوصاً مع الإنفلات الأمني الذي كانت تعانيه عدن، وحضور «القاعدة» النشط حينها.
بالطبع، هوامير الفساد موجودة في كل مرحلة وبنسب مختلفة، ولا يمكن تبرئة أحد، ولكن ما الفائدة من التحدث حول هذه الأمور والشارع يعلم سلفاً أن الصراع أكبر من ميزانية، وأن إثبات فساد أحدهم لن يغير شيئاً للأسف، بل سيزيد من حالة احتقان العاملين على تحقيق الهدف الذي يفترض أنه موحد؟! وهنا، تجدر الإشارة إلى حديث المفلحي الذي اعتبر استقرار عدن طريقاً للوصول إلى صنعاء، بينما لم تعد صنعاء هدفاً، بعدما حلت «استعادة دولة الجنوب» محل استعادة صنعاء.
اللاإنسجام في رؤية وأهداف المفلحي وسلفه، وغيرهم ممن يؤثرون في صنع القرار المحلي لعدن، هو ما يؤخر استقرار العاصمة سياسياً. وهو أمر، بالمناسبة، لا يهم المواطن البسيط الذي بات ينعم اليوم بخدمات كادت أن تُنسى، ولا يختلف اثنان حول رضى الناس عن حكم إبليس لهم إذا ما لبى لهم احتياجاتهم، فما بالنا بحكم متحدث لبق صريح مثقف عفوي يمكن أن يشكل صورة مشرفة لعدن؟
إستطاع المفلحي ومن يقف سنداً له أن يقلب موجة تفضيل الشارع لمن يحكم عدن. فما بين استماتة الشارع أمس ليبقى العسكري محافظاً، وبين استماتته اليوم لاستمرار المدني (المفلحي) وخدماته، يتبين أن قاعدة «جوع كلبك يتبعك» لم تعد تجدي نفعاً، وأن الشارع يتبع ويستميت لبقاء منافعه.
مشكلتنا الحقيقية أننا لم نفقه بعد أن التمترس خلف طرف لا يعني وفاءاً وطنياً، أو أننا أصحاب مبدأ، بقدر ما يعني أننا مراهقون في مجال السياسة. فالحرص على تحقيق الخدمات والمنافع، سواء كانت أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية، لا يعني أبداً أنه يجب خلق أعداء جدد أو مهاجمة أطراف قدامى أو اختراع حالة من التحديات الإضافية.
المفلحي قدم الخدمات، وغيره يعمل بالسر والعلن. وبعيداً عن حديث الفساد، دعونا نركز على ما هو آتٍ: هل يمكن أن تتوحد إمكاناتهم جميعاً لتحقيق هدف واحد؟ أم أننا أمام شخصيات أنانية لا تعمل إمكاناتها إلا مفردة؟ وبأهدافٍ يسهل استقلالها سريعاً عن التضحيات الشعبية؟