بقلم:روزانا رمّال|
تعيد القيادة التركية مراجعة المشهد الذي اجتاحها قبل عام، فوضى عارمة، قوى أمنية في الطرقات، ملالات، ناقلات جند، زحمة سير، رصاص، مداهمات وتظاهرات شعبية عارمة، إنه نهار 15 تموز الذي خطّ بتاريخ تركيا الحديثة حروف المؤامرة فعلياً.
هذه المؤامرة التي يبحث عنها الرئيس رجب طيب أردوغان فوجد ضالته فيها. فهو اليوم بات أقرب الى قناعة تفيد بأن للولايات المتحدة الأميركية مصالح لا يمكن أن تتخطاها حتى ولو جاءت على حساب الحليف التركي أو أدت حتى الى العبث بالنظام ككل.
يقول مسؤولون أتراك بعد مرور سنة على فشل محاولة الانقلاب إن المسؤول من اللحظة الأولى لا يزال التركي المبعَد فتح الله غولن. وهو الحليف الاول للأميركيين. وفي اللحظة الأولى كان الاتهام يحيط بغولن ودول خليجية مرتبطة بالسعودية وأبرزها دولة الامارات. فقد اتهم الاتراك ابو ظبي بالمشاركة بتعزيز موقف غولن الذي أطل بعد الانقلاب مباشرة بأول ظهور له على قناة مموّلة من الإمارات من قلب الولايات المتحدة. وهو الأمر الذي رسم علامات استفهام كثيرة وكبيرة.
ليس عادياً بالنسبة للأميركيين أن يتم إفشال مخططاتهم وليس عادياً أيضاً أن ينجح رجب طيب اردوغان بمواجهة الأميركيين بشكل أعاد الحسابات الأميركية إلى الوراء، بعدما ما بدا أن واشنطن تعتزم التخلّص من كل فروع الاخوان المسلمين الذين فشلوا في تقديم مخطط ناجح في ثورات الربيع العربي المزعومة. وهو الأمر الذي سحب الرهان عليهم بالكامل وسهّل مسألة التفكير بالاستعاضة عنهم بوكيل أفعل في المنطقة لتبدو السعودية اليوم هي الشريك الأميركي الأول بعد قمة ترامب سلمان في المملكة العربية السعودية ونتائجها الاقتصادية والسياسية.
نجحت تركيا بشكل لافت بلملمة المشهد خلال ساعات من تحضيرات دقيقة عملت عليها أجهزة الأمن المتعاونة مع الاستخبارات الخارجية للدول الغربية أبرزها الولايات المتحدة الأميركية في وقت اكتشف أردوغان متأخراً النيات الأميركية من دون أن يُبقي على مساحة الراحة الكبيرة ضمن الحضن الأميركي، فباللحظة التي التقط نظام حزب العدالة والتنمية التركي أنفاسه، جاءت الخطة الأميركية الأكثر مصيرية بالنسبة للأتراك بمختلف توجّهاتهم والمتمثلة بدعم القوات الكردية «قوات سورية الديمقراطية» عسكرياً وسياسياً من أجل إنشاء دولة كردية مستقلة.
تغيّرت تركيا كثيراً بعد محاولة الانقلاب، لم تعد واثقة الخطى، رغم أنها تقدمت كثيراً نحو روسيا إلا انها ليست قادرة على التموضع النهائي، قبل ضمان بعض المصالح في سورية وهي التي تتصادم مع روسيا وحلفائها فيها. الأكيد أن موسكو باتت أقرب إلى انقرة من أي وقت مضى، ولكن الأكيد أيضاً أن الأخيرة تحتاج للمزيد من دلائل تثبيت سياستها وتحديدها بشكلها النهائي، رغم أن علاقتها بروسيا تقدّمت بشكل كبير.
وبين هذا وذاك تعيد السياسة الأميركية إنتاج نفسها من جديد وتكشف عن مخطط مماثل لمخطط الانقلاب التركي، لكن هذه المرة في قطر، كانت واشنطن ستعلن دعمها للمخطط الانقلابي التركي في ما لو كان قد نجح في تركيا باعتبار أنه ناتج عن ثورة شعبية، إلا أن هذا الأمر لم يحصل فتمسّكت بالشرعية التركية التي يمثلها نظام اردوغان ببراغماتية واضحة. واليوم أعطت واشنطن الضوء الأخضر مجدداً للخليجيين للانقضاض على قطر من أجل أن تكون ورقة ضغط جديدة على تركيا، لكنها لم تطلق أي موقف واضح باتجاه نسف العلاقة مع قطر أو التموضع في خانة المصفق للتصعيد الخليجي. فبعد مرور وقت على شنّ الحملة العربية والخليجية على قطر لم تستسلم الدوحة على ما بدا، ولم تستطيع الدول الخليجية القضاء عليها بورقة العزل، او الإجماع العربي والعزل التي رفعتها بوجه سورية، ولم تستطع أيضاً ذلك من خلال اتهامها بدهم الارهاب المتمثل بالتحالف مع إيران وصولاً لاتهامات بتمويل حزب الله.
المشهد أعيد نفسه، تؤكد واشنطن دوماً حتى بتعاقب إداراتها على النهج نفسه في التعاطي مع حلفائها فهي لا تمانع في أي لحظة تمرير مخطط ضد أي دولة وإسقاط نظامها إذا كان ذلك يخدم خياراتها، حتى لو كانت مرحلية، الصراع التركي السعودي السني الكبير في المنطقة تأجج وبرد في أكثر من مرحلة وهو اليوم في مرحلة إعادة تزخيمه لصالح تركيا وقطر بعد أن ثبت حتى اللحظة أن السعودية فشلت في عزل قطر، حيث يُضاف إليها فشلها في سورية والعراق وحرب اليمن. وهذا يعني أن الأميركي سينتظر مسار الازمة الخليجية ليعلن تموضعه النهائي، لكن الاكثر وضوحاً جاء من دعم تركيا الواسع لقطر بما حكي عن استعداد لدخول تركي عسكري بحال تعرّضت الدوحة لأي اعتداء. وهو الامر الذي اخذته واشنطن بعين الاعتبار.
أعطت السعودية معلومات مغلوطة عن قدرتها على إسقاط النظام القطري في أيام. وهو الأمر نفسه الذي أعطته تركيا للأميركي عندما أسهبت في إقناعه بسيطرة الاخوان المسلمين على دول المنطقة وغنشاء حلف قوي مع واشنطن التي تعيد اليوم إنتاج شكل العلاقة مع حليفين فاشلين «السعودية تركيا» في تنفيذ مخططاتهما الاقليمية رغم طموحاتهما العالية المستوى بالتمدد والسيطرة.
سياسة الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين تحت العين القطرية، فهل تتعظ الدوحة من التجربة التركية. وهو ما يعني موقف أوضح أيضاً لجهة التقرّب من روسيا في سورية قبل أي شيء؟ خليك معنا