الصباح اليمني| تقرير: يونس أحمد|
ليست تعز., تجيبك الشوارع ومداخل الحارات وجدران البيوت وأنت تفتش عن دليل للحياة كان هنا قبل عامين ، وتصرخ في وجهك طفلة قتلوا في حنجرتها النشيد الوطني ونصبوا راياتهم السوداء.
كذلك تبكي أطلال تلك الأضرحة التي لا يختلف اثنين حول مكانتها التاريخية هُدمت، على أيد قوم قَدِموا من أحلك بقع التأريخ ظلاماً وعنفاً، واستباحوا كل شيء ، سلبوا المدينة حقيقتها الجميلة وجاؤوا بفكر دخيل على المحافظة حتى اختلطت الأوراق ، واعتقد من يرى بأن هذه هي تعز،حين كانت تعز..
تصنف المدينة مذهبيا بأنها شافعية، لكن هذا التصنيف لم يضعها يوما في مربع عدم التعايش مع غير الشافعيين ،بل تقبلت المدينة كل الطوائف ،ولم يحدث أن وقفت في وجه أحد لانتمائه لغير مذهبها، بل تعدى أمر التعايش بين المذاهب الى التعايش مع أتباع الديانة اليهودية في “المغربة” جنوب القاهرة، كما يذكر مؤرخين.
ولم يسجَل هنا ، أو هناك في المحافظة أن اشتعل صراعا طائفيا حتى وقت متأخر دفعت فيه المملكة العربية السعودية، أموالا طائلة لنشر الفكر الوهابي في المدينة كعود ثقاب بدأ اشعال نار المواجهة الطائفية بين السلفيين والصوفيين، ليليه الفرز الطائفي والمناطقي على نار هادئة حتى انتهى الحال الى واقع المدينة اليوم المليء بالقتل والدمار والخراب.
كيف أصبحت عاصمة الثقافة وكراً للفكر الارهابي المتطرف؟
جليٌ أن ما يحدث الان في تعز لم يكن نتاجا لحظيا ،وانما نتج عن تراكمات عديدة سابقة ، كان اخرها هروب زعيم السلفيين ورفاقه من دماج الى تعز وانتشارهم في عموم مديريات المحافظة ،وتنفيذ عدة محاضرات تحريضية تدعوا لقتال ما تسمهيم الجماعة المتشددة “بالروافض المجوس” واعلان الدفاع عن السنة، تلاها تأسيس جماعة “حماة العقيدة” بقيادة ابو العباس، كذلك انتقال قاسم الريمي زعيم تنظيم القاعدة ومجموعة من رفاقه الى تعز ،إثر اشتداد الحرب عليهم في أبين أبريل 2014م.
يتحدث عن تعز الماضي دكتور الفلسفة في جامعة تعز والباحث التاريخي عرفات الرميمة قائلا: كانت الصوفية هي المذهب السائد في تعز بجانب الشافعية وحتى عندما جاء الامام احمد وجاء معه مجموعة من أتباع المذهب الزيدي لم يصطدموا بالمذاهب الاخرى ولم يمنعوها حتى عام 1975 بدأت الوهابية تغزو مدينة تعز بشكل خاص واليمن بشكل عام.
ويشير الرميمة الى أنه في عام 75 صدر قرار بتغيير المناهج من التوجه الفكري القومي الى توجه يحمل الفكر الوهابي، منوها الى أن السعودية بعثت قبل هذا الاصدار اثنين وعشرين مدرسا الى اليمن لنشر الفكر الوهابي ،وصل منهم ثلاثة الى تعز واستقروا في مدرسة الشعب، حدث ذلك بالتزامن مع قرار انشاء المعاهد العلمية والتي مثلت لاحقا المضخة التي اوصلت الفكر الوهابي الى كل مديريات المدينة ,وبالتوازي مع ذلك انحسار المذاهب الاخرى لعدم امتلاكها مراكز نفوذ داعمة لها، ولما تعرضت من حملات تشويه منظمة ،وما واجهها به أتباع الفكر الوهابي المذاهب من تهم التكفير والابتداع.
ورغم انحسار المذهب الصوفي وانتشار الفكر الوهابي المتطرف إلا أن المدينة ظلت محتفظة بتنوع ثقافي وتراث جامع لكل أبناء المحافظة، حتى احداث الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 وسقوط مراكز القوى التابعة لحزب الاصلاح والنظام السابق في صنعاء، تلاها خطابات طائفية ومذهبية من بعض رجالات الدين، من ذلك مقالا لمحمد الحزمي القيادي البارز في حزب الاصلاح والذي نشر مقالا في صحيفة اخبار اليوم تحدث فيه عن أن الصراع الدائر هو صراع سنة وشيعة ودعا لتأسيس جيش سني لمواجهة من اسماهم الروافض.
يقول مراقبون أن التنظيمات المتطرفة استغلت الطبيعة الديمغرافية لمحافظة تعز ، كونها ذات بنية اجتماعية انتقالية لم يحدث أن وصلت الى المدنية لتتحكم بالمجتمع ولا هي بالمجتمع القبلي الذي تحكمه أعراف وقوانين القبيلة.
ومجتمع كهذا يسهل اختطافه والتأثير فيه، وهذا ما حدث بالفعل حيث استطاع اولئك القلة بإمكانياتهم الضخمة السيطرة على المجتمع خلال فترة بسيطة عن طريق المحاضرات والخطب والندوات واستقطاب الشباب الى صفوفهم بشكل او باخر، تلا هذه الأعمال البدء بهدم المقابر بحجة محاربة الشرك ومنع الصوفيين من اقامة طقوسهم الدينية وطردهم من المساجد.
يقول الصحفي زكريا الشرعبي: في حين كانت بعض العزل تفتقد لمدرسة كان أولئك الممولين سعوديا يبنون ثلاثة مساجد في قرية صغيرة، وفي حين لا يصل كتاب الرياضيات حتى نهاية العام الدراسي كانت كتب الوهابية تصل مجانا الى كل بيت.
ويضيف: قد تستغرب إن قلت لك بأن تعز عاصمة الثقافة تكاد تخلو مكاتبُها من كتب فكرية أَوْ فلسفية، وأن ليس فيها سوى كتب ابن تيمية ومحمد عبدالوهاب وباقي دعاة الفكر الوهابي المتطرف.
تعز.. الحاضر المُر
نتيجة لكل تلك التراكمات والتحريض ذات الطابع الطائفي والاستعداد المسبق للقتال في أي لحظة ولجعل تعز منطقة صراع عبثي لا يمت لأبنائها ولا لثقافتهم بصلة، تتابعت الأحداث التي هيأت لما هو حادث في المدينة الان، حيث تسيطر على أحياء مدينة تعز وبعض المناطق في ريفها الجنوبي والغربي العديد من التنظيمات الإرهابية والسلفية التي ظهرت إلى السطح جنبا إلى جنب مع توسع سيطرة المليشيا المسلحة التابعة لحزب الإصلاح على أحياء مدينة تعز ومقار المؤسسات الرسمية.
وبالإشارة إلى هذا الواقع المُر، فقد طفى على السطح نفوذ التنظيمات الإرهابية مثل “انصار الشريعة ” و” حماة العقيدة” وتنظيم “داعش” وكتائب الحسم” وكتائب الموت” وغيرها وتوسع بشكل كبير وملحوظ على حساب انحسار نفوذ مليشيا حزب الإصلاح، وخصوصا مؤخرا مع اتجاه دول تحالف العدوان السعودي لدعم هذه النبتة السرطانية في محافظة تعز، أملا في أن تحقق لها انتصارا ميدانيا ولكي تقود مشروع النظام السعودي في ادارة حرب طويلة على شاكلة الحرب التي ادارتها تنظيمات “داعش” و “النصرة” في سوريا والمدعومة من السعودية.
قامت هذه الجماعات خلال عامين من الحرب بتفجير الكثير من القبور التاريخية وتنفيذ عمليات اعدامات مباشرة وطرد ابناء بعض المديريات بتهمة أنهم “روافض ومجوس”.
الجماعات الارهابية في المدينة:
-
تنظيم “انصار الشريعة”
وهو أحد الأذرع الإرهابية التابعة لتنظيم “القاعدة” بقيادة ما يسمى “الأمير” أبو عبدالرحمن الشهري سعودي الجنسية، ومقرهم الرئيسي في منطقة العرضي خلف مدرسة معاذ بن جبل النموذجية المقابلة لمجمع شركات هائل سعيد انعم.
شهرة هذا الفصيل برزت في جرائم الذبح و القتل و السحل ورفع رايات واعلام القاعدة السوداء وانتشرت لهم العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر العديد من جرائم القتل والسحل للجثث رافعين أعلام تنظيم القاعدة”.
-
تنظيم الدولة (داعش)
وقائدها الميداني في تعز هو أحمد الآنسي من ابناء حارة سوق الصميل وأصوله تعود الى محافظة ذمار.
وقد كفّر هذا التنظيم في بيان له جميع الفصائل في تعز، حيث كفّر عناصر القاعدة المنضويين تحت لواء “انصار الشريعة ” كما كفّر حزب الاصلاح والسلفيين وتوعد بقتالهم جميعا ،ويمارس مسلحو هذا التنظيم أعمال نهب وسلب بالجملة دون تمييز، علاوة على مجاهرتهم بجرائم القتل ذبحا بالسكاكين بموجب محاكمات صورية.
ويوجد خلاف كبير بين “تنظيم الدولة” و “أنصار الشريعة” ولا يقاتلون بجبهة أو موقع واحد رغم أنهم في البداية كانا مجموعة واحدة بقيادة الشهري.
-
كتائب الموت:
وجميع افرادها من القتلة الفارين من السجون وكانت تحت قيادة أحد السوابق الفارين ويدعى هاني السعودي وتمت تصفيته من قبل كتائب ابو العباس وحاليا يقود الكتائب عبدالجبار المشولي، وأغلب ممارساتها نهب السيارات والمنازل.
-
كتائب “أبو الصدوق”
وتتبع الأمير ابو الصدوق بشكل مباشر ويكاد يكون أغلب افرادها من مقاتلي القاعدة.
-
كتائب حسم
ويقودها الإرهابي المطلوب عدنان رزيق الشبواني من أبناء محافظة شبوة وكان أحد قادات تنظيم القاعدة الميدانين في ولاية عدن ابين.
-
حُماة العقيدة
قائد التنظيم هو القيادي السلفي القادم من دار الحديث في دماج عادل عبده فارع وكنيته “ابو العباس” وهو من ابناء تعز المدينة القديمة وكان سابقا أحد مجاهدي افغانستان ،كما قاتل في دماج.
ويتميز هذا التنظيم بسمعة جيدة أوساط القاطنين في مربعه، حيث قام بمكافحة عمليات سرقات عديدة وله صراع ومواجهات متقطعة مع تنظيم الاخوان، كمواجهة المنشق عنه ابو الصدوق، ومقر قيادة التنظيم مدرسة مجمع هائل سعيد للبنات.
-
لواء الصعاليك