الصباح اليمني_بريطانيا
تناول الكاتب فيليب كولنز في مقال نشرته صحيفة “التايمز” اعتراف وزيرة التجارة الدولية بالحكومة البريطانية ليز تراس، الأسبوع الماضي، بأن الأسلحة التي تبيعها بريطانيا للسعودية تم استخدامها في اليمن بشكل يخرق القانون الدولي الإنساني، مفندا الكاتب مبررات الاستمرار بهذه التجارة التي وصفها بأنها “غير الأخلاقية”.
واستدلت الوزيرة خلال حديثها في مجلس العموم، بحكم محكمة استئناف في الرياض حكمت بأن هناك “حوادث محدودة” لغارات جوية غير شرعية.
ويعلق الكاتب في مقاله، بأن هذه الحوادث كانت معزولة جدا لدرجة أنه من الواضح أنه لا بأس الآن لبريطانيا أن تستأنف منح تراخيص تصدير الأسلحة للسعوديين.
وأشار الكاتب إلى قول إميلي ثورنبيري، نظيرة تراس في حكومة الظل، إلى أن ذلك الاعتراف بالمسؤولية “لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا”.
وفي هذا الصدد، يرى الكاتب أنه ومما “يزيد العار”، ببيع السلاح البريطاني إلى السعودية، كونه يأتي من قبل حكومة بدأت تتخذ اتجاها صحيحا في السياسة الخارجية، مشيدا بموقف وزير خارجيتها، دومنيك راب، بتقديم عرض سخي لمواطني “هونغ كونغ” الذين تقمعهم الصين، ومعارضته خطة الضم بالضفة الغربية المحتلة، وإعلان الخارجية عقوبات ضد منتهكي حقوق الإنسان بما فيهم 25 روسيا على صلة بمقتل سيرغي ماغنيتسكي، و20 سعوديا متورطين بمقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ويقول: “هذه مؤشرات مبكرة على سياسة خارجية متسقة وأخلاقية، وهو ما يجعل استئناف بيع الأسلحة للسعودية ارتكاسا محزنا”.
ويوضح الكاتب أن السعودية “سوق كبيرة للأسلحة البريطانية”، حيث تشتري أكثر من نصف الأسلحة المصدرة، وأنه ما بين نيسان/أبريل 2015 وآذار/مارس 2018 رخصت الحكومة بيع معدات عسكرية للسعودية بما لا يقل عن 4.7 مليار دولار و860 مليونا أخرى لحلفائها في المنطقة.
ومن السذاجة، وفقا للكاتب، أن “نغض الطرف عن كيفية استخدام هذه الأسلحة. والحرب المروعة في اليمن تمخضت عن أعداد مختلف عليها من الضحايا ولكنها بالتأكيد بعشرات الآلاف إن لم تكن بمئات الآلاف”.
ووصفت الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه “أسوأ كارثة إنسانية من فعل البشر. لقد علمنا مسبقا والآن لدينا شهادة وزيرة التجارة بهذا الشأن، وهو أن حالات القتل تلك ارتكبها سفاحون بأسلحة بريطانية”، على حد تعبير كولنز.
وتابع: “لقد فعلنا ذلك مرات عديدة من قبل طبعا، والحرب في اليمن هي آخر حادث في تقليد شائن تم استخدام الأسلحة البريطانية فيه، كما في البحرين وليبيا والجزائر واندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال، من أنظمة تقتل شعبها”.
وزاد بالقول”لم أسمع وزيرا قط، في العلن أو في السر، يستطيع الدفاع عن هذه السياسة بشكل مقنع”.
وتابع:”هناك دائما حجتان تستخدمان من الذين يسمون أنفسهم الواقعيين في تجارة السلاح، الأولى اقتصادية والثانية الواقعية. وكلاهما غير مقنع. فليس هناك حاجة لأن نكون متورطين في هذه التجارة القذرة”، بحسب وصف كولنز..
الحجة الأولى لفعل ذلك “اقتصادية”. وبالتأكيد ليست هذه هي اللحظة المثالية لاقتراح إغلاق قطاع صناعي، ولكن الحجة الاقتصادية لبيع السلاح في الواقع ليست قوية”.
وأردف: “حوالي 0.2 بالمئة فقط من القوة العاملة البريطانية تعمل في تصنيع الأسلحة للتصدير. وتشكل تجارة الأسلحة 1.5 بالمئة من مجموع الصادرات البريطانية وحتى هذه النسبة القليلة تحتاج إلى 5 ملايين جنيه من الدعم الحكومي سنويا. فهذه تجارة نستطيع أن نتدبر أمورنا دونها. وليس خارج إمكانياتنا أن ننشئ خططا لخلق وظائف بهدف تقليل الضرر على من ستتأثر وظائفهم من وقف هذه التجارة. أنا لست متحمسا لأن يفقد أحد عمله، ولكن على المستوى القومي هذه التجارة ليست ضرورية”.
والحجة الثانية هي رد “الواقعيين” أنه حتى لو قررنا أن نتخلى عن المنافع الاقتصادية من بين بيع الأسلحة، فإن الآخرين لن ينضموا إلينا في موقفنا الأخلاقي العالي. وستنتقل التجارة ببساطة إلى أمريكا أو الصين أو روسيا. ولن يكون هناك تقدم أخلاقي في العالم لمجرد أننا توقفنا عن إمداد السعودية بالأسلحة.
ويفند الكاتب ذلك بالقول: “ليس عندي شك بصحة هذا ولكن ما الضير؟ فأنا لا أحاول أن أجعل كل العالم يغني أغنية (إيماجين) [لجون لينون حول السلام]، ولكني أقترح أنه يجب على بريطانيا أن تكون بأفضل ما تستطيع أن تكون عليه”.
ويستطرد بأنه “إن كان بيع الأسلحة للاستخدام ضد المدنيين في اليمن خطأ، فإنه لا يصبح صحيحا إن كانت هناك دولة أخرى لديها الاستعداد لأن تفعل ذلك”.
وبدأت الصين تبيع أسلحة لبلدان مثل إيران وفنزويلا والسودان وزمبابوي والتي لن يمدها أي من الدول الغربية. وأمريكا التي تصدر ثلث أسلحة العالم تستمر في بيع الأسلحة لأكبر زبائنها، السعودية. ولكن قرارات أمريكا والصين اللاأخلاقية لا تتطلب منا أن نفعل الشيء نفسه.
وفي عام 2014 دخلت اتفاقية تجارة السلاح حيز التنفيذ بهدف تنظيم التجارة الدولية بالأسلحة التقليدية. وأي بلد يستمر في بيع السلاح للسعودية سيجد من الصعب عليه أن يصر على أن لا تخرق الاتفاقية.
وفي الواقع، قامت دول أخرى كثيرة مثل النرويج وهولندا والسويد وألمانيا باتخاذ قرار بتقييد مبيعات الأسلحة للمنطقة.
وإن كنا لا نريد أن ننهي تجارة الأسلحة تماما، وهو ما يسعدني فعله، فيمكن أن نفرض معايير أكثر صرامة للبلدان التي يمكننا التجارة معها. ومن أكبر زبائن فرنسا مصر والهند، اللتان تتعاملان أيضا مع روسيا.
ويؤكد أنه “ليس هناك حاجة لذلك. فالكلفة الاقتصادية صغيرة ولكن الكلفة الأخلاقية عالية. وهذا قرار ليس صعبا”.
وهناك سياسة خارجية قابلة للتطبيق لبريطانيا كانت واضحة بالسخاء نحو مواطني هونغ كونغ، ودعم الحقوق الديمقراطية ومعارضة ضم الأراضي والعقوبات ضد من ينتهكون حقوق الإنسان. وسمعة التأييد المتسق مع القيم الليبرالية والديمقراطية “عملة قيمة” في الدبلوماسية، وسيكون صوتنا مسموعا كدولة تلتزم بمبادئها.
ونخسر وضوح ذلك الصوت إن بعنا الأسلحة لأطراف ترتكب القتل الجماعي في اليمن. وحتى لو كانت تلك حوادث معزولة (محدودة)، فإنها ليست معزولة بما يكفي.