لم تتمكن البلدان العربية من حل النزاع في اليمن وما هو مطلوب الآن هو التدخل الغربي والروسي
أصبح اليمن بلدا مفككا على مدى السنوات الثلاث الماضية ..وتحول لمجرد كومة من الأنقاض، و كما أطلقت عليه صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا “اسوأ ازمة انسانية في العالم”.
الإحصاءات مروعة فقد قتل أكثر من 10 آلاف شخص وجرح عشرات الآلاف؛ 7 ملايين شخص بلا مأوى، نصف مليون شخص مصابون بالكوليرا، وتوفي منهم 2000 شخص. وقد وصل حتى الان اقل من نصف المساعدات الإنسانية المطلوبة لإبقاء الناس على قيد الحياة ويبدو أنه لا أحد يهتم بإنهاء الحرب.
وإلى جانب الخسائر البشرية الفظيعة، ليس لدى اليمن حكومة أو قيادة قادرة على تحمل مسؤولية الدولة أو البدء بأي مفاوضات لإنهاء القتال. الولايات المتحدة تبتعد عن اليمن وتترك المملكة العربية السعودية تفشل بشكل كبير في التعامل مع ساحة المعركة.
الثورة في اليمن في عام 2011 التي أسقطت رئيسها، علي عبد الله صالح، عرضت فرصة لإقامة دولة جيدة الإدارة، أكثر ديمقراطية وأقل فسادا، لكن الخلافات السياسية النموذجية في المجتمع القبلي أدخلت اليمن إلى زوبعة من الاشتباكات الداخلية. وقد شعرت القبائل التي دعمت الرئيس السابق صالح بالتهديد من قبل الحكومة الجديدة، وثارت ضده.
الحوثيون، مجموعة من القبائل المنتمية إلى الطائفة الشيعية )تختلف عن الشيعة في إيران( رأت ان الثورة فرصة لتحسين موقفها وشنت حملة عسكرية جديدة. وبعد عقد تقريبا من نضالها السابق ضد نظام صالح. في عام 2014، تمكنوا من السيطرة على العاصمة صنعاء ومن هناك، واصلوا توسيع سيطرتهم على الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد. وبعد ذلك بعام، قامت المملكة السعودية بشن حرب ضد الحوثيين بقيادة محمد بن سلمان، بينما جلب الحوثيون قوات الرئيس المخلوع صالح إلى صفوفهم.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية هذه ليست معركة لحماية حدودها ضد امتداد الحرب في اليمن, بل إنها حرب هيبة، تهدف إلى إبراز قدراتها العسكرية وقدرتها على الوقوف ضد اي تمدد إيراني. ولكن بعد عامين ونصف العام من الحرب، يبدو أن الأسلحة المتطورة ليست ضمانا للانتصار العسكري.
لقد أصبحت الحرب مهزلة تمثلها السعودية كدولة عسكرية مقيدة، على الرغم من التحالف السني الذي تمكنت من جمعه لمساعدتها في الحرب. وتظهر الجبهة اليمنية بوضوح مدى محدودية قدرة الدول العربية على حل الصراعات بوسائل دبلوماسية أو عسكرية، وتسلط الضوء على حاجة اليمن إلى تدخل الدول الغربية أو روسيا.
ولكن بالمقارنة مع سوريا، حيث تتقاطع مصالح روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا والأردن وحتى إسرائيل، فإن اليمن هو المرمى في هذا الصدد. والولايات المتحدة مهتمة فقط بالمعركة ضد القاعدة، وروسيا ليست حاضرة، بل إن إيران لا تشارك إلا عن بعد بالأسلحة والتمويل.
ومن الواضح أن اليمن يمتلك ساحة أكثر أهمية من سوريا، خاصة بسبب موقعها الجغرافي وسيطرتها على مدخل البحر الأحمر. لكن أيضا السيطرة على سوريا تعطي حكما مباشرا أو غير مباشر على الشرق الأوسط بأسره. بينما اليمن تمتلك موارد طبيعية ثمينة كالنفط أو الغاز، وسوريا لا تمتلك هذه الموارد.
ومع ذلك تمكنت سوريا من الحفاظ على صورة الدولة المغرية من الناحية الاستراتيجية، في حين يعتبر اليمن هامشيا، في حاجة فقط لأسطول صغير للحفاظ على البحر الأحمر مفتوح. هذا هو السبب في وضع اليمن كبلد يستحق إعادة التأهيل والمساعدة. وفي المقابل، فإن المساعدات الإنسانية لمواطني سوريا جزء لا يتجزأ من المناقشات السياسية، في حين يعتبر اليمن حفرة عميقه. هذه هي مأساة مواطنيها البالغ عددهم 27 مليون نسمة، الذين ليس لديهم أي نفوذ دبلوماسي تقريبا مع المجتمع الدولي.
وقد تم بذل عدد من المحاولات للتوصل إلى حل توافقي أو على الأقل وقف إطلاق النار ولكنها فشلت إلى حد كبير لأن المملكة العربية السعودية لم تتخل عن إمكانية “الفوز” والقدرة على إملاء مستقبل اليمن. ولكن حتى من هذا المنظور، سيتعين على اليمن الانتظار.
بعد أن فقدت السعودية لبنان لحزب الله وإيران، كان عليها أن توافق على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه، وحتى هذا العام، قاطعت العراق بسبب رعايتها الإيرانية، واليمن هو جائزة عزاء غير مؤكد. وإلى أن يتم مكافأتها، سيظل شعبها يخشى من كل قنبلة أسقطه التحالف عليها .