في إتجاه معاكس للعقل والمنطق وبصورة تتنافى مع إجراءات الولايات المتحدة وتجهيزاتها العسكرية التي لا مثيل لها في العالم ، وعلى عكس افتخار أمريكا بجيشها العظيم الذي لايقهر حسب زعمها ، وبالرغم من تحالف دول هي الأغنى عالميا ضد واحدة من أفقر دول الكوكب .. محللون أمريكيون يقولون أن اليمن لايحتاج الى جيش قوي يدافع عنه ضد التهديدات الخارجية ،، الصباح اليمني رصدت هذه السخافات الصادرة من مكاتب الاستخبارات الأمريكية التي تلبس ثوب الصحف والمنظمات الحقوقية والقانونية في هذه الصفحة ..
الصباح اليمني | ترجمة خاصة|
أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بيانا رئاسيا الشهر الماضي دعا جميع أطراف الحرب الأهلية الدولية في اليمن إلى “الانخراط في محادثات السلام بطريقة مرنة وبناءة دون شروط مسبقة وبحسن نية”. ولكن يبدوا ان الأطراف المتنازعة في اليمن لا تصغي لتلك الدعوة.
وبينما فشلت المساعي لوقف إطلاق النار، إلا أن مبادرة جديدة تقودها السعودية والإمارات العربية المتحدة تتشكل خلف أبواب مغلقة. ويطلق عليها بعض المراقبين “الصفقة الكبرى” ولكن هذه الصفقة تهدد عملية السلام الدولية المهمشة أساسا. وستكون هذه الصفقة كارثية، وستكرر الأخطاء التي ارتكبت في أعقاب ثورة م2011 في اليمن. فلأجل إنهاء الانتفاضة الشعبية وتجنب نشوب حرب بين النخب المتنافسة، دفعت دول الخليج – بدعم من المجتمع الدولي آنذاك الرئيس علي عبد الله صالح لتسليم السلطة لنائبه في نوفمبر / تشرين الثاني 2011م.ولم تتناول الصفقة أيا من المطالب التي أثارها الشباب الثوري اليمني، فقد سمح لصالح بالبقاء في اليمن مع الحصانة من الملاحقة القضائية وهذا ترك تأثيرا كبيرا الجيش اليمني، كما ترك بقية نظامه الفاسد دون عقاب. وبعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاق أدرك العالم ما يعيشه اليمنيون الان بالفعل وهو أنه: لم يتم تجنب الحرب، بل تم تأخيرها فقط.
ولكي ينتهي العنف في اليمن، يجب على المجتمع الدولي أن يعمل على وضع إطار سلام يفي بمطالب الثورة بإنهاء الفساد والاستبداد، والسماح بحكومة تقوم على إرادة الشعب.
منذ أن قامت الحركة الحوثية بانقلاب في اليمن في عام 2014، حاول المبعوث الخاص للأمم المتحدة التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتسوية سياسية.
ولكن بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، لا يزال اليمن منقسم بين الحوثيين وحليفهم السابق صالح وحكومة الرئيس عبده ربه منصور هادي المعترف بها دوليا وخليجيا الى جانب أصحاب المصلحة المحليين، بما في ذلك الميليشيات القبلية والقاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وقد اتفق المجتمع الدولى رسميا على ان اتفاقية السلام التي تتوسط فيها الامم المتحدة هى السبيل الوحيد للمضي قدما ولكن القوى الاجنبية حتى الان لم تدعم هذا الخطاب المؤيد. وبغض النظر عن اللامبالاة الواضحة للعالم الواسع، هاجم الحوثيون وحكومة هادي مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد حرفيا، كل منهما اتهمه بالتحيز لصالح الآخر.
الصفقة الكبرى
في الوقت ذاته، “صفقة كبرى” تتطور سرا. وقد اجتمع مسؤولون إماراتيون، ومؤخرا مسؤولون سعوديون، مع ممثلي كلا من الجناحين المؤيدين لهادي والمؤيدين لصالح في المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم في اليمن الذي طال أمده.
ووفقا لتقاريرغير مؤكدة ولكنها موثوقة، فإن الاتفاق سيخلق تحالفا حكوميا مجددا بين المؤتمر الشعبي العام والإصلاح، وهو حزب يضم الفرع اليمني من جماعة الإخوان المسلمين، مع رئيس الوزراء السابق للانقلاب هادي، خالد بحاح رئيسا وابن الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وزيرا للدفاع. وفي الأساس، سيكون هذا تكملة لمبادرة مجلس التعاون الخليجي التي انهت رئاسة علي عبد الله صالح بعد الثورة السلمية عام 2011م غير أنها مبادرة بشروط أفضل للدكتاتور المخلوع. فبدلا من الاضطرار إلى الاحتفاظ بالسلطة من وراء الكواليس ، فإن هذه الصفقة تضع ابنه ليصبح حاكم الأمر الواقع في اليمن، وهذا ما يريده صالح.
هذا هو بالضبط ما حدث في عام 2011م حيث وقعت الأحزاب اليمنية الحاكمة على اتفاق برعاية مجلس التعاون الخليجي أستبعد شباب الثورة وحركة استقلال الجنوب والحوثيين والمجتمع المدني ، وقع العالم على قائمة من الإصلاحات السطحية لأنه كان من الأسهل له السماح لدول مجلس التعاون الخليجي بالاتفاق مع اليمن بدلا من بذل الجهود لمساعدة الشعب اليمني على تحقيق تغيير ذي مغزى. وقد أدار العالم ظهره لليمن في عام 2011م ومن المحتمل جدا أن يفعل ذلك مرة أخرى.
وهذه الصفقة التى تم التفاوض عليها بدون مشاركة مبعوث الامم المتحدة ستكون كارثية لليمن. فجوهرها، ليس سوى تعديل لنفس النخب الفاسدة القديمة التي كانت تدير اليمن على مدى السنوات ال 40 الماضية.
قضى صالح وقته في تفكيك السلطة وإفلاس مؤسسات الدولة، وتعزيز القوة الشخصية والثروة، وإثارة الصراع الداخلي، وتجاهل الأزمات الاقتصادية والهيكلية المتعددة التي سهلت لليمن لتصبح أسوأ حالة إنسانية في العالم اليوم.
والصفقة هي أيضا وصفة للعنف المستمر، لأنها تفشل في معالجة المظالم المحلية التي تسببت في الحرب الأهلية الحالية، والأخرى الجديدة التي انبثقت عنها.
حتى لو تخلى صالح عن الحوثيين في السعي للحصول على موافقة السعودية، فإن الحوثيين، وهم الآن أقوى حركة مسلحة في اليمن، لن يتخلوا عن رأس المال وغنائمهم الأخرى دون قتال آخر. إن الانفصاليين الجنوبيين، الذين يسيطرون حاليا على مقاطعات متعددة والعديد من الميليشيات القوية، لن تتخلى عن وعود بالحكم الذاتي بموجب هذه الصفقة الجديدة.
ولا ننسى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وكذلك فرع تنظيم الدولية الإسلامية، وكلاهما حقق مكاسب إقليمية ومادية كبيرة منذ بدء الحرب، وسيستمران في الازدهار طالما ظل اليمن غير مستقر. وسيظل الملايين من اليمنيين الأبرياء المحاصرين بين الجماعات المسلحة والسياسيين الضالعين في المجازفة يعانون من الجوع والمعاناة، في حين يتجول اهتمام العالم المتنقل إلى حرب جديدة.
لقد أوضح الشعب اليمني خلال الانتفاضة الشعبية في عام 2011م بانه يجب على النخب التي انفصلت عن اليمن أن تذهب، وتفسح المجال لجيل جديد من القادة، ومجتمع مدني نابض بالحياة حريص على العمل من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي الدائم والإيجابي.وهو الأمر الذي تم تكبيله لفترة طويلة جدا من قبل كليبتوكراتس(حكم اللصوص).
كما أن التوصل إلى اتفاق سلام موثوق به وشامل هو أمر حاسم أيضا لضمان المصالح الأمنية الإقليمية والعالمية. حيث لدى صناع السياسات في الولايات المتحدة هدفين رئيسيين في اليمن اليوم: ضمان أن الجماعات الإرهابية لا تشكل خطرا على أمريكا أو حلفائها المحليين، ومنع توسع النفوذ الإيراني.
وتستفيد القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الاسلامية بشكل مباشر من عدم الاستقرار، وتستفيد المليشيات المناهضة للحوثيين من المساعدات العسكرية والمالية من التحالف. كما أن تأثير إيران على الفصيل الحوثي صالح سيصبح أقوى كلما طال أمد هذه الحرب.
ويمكن للمجتمع الدولي أن يقوم بالعمل الشاق المطلوب للتوصل إلى حل سياسي شامل للحرب وخطة عادلة للتعمير بعد الحرب، أو يمكن أن تغسل يديها من الامر وتسمح للأطراف المتحاربة بان تترك البلاد لينحدر الى الصراع مرة أخرى في غضون سنوات قليلة والاكتفاء بالمشاهدة.
عملية السلام التى تقودها الامم المتحدة معيبة للغاية وهي ليست شاملة أو طموحة بما يكفي لتحقيق سلام دائم في اليمن. ولكن يمكن تحسينها وتنفيذها بنجاح إذا كان المجتمع الدولي على استعداد لدعمها. إن الصفقة الكبرى بين المملكة العربية السعودية والمؤتمر الشعبي العام سيئة بالنسبة لليمن. يمكن للعالم إما قبوله على أساس أن شيئا ما أفضل من لا شيء، أو أنه يمكن أن يقدم بديلا ذا مصداقية يقدم أملا حقيقيا لليمن. وتحقيقا لهذه الغاية، يتعين على المجتمع الدولى ان يشرع فى تدخل دبلوماسى لتنشيط عملية السلام بقيادة الامم المتحدة. ويجب أن تقوده الولايات المتحدة.
بديل بقيادة الولايات المتحدة
من أجل الغاء الصفقة الكبرى بشكل فعال، يجب على الولايات المتحدة والأمم المتحدة وبقية المجتمع الدولي أن يقدم إطارا يلبي مطالب ثورة 2011 م التي دعت إلى وضع حد للحكم الفاسد والحكم الاستبدادي، وتسمح بان تنشأ حكومة على اساس جدارة وإرادة الشعب.
أولا، يجب على جميع أطراف النزاع أن تتفق على أنه لن يسمح لأي فرد كان قد شغل منصب رئيس الدولة أو عقد تعيين رئاسي في ظل الرئيس صالح أو إدارة الحوثيين. وستستبعد هذه القاعدة عددا صغيرا من الموظفين الحكوميين المكرسين، ولكن من الضروري إزالة العوامل التي دفعت جميع الأطراف إلى إفساد عملية السلام حتى الآن. اليمن لديها أكثر من ما يكفي من البيروقراطيين وقادة المجتمع المدني لإدارة الدولة دون مساعدة (أو عرقلة) من كبار السياسيين.
ثانيا، يجب أن تتضمن خطة السلام جدولا زمنيا صارما لسلسلة من الاستفتاءات حول تقرير المصير للمحافظات الجنوبية. فقد طالب الجنوبيون باستمرار بالحكم الذاتي وتم تجاهلهم باستمرار. ولمنع انفصال الجنوب في فترة ما بعد الحرب مباشرة، يجب أن يكون هناك طريق واضح وديمقراطي نحو الاستقلال أو إعادة الاندماج من شأنه أن يجعل الجنوبيين أكثر استعدادا وقدرة على المشاركة في إعادة إعمار اليمن.
ثالثا، يجب أن تشمل التسوية السلمية المساءلة عن الانتهاكات التي أرتكبتها جميع أطراف النزاع. فقد يبدو الطلب من المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان منذ عام 2011 م لا يمكن تحقيقه، ولكن من دون المساءلة، سيعود المفسدون القدماء لتدمير سلام اليمن. وان رفضت الأطراف المتحاربة القيام بذلك كجزء من اتفاق السلام، يجب على مجلس الأمن الدولي إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية. وستكون سنوات – إن لم يكن عقود – قبل أن يتمكن القضاء اليمني من التعامل مع القضايا ضد شخصيات قوية، وتقديم المخالفين من جميع الأطراف إلى العدالة.
رابعا، وربما الأكثر إثارة للجدل، يجب ألا يتضمن اتفاق السلام أي وعود بالحصانة من الملاحقة القضائية، وينبغي أن تلغي اتفاقات الحصانة المدرجة في مبادرة مجلس التعاون الخليجي لعام 2011م. إذ أتاحت الحصانة المقدمة للرئيس السابق صالح في عام 2011م الى الظهور مجددا في عام 2014م لإفساد التحول الديمقراطي في اليمن وإطلاق الانقلاب الذي أثار الحرب الأهلية الحالية. وبدون المساءلة عن الفاعلین الاساسيين مثل صالح، و غیرھم ممن یستمرون في الربح من حرب الیمن والفساد، سیستمر المخربون في العمل لتقویض الحكومة الانتقالية المقبلة.
وأخيرا، ينبغي أن يوافق الطرفان على إنشاء فيلق وطني للتعمير، وأن تقدم للمقاتلين الذين يوافقون على تسليم أسلحتهم وظائف داخل السلك. فاليمن ليس بحاجة إلى جيش قوي للدفاع ضد التهديدات الخارجية. لكن انتشار العنف وانعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2011 يجعل من غير المعقول أن يعمد اليمنيون لمحاربة مصدر دخلهم الوحيد وإلقاء أسلحتهم دون أي بدائل اقتصادية أخرى للحفاظ على سبل عيشهم. ولا يمكن لعملية السلام أن تمنع عودة نشوب الصراعات الأهلية إلا من خلال إطلاق إصلاحات هامة في قطاع الأمن، وإخراج الجنود من ساحة المعركة، ووضعهم في العمل من أجل إعادة بناء البلد.
ليس إنقاذ اليمن امرا مستحيلا بعد، ولكن من أجل التعافي من هذه الحرب المدمرة، فإنها تحتاج إلى سلام شامل، وحكم كفء، ومساعدة كبيرة من المجتمع الدولي. ولا يمكن أن يتحقق السلام الدائم إلا من خلال إشراك اليمنيين الذين لديهم مصلحة طويلة الأجل في بقاء اليمن المتكامل، وليس فقط أولئك الذين يسعون للاستفادة من غنائم الحرب واستخدام الموت والدمار والفساد لتأمين القوة الشخصية والتأثير. ويجب على الدول الأعضاء في مجلس الأمن والقوى الأجنبية الأخرى أن تلتزم اليوم بدعم عملية سلام ذات مصداقية بقيادة الأمم المتحدة، أو أن تخاطر بعدم اتخاذ إجراء ينقذ اليمن من حرب لا نهاية لها.