الصباح اليمني_مساحة حرة|
هكذا كان ديدن رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، التواضع الجم، والخُلق الرفيع، الكل عنده سواء، لا يفرق بين رفيع أو وضيع، ولا بين قريب أو بعيد،
علّم أصحابه التواضع فارتقوا، والعدل فأنصفوا، فكانوا خير مثالٍ يُحتذى، فسادوا فحكموا فعدلوا.. فهانت عليهم أنفسهم فزهدوا.. هكذا علمنا رسولنا الأعظم أن رسالة الإسلام السامية هي رسالة الإنسانية والمحبة والسلام، رسالة المساواة بين الناس كافة.. رسالة لا تعرف الفوارق، ولا الطبقات، ولا التمايز.. رافضاً كل أنواع التميز أياً كانت إلا بالتقوى والعمل الصالح.. مصداقاً لقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات: (13)..
فجعل سبحانه وتعالى التساوي والتعارف بين الناس كافةً، ولكن أكرمهم عند الله التقي المخموم القلب، الحسن الخُلق، فالأخلاق الفاضلة الحسنة، والشمائل الكريمة هي من قواعد الدين وأصوله الثابتة الراسخة..
إن الخلق الحسن مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام الخالدة، وصدق رسولنا الأعظم القائل: “الحياءُ من الإيمان”.. والحياء لا يأتي إلا بخير.. وقد سئل صلى الله عليه وآله وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: “تقوى الله وحُسن الخُلق”.. ومرّ أحد الصالحين- على قوم فقالوا له: شراً، فقال لهم خيراً، فقيل له: إنهم يقولون شراً، وأنت تقول لهم خيراً.. فقال: كل ينفق مما عنده..
نحن في زمنٍ كثرة فيه المعاصي، وسُفكت فيه الدماء، وساءت الأخلاق، وعم الشقاق والنفاق، وضعف الإيمان والحياء، وتعامل بعض أنواع الناس بالغدر والخيانة، وفسدت تربية الأبناء بسبب سوء الأخلاق.. جاء رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام بالرحمة والشفقة، والرفق.. ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.. فلمثل هذا فليعمل العاملون، إن حقاً على هذه الأمة حكاماً ومحكومين، وبالأخص علماء وحكماء ومرشدين ومعلمين أن يستصحبوا الرفق واللين في الأمر كله من غير مداهنة أو مجاملة ولا محاباة، ومن غير غمط ولا ظلم.. وعلى قدر ما يمسك الإنسان نفسه، ويكظم غيظه، ويملك لسانه عند الغضب، تعظم منزلته، وتعلو همته، ومكانته عند الله، وعند الناس، وصدق رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم القائل: “إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخُلق”..
فالقلوب مطبوعة ومجبولة على حب من أحسن إليها.. وكلما ازداد الإيمان في القلب، وعمّر بذكر الله، ازدادت السماحة، ورق القلب، وازداد العلم، واتسع الصدر للناس، وصدق قول المولى القدير: (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) القصص: (55).. فذكر المولد النبوي على صاحبه أفضل الصلوات وأتم التسليم فيها هداية ونور للأمة، وفيها فضائل ومكرمات تملأ سماء الدنيا وأرضها، فكان ميلاده طالع خير وسعد وبركة للناس أجمعين.. فكان النبي المنتظر، وقرة عين لجميع البشر.. فكان خاتم الأنبياء خلقاً، وأحسنهم خُلقاً، فكان مولده بحق- على العالم من أقصاه الى أقصاه، برداً وسلاماً.. وأمناً وإيماناً، وشفقة ورحمة.. اهتزت لولادته أركان الوثنية والظلم والظلام، وعلت أعلام الحق والهدى والنور.. فرجفت قلوب الطغاة البغاة العتاة.. وآن للرحمة السماوية أن تسود.. وللفضيلة أن تغاث.. وللإنسانية أن تنتصر.. ولقوى الباطل والضلال أن تندثر.. فيا مرحى بذكرى رسولنا الأعظم- صلى الله عليه وآله وسلم- محرر العقول والفكر من الوثنية والشرك، ومنقذ الإنسانية من ظلمات الجهل والضلال.. فهو حكيم العلماء، قداسةً وسمو عقيدة، وطهارة قلب وصدر، وقبس إيمان.. بمولده الصلاة والسلام اتسع النور المحمدي ليملأ الأرواح نوراً وهدىً، فيستل الأضغان والأحقاد، ويؤصل روح التآخي والمحبة والوئام والسلام، حتى صار المؤمنون إخوةً، متحابين متآخين متآلفين، وصار المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.. قال الإمام علي- عليه السلام- كرم الله وجهه- كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، هيبةً له وتوقيراً، يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، ولا ينتقم لنفسه، بل يغضب لله عزوجل، لا يأنف أن يمشي مع المسكين والأرملة، ويقضي لهما حاجتهما، ويزور فقراء المسلمين، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم..
أين الأمة المحمدية اليوم من هذه الصفات والخصال والقيم والمبادئ العظيمة التي تحلّى بها رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام..؟!.
لو بعث رسولنا اليوم لحار في شأن هذه الأمة المحمدية التي خالفت شرعه، واتبعت هواها، وضلت وأضلت.. لذا علينا أن نقتدي بمنهجه وقيمه، وعظمة أخلاقه في قداستها وسموها، وعظمة أقواله وأفعاله وآثاره وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..!!.