الصباح اليمني_مساحة حرة|
«سلم سلاحك»، اسم لعبة قديمة كنا نلعبها زمان أيام الطفولة بالقرية. هذه اللعبة دوماً كانت تنتهي بمشكلة. ولا أذكر مرة واحدة أننا لعبناها وانتهت بدون مشكلة.
لعبة «سلم سلاحك» تكون بين فريقين، بحيث يتكون كل فريق من 10 لاعبين أو أقل. المهم أن يكون اللاعبون في كل فريق بنفس عددهم في الفريق الآخر.
وبعد القرعة بين الفريقين يختبئ فريق خلف متاريس وأماكن مرتفعة ومموهة، بينما الفريق الثاني يقوم بمهمة البحث والملاحقة لعناصر الفريق الأول المختبئ لأجل قتلهم جميعا.
طبعا ومن حق الفريق الأول المختبئ الدفاع عن نفسه وقتل أفراد الفريق الآخر. ويحق له أيضا الهروب. وهنا كانت تكمن المشكلة.
كلا الفريقين لديهم العصي وقطع بلاستيكية شبيهة بالبنادق، ويقوم الفريقان بالتعامل معها كما لو أنها بنادق. أما أصوات الرصاص فيصدرها أعضاء الفريقين المتحاربين من أفواههم.
يعني كل واحد يشاهد خصمه في مكان ما، يصوب العصا نحوه، ويطلق عليه وابلاً من الرصاص مع صوت مرتفع يخرجه من فمه هكذا «ددش دددش ددد ددد دش» ويصرخ بخصمه، «قتلتك، قتلتك سلم سلاحك، والله إننا قتلتك.. أنت ميت.. أنت مقتول».
بينما الآخر المختبئ خلف المتراس والذي يفترض أنه أصبح مقتولاً حسب إقرار القاتل، لكنه يستمر يدافع عن نفسه ويقاتل ويطلق النار باتجاه خصمه ويرد عليه «دش ددش ددج ددج ددج»، وبعدها يرد على كلام خصمه «وأنا قتلتك»، ويحلف أنه هو من بدأ وتمكن من قتل خصمه في الأول.
المهم تنتهي هذه اللعبة بصياح وبحلف الأيمان والجميع ينكر أنه قتل، ويحلف أنه القاتل والمنتصر. فقط وحده صديقنا المسكين عبدالله الذي كان يُقتل ويموت في هذه اللعبة. يقتل ويموت بدون ما يحلف أو يكارح. فما إن يصل خصم عبدالله ويبدأ بإطلاق الرصاص عليه، فإن صديقنا أحيانا يموت مباشرة، حتى إذا استمر عبدالله يرد على خصمه ويدافع عن نفسه لكنه في آخر المطاف يسقط ضحية ومقتولاً، لأنه ما إن يسمع خصمه يقول له: «يا عبدالله خلاص قتلتك. مت، خلاص أنت مقتول»، يسقط عبدالله على الأرض مباشرة وبهدوء ويكفحها موتة.
أما أنا فأعترف أننا لم أقر للخصم ولو لمرة واحدة بأي هزيمة أو أي قتل. أبقى أحلف أننا تمكنت من قتل وقشط جميع أفراد الخصم إلى أن تتفركش اللعبة كلها من دون منتصر ومهزوم.
كانت لعبة عويصة، ولم تنته ولو مرة واحدة على خير، فقد كانت دائما تنتهي بمشكلة وأحيانا بمضرابة لما يطير الغبار. أو كلا الفريقين يذهبوا لاختيار لعبة أخرى بديلة أقل اشتباكات وبدون حلف وبدون قتل.
أما عبدالله فكان ضحية لعبتنا الوحيد ويجيد تمثيل هذا الدور وأنت تشاهده ممتداً على الأرض وبين التراب ويبقى على هذا النحو وبدون حركة إلى أن يصل بقية أفراد فريقه للدفاع عنه ويحلفون أن عبدالله لم يقتل ولم يمت، حينها تشاهده ينهض من الأرض وهو مسرور، ثم يقف بجوار أفراد فريقه ويحلف معهم وينفي مقتله وأنه المنتصر.
شاهدتم على لعبة حلوة. قلك لعبة بوجبي السامجة. أيضا ومنذ سنوات أصبحت هذه اللعبة تطبق في الواقع كحقيقة، تنتهي بعدد من القتلى والجرحى الذين يسقطون مع نشوب كل معركة في اليمن، ضحايا كثر يسقطون وإلى الأبد، ولن يعودوا مرة أخرى كصديقنا عبدالله الذي ينهض من بين التراب وهو مسرور ليكارح وينفي مقتله في لعبة «سلم سلاحك».
كانت في السابق لعبة ممتعة وتبعث السرور. أما الآن حرب ترسم الحزن والمأتم. وأصبحت حرب وحصار وتحالف يقصف ويرتكب الجرائم. ثم يذهب يستبق الضحية ليكارح وينفي جرائمه البشعة. وتعلن المحافل الدولية تضامنها مع المعتدي الذي يصبح ضحية. وتضاف فضيحة أخرى للمجتمع الدولي ومنظماته الأممية.
مقال منشور للكاتب على صفحته في الفيس بوك
خليك معنا