الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
تعد سبأ إحدى أقدم الممالك، والتي تمتعت بقوة اقتصادية كبيرة خلال فترة عنفوانها، واستطاعت الصمود فترات طويلة، كما ضرب الله عز وجل بها المثل في القرآن الكريم، فتُرى ما هي مملكة سبأ ؟ ومن هو سبأ؟ وما هي قصتها في القرآن الكريم؟
مملكة سبأ (800: 30 ق. م):-
من هو سبأ؟
هو مؤسس الدولة السبئية، وإليه تنسب، وهو عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، كان كثير الغزوات والحروب، وقد لُقب بسبأ لأنه أول من سبى من العرب، كما لُقب بالرائش لأنه أول من غنم في الغزو، فأعطى الأموال لقومه.
وقد أخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن سبأ:
ما هو؟ رجل أم امرأة أم أرض؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: “بل هو رجل. كان له عشرة أولاد، سكنَ اليمن منهم ستة، وهم: مذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير. وسكن الشام منهم أربعة وهم: لخم، وجذام، وعاملة، وغسّان”.
أصل السبئيين:–
لقد ورد ذكر سبأ في بعض النقوش الآشورية القديمة، كما ورد في العهد القديم، وكان السبئيون يمدون مصر بالطيب واللبان والذهب والأحجار الكريمة، وكانت تحت أيديهم الكثير من الخيرات.
ومن المرجح أن السبئين كانوا في البداية قبائل بدوية تنتقل بين شمال الجزيرة العربية وجنوبها، ثم استغلوا ضعف الدولة المعينية وتوسعوا على حسابها، ثم لما قويت شوكتهم أكثر استطاعوا القضاء على الدولة المعينية وإقامة دولتهم، وورثوا عن المعينين الثقافة والدين والعادات والتقاليد، حتى استطاعوا أن يكونوا من أقوى الدول اقتصاديا في ذلك الوقت.
مراحل الدولة السبئية:–
مرت دولة السبئية بمرحلتين:
المرحلة الأولى: المكربيون.
وفي هذه المرحلة؛ تلقب ملك سبأ بلقب مكرب، وكانت مدينة صرواح -الواقعة غربي مأرب- عاصمة للمملكة.
وتمتد بين عام (800: 600 ق. م)
في هذه المرحلة أيضاً؛ كان الملك يجمع بين دور الملك والكاهن؛ مما يعني أن الحُكام قد أضفوا على أنفسهم نوع من القداسة الدينية.
وقد اهتموا في هذه المرحلة بالبناء والعمران وإقامة السدود، ومن أهمها : سد رحاب والذي كان جزءًا من مشروع سد مأرب، ثم لما لم يفِ بالغرض، أقاموا سد حبابض، وسد مأرب، كل هذا جعل مأرب غنية بالخيرات والثروات، ومكان للملوك والقادة، ما جعل العاصمة تنقل لها فيما بعد.
وقد كانت سياسة حكام سبأ في هذه المرحلة:.
- التوسع على حساب الجيران.
- الاهتمام بالاقتصاد والسيطرة على طرق التجارة الدولية.
المرحلة الثانية : ملوك سبأ.
انتقلت العاصمة إلى مدينة مأرب، وتلقب الملوك بلقب ملك سبأ، وهذا يعني أن الحكام أرادوا التفرغ للسلطة السياسية، وامتدت هذه المرحلة من (650 : 30 ق. م)
وقد ازدهرت الزراعة ازدهرًا كبيرًا بفضل التوسع في طرق الري الصناعية، واستطاعت مملكة سبأ أن تسيطر على أهم طرق التجارة، وأصبحت من الدولة العظمى من ناحية الاقتصاد.
اهتزاز المكانة الاقتصادية:-
ولأن دوام الحال من المحال؛ فقد بدأ مركز سبأ الاقتصادي يهتز في القرن الرابع قبل الميلاد بفعل عاملين :
الأول : عامل خارجي، وهو قوة البطالسة في مصر، والتي أفقدت سبأ السيطرة على التجارة الشرقية؛ مما يعني أن سبأ قد فقدت الكثير من السيطرة على البحر الأحمر والأبيض المتوسط، ثم فقدت السيطرة نهائيًا لصالح اليونان والرومان فيما بعد.
الثاني: عامل داخلي، وهو اندلاع الكثير من الثورات، بسبب سياسة سبأ في ضم وتوحيد القبائل تحت سيادتها، مما اصطدم بمصالح زعماء تلك القبائل، إضافة لضعف الحكام؛ مما أضعف الوضع السياسي والاقتصادي.
ولكن في القرن الأول قبل الميلاد؛ وجد بعض الملوك الأقوياء الذين استطاعوا مواجهة الأزمة والسيطرة على الوضع، ولكن للأسف من أتى بعدهم لم يستطع الحفاظ على تلك المكتسبات، وهذا جعل المملكة عرضة لأطماع العديد من الممالك، وقد استطاع الرايدنيون والحميريون استغلال الوضع، وتكوين أسرة جديدة تلقب فيها الحاكم بملك سبأ وذي ريدان.
قصة قوم سبأ في القرآن الكريم:-
عدد مرات ذكر سبأ في القرآن الكريم.
ورد ذكر سبأ مرتين في القرآن الكريم، المرة الأولى في قصة بلقيس مع سليمان عليه السلام في سورة النمل، والمرة الثانية في سورة سبأ الآيات من 15 : 19.
قصة “لقد كان لسبأ في مساكنهم آية”.
بدأ الله سبحانه وتعالى ذكر قصة سبأ ببيان النعمة العظيمة التي امتن بها على قوم سبأ، حيث رزقهم ببساتين من ناحية اليمين والشمال، وكانت هذه البساتين مليئة بما لذ وطاب، من الفواكه اللذيذة، حتى إن الرواة يقولون إن المرأة كانت تسير وهي تضع فوق رأسها سلة، فتمتلئ بالفواكه التي تتساقط من الأشجار، دون أن تبذل أي مجهود يُذكر.
ثم بيّن سبحانه وتعالى أن الصالحين والرسل قد نصحوهم بشكر النعمة وعبادة الله سبحانه وتعالى.
تعرف على بلقيس .. الشخصية التاريخية التي شغلت العقول
سيل العرم:-
فلما أعرضوا ولم يشكروا نعمة الله أرسل الله عليهم سيل العرم وهو سيل جارف وقوي، وقيل إنهم لما عاشوا في الترف والنعيم أهملوا إصلاح السدود وبخاصة سد مأرب، فلما جاء السيل أجهز على كل شيء، ودمر البساتين.
وقيل: إن الله سلط عليهم الفأر فصار يخرب في السد.
ومهما تكن الروايات؛ فالمؤكد هو تبدّل حالهم من الجنات والثمار الجميلة إلى الخمط وهو نوع من الثمر المر كريه الطعم، والأثل وهو يشبه الطرفاء ولا ثمر له، وقليل من أشجار النبق.
فقدان الأمن والأمان:-
ثم بيّن سبحانه وتعالى نعمة أخرى أنعم بها عليهم وهي نعمة تيسير السفر وأمانه، فقد جعل الله بينهم وبين الشام ومكة المكرمة قرى ظاهرة يستطيعون السير فيها، فلا يجيء الليل إلا وهم في قرية آمنين مطمئنين، وهذه نعمة عظيمة لا يدركها إلا من ذاق ويلات السفر قديمًا، ومدى الخطورة التي تلحق بالمسافر.
ولكنهم لجهلهم وحماقتهم لم يكتفوا بعدم شكر النعمة بل طلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يسلبهم هذه النعمة، بأن يباعد بين أسفارهم، فعاقبهم الله على ذلك بأن تفرقوا وصار يضرب بهم المثل في التشتت والتفرق الذي لا اجتماع بعده فيقال تفرقوا أيدي سبأ.
تفرق:-
فقد تفرقت قبيلة سبأ فذهب بعضهم كالأوس والخزرج إلى المدينة، وذهب البعض الآخر إلى عُمان كالأزد، وابتعد آخرون نحو الشام كقبيلة غسان.
لقد أنعم الله على سبأ بالكثير من النِعم الأمان ووفرة الخيرات والموقع المميز، ثم لما لم يشكروا هذه النعم أمهلهم الله لعلهم يرجعون، فلما استمروا في غيهم؛ عاقبهم الله.
خليك معناالمصدر: تاريخ كوم