مائة عام مضت ولا تزال سايكس – بيكو حاضرة في الذاكرة العربية مؤامرة مدبرة ومحبوكة الأطراف حيكت خيوطها في ظروف اكتنفها الغموض والسرية وأخفى حائكوها في حينه مكنون أهدافها الخفية التي يكتشف حقيقتها الأبعد وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا 1917م.
العام الذي أصدرت فيه بريطانيا وعد بلفور الذي أعلنت فيه عن تأييدها إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين التي وضعت تحت الانتداب البريطاني بموجب صك الانتداب الصادر في 24 تموز 1922 م الذي أقره المجلس الأعلى لقوات الحلفاء وتضمنت إحدى بنوده وعد بلفور وأوصى بتطبيقه، إلا أن ذلك ظل تحقيقه مرهونا بتقسيم الوطن العربي وفق فصول مؤامرة سايكس – بيكو المحاكة خيوطها من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي وعد بلفور.
والذي بات من الواضح أن مجمل الأحداث المتزامنة مع سايكس – بيكو وتحليل لسياقات الأحداث الدولية والإقليمية التي تلتها تثبت أن ما أحدثته من تغييرات هي نتاج فعلي لمؤامرات مائة عام من الصهيونية العالمية.
كما أشار إليها السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في ملزمة الصرخة في وجه المستكبيرين بقوله: “الحديث عن الأحداث وكأنها أحداث لا تعنينا أو كأنها أحداث جديدة لم تطرق أخبارها مسامعنا أو كأنها أحداث وليدة يومها فعلا وعندما نتحدث عن قضايا كهذه كأننا نتحدث عن شيء جديد ..ليس جديدا إنها مؤامرات مائة عام من الصهيونية ومن أعمال اليهود”.
الشريك الخفي في حياكة مؤامرة سايكس – بيكو والمستفيد الأول من نتائجها .
صادف إلقاء المحاضرة مضي خمسين عاما على وجود إسرائيل التي شبهها الإمام الخميني بأنها غدة سرطانية في جسم الأمة يجب أن تستأصل .
وخوفا من أي مشاريع عربية قومية أو دينية تسعى لإزالة إسرائيل واستئصالها.
حرصت الدول الاستعمارية التي تفردت بالسيطرة على الوطن العربي وتقاسمت تركة الرجل المريض الإمبراطورية العثمانية بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى وانهيارها على إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للوطن العربي بحسب مؤامرة سايكس – بيكو إلى دول تم تحديد حدودها وأنظمة الحكم فيها من الخارج …
وليس من قبيل المصادفة أن تقوم بريطانيا بدور محوري في نشأة وتكوين كيان آل سعود الذي وفرت له الحماية ومنحته السلطة المطلقة في الحجاز ونجد والاعتراف بالدولة السعودية قبل نشأة الكيان الصهيوني في إطار خطوات المؤامرة لتلك المرحلة وإيكال تنفيذ خطواتها إلى آل سعود وتصب في اتجاه التأثير القوي والفعال على الدول العربية للقبول باليهود على أرض فلسطين . فعندما يصمت السعوديون سيصمت الباقون .
ومن ثم يتولى آل سعود حماية وضمانة استقرار إسرائيل بعد إعلان قيامها كدولة على أرض فلسطين وفي مراحلها الأولى والعمل على تقويض أي مشاريع تهدد وجودها وتطويقها من خلال استخدام ثروات الحجاز الهائلة في شراء المواقف والولاءات واستغلال قداسة الحرمين الشريفين مكة والمدينة في مواجهة القوى والدول المناهضة للصهيونية .
ومنذ أن وجدت إسرائيل في قلب الوطن العربي عمل مخططو السياسة الصهيونية على إذكاء نيران الصراعات في المنطقة ومن منطلق طائفي ومذهبي وحرصوا على إيقاظ كل ما من شأنه إشاعة مزيد من أجواء التوتر والتصعيد بين مكونات دول المنطقة سعيا منهم في إغراق الدول العربية في مستنقع حروب داخلية على أسس ديموغرافية لتقسيم المنطقة إلى دويلات سنية وشيعية وكردية ووو.
تساعد إسرائيل في المستقبل وتدعم موقفها في مطالبة دول المنطقة في تطبيع العلاقات معها وتوصلها في نهاية المطاف إلى الاعتراف بها كدولة يهودية أنشئت على أسس دينية ودولة عظمى في محيطها بالمعنى الجوسياسي.
والقطب الثابت في مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير إلى جانب أمريكا التي طرحت مبادئها وتصوراتها عن شرق أوسط جديد (( ديمقراطي)).
يبدأ بالغاء الخرائط الاستعمارية القديمة التي أنشأها طرفا سايكس – بيكو بريطانيا وفرنسا في بداية القرن العشرين لانتفاء الحاجة إليها بسبب المتغيرات القومية والطائفية الجديدة للبلدان المستهدفة بالتقسيم، وهذا هو المفهوم الحقيقي والشامل لخطط الشرق الأوسط الكبير ..
الكبير في ضخامة التغيرات في الخارطة الجيوسياسية وكبير في حجم التعديلات التي ستدخل عليه وأكبر من ناحية عدد الدول التي ستنشأ فيه ولذلك كانت التسمية الجديدة التي أطلقتها (( كونداليزا رايس )) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 م.
(الشرق الأوسط الجديد) وهذا هو الفارق بين الكبير -والجديد ووفق هذه التصورات تبدو الدول العربية كقطعة جبنة يقسمها الأمريكان بسكين القدرة السياسية والاقتصادية والعسكرية وبأياد محلية الصنع ورخيصة الثمن كما يحدث في سوريا واليمن التي وجدت نفسها في خضم حرب كونية أسقطت فيها كل المعايير الإنسانية وتكالبت عليها القوى الإقليمية والدولية وعشرات الآلاف من مرتزقة الداخل وبلاك وتر والجنجويد السودانية والتنظيمات التكفيرية العابرة للقارات، للعدوان على اليمن .
واستخدمت فيها آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ المحرمة التي قتلت آلاف المواطنين اليمنيين ودمرت البنى التحتية وضربت مقومات حياة المواطن اليمني وحاربوه في لقمة عيشه اليومية، وفرضوا عليه حصارا بحريا وبريا وجويا جائراً.
حرب ليس لها علاقة بالذارئع التي تذرعوا بها للعدوان على اليمن.
حرب أركانها الكذب والنفاق تقاطعت فيها المصالح الصهيوأمريكية والسعودية وأولوية تقاطع هذه المصالح تكمن في البحر الأحمر وبالذات باب المندب الذي اتضحت فيه المصلحة الإسرائيلية وحددتها صحيفة ( ايديعوت أحرنوت الإسرائيلية ) التي تحدثت عن خط سير تهريب السلاح من إيران إلى غزة تمر عبر باب المندب واليمن إلا إن دخول السودان في التحالف الذي أنشأته السعودية للعدوان على اليمن خفف من وتيرة التهديد الذي تواجهه إسرائيل من تهريب الأسلحة .
ورأى ( اليكس فيشمان المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرنوت ).
أن الحرب التي تشنها السعودية ضد اليمن تخدم مصالح إسرائيل وتشكل فرصة ثمينة لجني ثمار استراتيجية حيوية للأمن الإسرائيلي.
وفي ذات السياق وعنوان (ساعة اليمن تدق) في عدد 27/3/2015م تحدث (فيشمان) قائلا: (إن إسرائيل تجد نفسها من جديد في نفس الجانب من المتراس مع الدول المعتدلة كالسعودية لأن سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة الذي يعتبر الميناء الأهم لليمن على البحر الأحمر مكنهم من التحكم بخط الملاحة البحرية وأثر على مستوى التأهب والحراسة للسفن الإسرائيلية التي تجتاز مضيق باب المندب).
وأضاف فيشمان ( أن سيطرة الحوثيين على صنعاء وتمدد نفوذهم إلى المحافظات الأخرى يعني من وجهة النظر الإسرائيلية انهيار النظام الذي تعتمد عليه السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وإقامة نظام جديد يعتمد على إيران ) أي محور المقاومة والممانعة .
وإذا ما أسقطنا كلام (فيشمان) على الواقع سنعرف أسباب المخاوف الإسرائيلية الأمريكية من احتمال استعادة سيطرة اليمن على باب المندب أنها نابعة من قلق إسرائيل من تعاظم قوة أنصار الله الذي تعتبرهم إسرائيل نسخة يمنية من حزب الله .
والتحاق اليمن بمحور المقاومة والممانعة سيعزز من قوته في باب المندب .
وقد تصبح اليمن نقطة انطلاق لها أفضلية استراتيجية في باب المندب قد تؤدي إلى إعاقة حركة القطع العسكرية التابعة للقوات البحرية الأمريكية ومن المتوقع أن تشكل تهديدا استراتيجيا على التواجد العسكري الأمريكي والإسرائيلي في الجهة الأخرى من باب المندب وتحديدا في جبيوتي التي تسعى أمريكا لتعزيز نفوذها في باب المندب لتصبح محطة أساسية للقوات البحرية الأمريكية ونقطة ارتكاز تمكنها من فرض هيمنتها وسيطرتها على المنطقة بفعل التفوق العسكري للقوات البحرية الأمريكية الركيزة الأساسية في تنفيذ المخططات الأمريكية الإسرائيلية التوسعية التي تسير ثلاثة اتجاهات متوازية وعلى النحو التالي :
* – التوسع الاقتصادي العالمي من خلال السيطرة على البحار وتصدير رؤوس الأموال والاستيلاء على الأسواق .
* – التوسع السياسي في المنطقة سياسة استعمارية نشطة للاستيلاء على الدول التي لم تقسم بعد وإدخالها في صراعات داخلية من أجل تقسيمها وفقا للمصالح الأمريكية والإسرائيلية .
* – تنفيذ عمليات عسكرية استراتيجية تعزز من قوة إسرائيل والحفاظ على مناطق النفوذ الأمريكية والإعداد المستقبلي للهيمنة والسيطرة على العالم انطلاقا من قلب العالم (الجزيرة العربية).
وعلينا أن ندرك أن الفرز الجيوسياسي الأول الذي تمخضت عنه مؤامرة سايكس -بيكو كان سببا في وجود إسرائيل الغدة السرطانية التي كان من المفترض استئصالها قبل استفحال خطرها .
إسرائيل ها هي اليوم تعمل على تفتيت وتقسيم الوطن العربي من جديد للحفاظ على بقائها
والدول الجديدة سترسم خرائطها الجيوسياسية بأيدي أمريكية واسرائيلية وفق قواعد الارتباط بالاقتصاد الأمريكي، وستكون موالية لأمريكا وإسرائيل بحكم العرفان بالجميل من العناصر الانفصالية التي ستحكم هذه الدويلات وأراضيها ستكون محط للقواعد الأمريكية ربما للأبد …