الصباح اليمني_لبنان
في حي اعتادوا السهر فيه، استبدل الشبان والشابات الكؤوس بالمكانس، وتطوعوا لتنظيف شارع تحول إلى ما يشبه ساحة حرب، إثر الانفجار الضخم في مرفأ بيروت، من دون انتظار تحرك من الدولة المتهمة بالفساد والإهمال.
وبسخرية شديدة، تتساءل ميليسا فضل الله: أين الدولة؟ مضيفة “لو كانت لدينا دولة فعلا لكانت أرسلت من ينظف ويعمل معنا لتنظيف الشارع. نحن من يساعد، نحن من يتبرع بالدم، ماذا يفعلون هم؟”
وميليسا واحدة من مئات آلاف اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشوارع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مطالبين بإسقاط الطبقة الحاكمة بالكامل، متهمين إياها بالفساد والإهمال وعدم إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة التي أدّت الى انهيار اقتصادي غير مسبوق.
وانفجار مرفأ بيروت الذي أدى إلى مقتل 137 شخصا وإصابة 5 آلاف آخرين، جاء ليكون القطرة التي أفاضت الكأس الممتلئة أساسا.
وفي حي “مار مخايل” النقطة الأقرب إلى مرفأ بيروت، والتي طالما كانت ملتقى للشباب، لم يبق شيء على حاله غداة الانفجار الضخم.
أبنية تراثية عمرها مئات السنين تصدّعت، حانات ودور عرض تطايرت واجهاتها وتبعثرت مقتنياتها وسط الشارع.
وغداة التفجير، توافد شبان وشابات بشكل عفويّ إلى المكان لمعاينة ما حل به من دمار، ومساعدة سكانه على تنظيفه.
مبادرات وحملات
ووضعت ميليسا قفازين وكمامة على وجهها، وحملت لوحا زجاجيا كبيرا سقط أمام مبنى شركة كهرباء لبنان.
وقالت “بالنسبة لي، هذه الدولة مجرد مزبلة”، في إشارة إلى الطبقة الحاكمة، مضيفة “نحن من يحاول إصلاح البلد، نريد إصلاحه على طريقتنا، ومثلما نريد نحن وليس هم”.
ويتفقد عناصر من الدفاع المدني المباني المتضررة بحثا عن جرحى، في حين يتوزع الشبان والشابات المتطوعون في مجموعات صغيرة، فيزيلون قطع الزجاج ويضعونها في أكياس بلاستيكية ضخمة، وبعضهم يعرض بيته على سكان المنازل المتضررة.
ويقول حسام أبو النصر “نرسل أشخاصًا إلى بيوت العجزة والمعوقين لنساعدهم على إيجاد منازل ينامون فيها، نساعدهم أيضًا على تنظيف بيوتهم وترتيبها”.
ويضيف “ليست هناك دولة للاهتمام بهذه الإجراءات، تولينا الأمر بأنفسنا”.
ومنذ صباح الأربعاء، تنتشر رسائل على مواقع التوصل الاجتماعي من سكان في مدن وبلدات عدّة يبدون فيها استعدادهم لإيواء عائلات تضررت بفعل الانفجار.
وأعلن مجلس المطارنة الموارنة فتح الأبرشيات والمؤسسات والأديرة التابعة له لمساعدة المتضررين.
وفي بيروت نفسها، فتح سكان أبواب منازلهم لاستقبال أقاربهم أو أصدقائهم أو حتى غرباء عنهم ممن تضررت منازلهم وباتت غير قابلة للسكن.
وأعلن محافظ بيروت مروان عبود الخميس أن “ما بين 250 و300 ألف شخص من سكان بيروت باتوا مشردين، بعدما أصبحت منازلهم غير صالحة للسكن”.
فليتركوا السلطة
في “مار مخايل”، وُضعت جانبًا طاولات بلاستيكية عليها زجاجات مياه وأكياس من السندويشات والطعام.
وتقول ريتا فرزلي “نحاول أن نساعد بالمياه والطعام وحتى الشوكولا، إنه مجرد دعم معنوي”، مضيفة “على الجميع أن يساعد، لا يجدر بأحد البقاء في المنزل.. حتى الابتسامة تساعد اليوم”.
وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات على الهواتف الجوالة رسائل من أصحاب شركات الزجاج والتصليحات تعرض خدماتها بأسعار زهيدة، كما عرضت مجموعة من الشباب خدمة مجانية لمساعدة السكان على إصلاح منازلهم.
ويقول عبدو عامر -وهو صاحب شركة تركيب نوافذ- إنه قدم عرضًا مشابهًا إثر نجاته من الانفجار، إذ تصادف أن عبر بجوار المرفأ قبل “3 دقائق” فقط من وقوعه.
ويعرض عامر استبدال النوافذ بنصف سعرها الأصلي، كما يعرض تقديم نوافذ مجانًا للعائلات الأكثر حاجة. ويقول “تلقيت أكثر من 7 آلاف اتصال”، متسائلاً “هل علينا أن ننتظر الدولة؟ نريد منهم أن يتركوا السلطة”.
ويشهد لبنان حاليًا أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، وهي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية وترهل المرافق العامة والبنى التحتية واستشراء الفساد.
وفي شارع الجميزة القريب، يقول محمد السيور “يجلسون في كراسيهم تحت التكييف.. آخر ما يهمهم هو البلد وناسه”.
ويضيف “نطلب من الشعب اللبناني أن يبقى في الشارع لإسقاط هذه المنظومة الفاسدة؛ لم يعد باستطاعتنا التحمل”.
خليك معنا