اليمن موطن الحضارة والتاريخ الاول ومنبع الثقافة والفن ، فيها كمٌ هائل من الموروث الشعبي والانساني الفريد يصعب حصره. هنا سنتحدث عن فن الرقص الشعبي”البرع” الذي يختلف من منطقة الى اخرى ، وتختلف أنماط الرقصة باختلاف المناطق والقبائل ، فهناك البرعة الهمدانية والتهامية والحارثية واليافعية والماربية ولكل منها مميزات تختلف عن الاخرى تتميز عن الأخرى بالموسيقى المصاحبة وسرعة الحركة وعلى اختلافاتها إلا أن كلها رقصات حرب وقتال ضاربة في القدم , ومقتصرة على القبليين فقط لم لها من دلالات ومعاني ، وأهم معاني البرع هو تعليم أبناء القبيلة أن يعملوا كمجموعة مترابطة في ظروف صعبة إذ يستعمل الراقصون الخناجر وفي حالات عدة يضعون أسلحة فوق أكتافهم .
وتختلف الأمور إلى حد ما في المناطق الجنوبية للبلاد فالبرع ليس منتشرا في حضرموت وعدن والمهرة و الرقصات الشعبية في هذا الجزء من اليمن دخلت عليها عوامل خارجية نتيجة علاقاتهم القديمة بشعوب جنوب شرق آسيا من أشهر الرقصات جنوب البلاد , الشرح , الزفين والشبواني والأخيرة، وفي حضرموت تختلف الرقصات باختلاف الطبقات الاجتماعية في حضرموت فكان قديما “للعبيد” زامل ورقصات خاصة بها لا يشترك فيها رجال القبائل والعكس .
من الصعب جداً تحديد تاريخ نشوء الرقصات في اليمن بشكل عام ولا يمكن الوصول الي نقطة زمنية محددة في التاريخ لنشوء هذا الفنّ (الرقص الشعبي) الا في حالة واحدة وهو الاجتهاد بالاستنتاج والمقارنة من خلال التاريخ الاجتماعي ـ والاقتصادي والسياسي وبهذا الاجتهاد نستطيع التوصل لمقاربات احتمالية.
رقصة البرع الصنعاني :ــ
عند البحث في اللغة عن معنى كلمة “البرع” نورد ما أشار إليه العلامة أبن منظور في كتابه لسان العرب وهو (بَرَعَ ، يَبْرِعُ ، بُروعاً ، وبَرَاعَةً ، فهو بارع ) إذاً فالبرع معناه في أصل اللغة البراعة والإتقان أي إجادة الشيء ، ولكن معناها في اللهجة اليمنية الدارجة يدل على معنى آخر فالبرع باللهجة الصنعانية يطلق على العدو الواثب أي الشخص الذي يستعد للنزال ، وهي رقصة حربية بحتة لأنها تجسد مهارات وفنون استخدام السلاح (الجنبية) ورقصتنا هذه تؤدي في ساعات الصباح الباكر وهي رقصة جماعية تؤدي من قِبل جموع من الأفراد غير محددة العدد.
وكان “لرقصة البْرع الصنّعَاني” دلالات ومعاني لم تقتصر لكونها رقصة شعبية تؤدي في مناسبات فرائحية إذ أنها كانت في ذاك الوقت البعيد من الزمن تستخدم كوسيلة لإيصال خبر أو حدث ما وذلك من خلال آلة الطاسة وهي هنا بمثابة أسلوب نداء ليحتشد جموع الناس ليتم إعلامهم بخبر ما إذ كان يتم قرع سريع متتابع على إيقاع آلة الطاسة وهي نوع من أنواع الإيقاعات المستخدمة في “رقصة البرع الصنعاني ” ، والطاسة عبارة عن نحاس خالص حيث يسمح بإعطاء صوت رنان قوي يسمع على بعد عند النقر عليها أما شكل الطاسة فهي تبدو مقعرة الشكل مغطاة بالجلد الطبيعي . وتتكون “رقصة البْرع الصنّعَاني” من أربعة إيقاعات مختلفة مبنية على أساس أن يكون بناؤها بناءً تصاعدياً ويعود السبب هنا من خلال تكوين الرقصة التي لابد أن تتخذ مراحل متعددة حتى تصل لآخر مرحلة وهي المرحلة الفاصلة ، وتبدأ “رقصة البْرع الصنّعَاني” بإيقاع بطئ يسمي باللهجة الدارجة (الدسعة) وميزانه محدد ويأتي فيما بعد ميزان آخر وهو أسرع من (الدسعة) بقليل ويسمي (السارع) ويتبعه من ثم بعد ذلك الإيقاع التالي (الوسطى) وهو أسرع مما سبقه من الإيقاعات ولأن الإيقاع الأخير هو الأسرع نشاهد فيه تسارع الإيقاع يفوق الإيقاعات السابقة وهو إيقاع (الهوشلية) إذ أن الراقص يصل إلي ذروة السرعة في أدائهِ الحركي الذي يوصله لدرجة الإنهاك الجسدي ، وجميع رقصات البرع تنتهي على إيقاع (الهوشلية).
وكما أسلفنا الذكر فيما سبق عن “رقصة البْرع الصنّعَاني” لكونها عرفت بطابعها الحربي المعروف في المناطق الجبلية المرتفعة حيث يقوم الراقص بأداء الرقصة على مراحل متتابعة الزمن والسرعة إذ لابد له من التقيد بهذه الحدود حيث أن الراقص لا يستطيع أن يستهل رقصته على إيقاع (الهوشلية) منذ بدايتها حتى نهايتها وذلك لأن الطبيعة الجغرافية للمناطق الجبلية المرتفعة لا تمكن راقص البرع من تأديتها بنفس قوة الأداء الذي يصل فيه عند نهايتها وذلك لقلة الأكسجين في أعالي القمم المرتفعة عن سطح البحر وهو كنوع من الإحماء الذي يقوم به الراقص حتي يصل إلي آخر إيقاع وهو قادر على تأديتها بشكلها المطلوب، ولهذا فأن “رقصة البْرع الصنّعَاني” تأخذ عدة إيقاعات حتي تصل إلي إيقاع (الهوشلية) وهو المقطع الفاصل الذي يظهر القدرة القتالية وخفة وليونة الحركة ومرونتها أثناء استعمال الجنبية في عملية الرقص .
وتتكون “رقصة البْرع الصنّعَاني” خلال عملية الرقص من خط مستقيم حيث تعمل هذه الجموع على تشكيل دائرة منفرجة ومن ثم العودة لنفس تكوينها السابق الخط المستقيم وهكذا حتي تنتهي حبكة الرقصة سواء كانت لمناسبة حفل الزواج أو ما عداها من المناسبات الفرائحية للمدينة .