لو كنا مكان إسرائيل ماذا نفعل في مواجهة حزب الله؟
قد لا نكون مضطرين الى هذا التمرين. ذلك أن النقاش في إسرائيل لا يظهر على السطح عندما تكون الأمور حرجة جداً. الإعلام هناك يخضع لرقابة حقيقية. ليس من إمكانية للغرق في التصريحات والتهديدات وما شاكل. حتى المسرّب من المصادر الامنية والعسكرية لا يكفي لحسم ما إذا كانت إسرائيل مربكة الآن أو لا.
لكن بالعودة الى الثوابت، فإن أولويات إسرائيل لا تزال هي ذاتها منذ قيامها. الأمن الإجمالي هو الهاجس المركزي. وخلال العقدين الأخيرين، أدخَلت إسرائيل، مجبورة، تعديلات جوهرية على العقيدة الأمنية والعسكرية، وأدخلت مفهوم البرامج الدفاعية على جدول أعمالها، وهو ما يفرض سياقات مختلفة بالتعامل مع الجمهور، أو بالعمل الوقائي مع الأعداء. يتحدث العدو عن هدوء مع لبنان، لكنه يتحدث يومياً عن تعاظم قوة حزب الله. وكل ما قامت به إسرائيل في العقد الاخير، لا يتجاوز إطار العمليات الأمنية أو العسكرية التي نجح العدو، في بعضها، بتوجيه ضربات قاسية، لكنها ليست الضربات التي تحدّ من قدرة المقاومة على النمو.
كان هذا كله قبل تبدل الأحوال في سوريا والعراق.
يكفي اليوم لمراقب في تل أبيب أن ينظر الى حجم التغييرات بعد ست سنوات من الحروب المفتوحة في سوريا والعراق، حتى يتبيّن له أن الأمور سارت في طريق معاكس. ها هو حزب الله الذي كان يقدم استشارات عن بعد لقوى تحاكيه في أماكن متفرقة من المنطقة قد صار قوة رئيسية في أكثر من بلد.
في سوريا، بات حزب الله رديف الجيش السوري في إدارة المعارك الفاصلة. وفي العراق، يحضر خبراء الحزب الأمنيون والعسكريون في أكبر غرف العمليات. وبات السيد حسن نصرالله القائد الملهم لقوى الحشد الشعبي والمرجع المنظّم لإدارة العلاقات السياسية بين غالبية القوى السياسية هناك. وفي اليمن، صار حزب الله شريكاً مباشراً في تنمية قدرات أنصار الله الذين يرون في الحزب نصيراً له في رقابهم دين عظيم.
أما في فلسطين، ورغم كل من حصل من تطورات، تعود الجماعات المؤمنة بخيار المقاومة الى بيروت من أجل تطوير التنسيق، فيما يتصرف حكام الجزيرة العربية على أساس أن لنصرالله مئات الألوف من الأنصار الذين يستمعون الى وصاياه.
يمتلك حزب الله في لبنان حق الفيتو الحقيقي في إدارة الامور الاستراتيجية، ولم يعد هناك من خصوم يهدّدونه. وإذا كان الجميع يفضّل الصمت، وهو أمر ليس بسيّئ، فإن كل أجهزة الاستخبارات العالمية الناشطة في بلادنا تبحث عن سبل لمعرفة حجم التطور الأمني لدى حزب الله، الذي وفّر دعماً استثنائياً للأجهزة الامنية اللبنانية، لمنع عشرات، إن لم يكن المئات، من العمليات الارهابية.
وإذا كان الحزب قد خسر خلال العقد الأخير نحو 2000 شهيد (من حرب عام 2006 حتى الحرب في سوريا والعراق)، فهو نجح في استقطاب عشرات آلاف المقاتلين الجدد. ولم يكتف الحزب بتطوير منظومته العسكرية والامنية، بل اختبر العشرات من الخطط النظرية في حروب مكّنته من اكتساب خبرات غير مسبوقة، بما في ذلك حرب الصحراء التي يخوضها الآن في البوادي الشرقية لسوريا، أو البوادي الغربية للعراق.
لكن الأهم، أن مخازن جيوش كبرى فتحت أمام وحدات الحزب لتأخذ منها ما تحتاج إليه، سواء في سياق تعزيز الجاهزية لمواجهة احتمال الحرب مع إسرائيل، أو لاستخدامها في المعارك التي يشارك فيها في أكثر من مكان.
لكن كيف سيكون الامر، بعدما تم فعلياً ربط الساحات اللبنانية والسورية والعراقية والايرانية بعضها بالبعض الآخر؟ والامر هنا لا يتعلق بنشاط عسكري فقط، بل بأنشطة لها بعدها الاستراتيجي، اقتصادياً قبل أي شيء آخر!
بناءً على ما تقدّم، هل تذهب إسرائيل مباشرة نحو مواجهة مع الحزب في لبنان، وهي تعرف مسبقاً أنه ليس بيدها إدارة اليوم التالي على اندلاع الحرب؟ وهي التي تعرف أن مزحة التمارين والمناورات على حماية الجبهة الداخلية لن تنفع في تنظيم السير في منطقة غوش دان بعد ساعات على اندلاع أي مواجهة شاملة؟ هل يصارح قادة العدو شعبهم بمصير الكهرباء وشبكات النقل والمطارات والمرافئ ومراكز الدولة وبناها التحتية؟ وهل يملك العدو تصوراً واقعياً عن «شتاء الصواريخ» الذي سيكون أمراً قائماً ولو في عزّ الصيف؟
ماذا يمكن للعدو أن يفعل في سوريا غير انتظار محاولة أميركية جديدة لفرض وقائع ميدانية تجبر روسيا وإيران على رسم خطوط حمر جديدة بما يتناسب ومصالح العدو، وهو أمر، حتى لو حصل، من قال إنه سيؤثر فعلياً على واقع المقاومة وبرامج عملها؟ كيف وإسرائيل تعرف أن كل يوم يمضي من دون حرب، تخسر هي المزيد من قوة الردع لديها، بينما تفتح الابواب أمام توسيع مطرد لشبكة القوى المنخرطة في محور المقاومة؟ وبالتالي، فإن العدو محكوم هنا بمآل المحاولات الاميركية.
وسط هذه الأجواء، لا بأس بكلام سياسي يردّده العدو، أو مريدوه من الغربيين والعرب، حول تبدلات كبرى مقبلة على المنطقة بفعل ما يحصل في الخليج. لكن من المفيد لفت الانتباه الى أنه منذ حرب الخليج الاولى حتى اليوم، لم يبادر محور المقاومة الى أي خطوة في كل الجزيرة العربية، حتى في اليمن. فقتال المحور دفاعي محض، أما إذا تقرر العكس، فعندها ليس متوقعاً من العدو، سوى… خيار الانتحار الجماعي!