الصباح اليمني_منوعات
من عائلة فلاحية ومن الربوع التي أشعلت قبل عشر سنوات غضب التونسيين لتطوي خلفها ما يزيد عن 23 عاما من التغول السياسي.
قدمت حياة العُمري محملة بعبء محافظة سيدي بوزيد التي غصت حناجر شبابها بمطالب الشغل والحرية والكرامة الوطنية رغم ثراء طبيعتها وعطاء أرضها.
العُمري امرأة تونسية أرادت لنفسها أن تحلق عاليا في سماء النجاح، فتعددت صفاتها فهي اليوم السياسية والبرلمانية وباحثة الكيمياء والمخترعة، وهي أيضا واحدة من ست نساء عربيات تُختار ضمن السيدات الأكثر تأثيرا وإشعاعا في العالم العربي لسنة 2019.
ليس الاختيار الأول
تقول حياة العمري في حوار لوكالة “سبوتنيك” الروسية لم تكن هذه المرة الأولى التي يقع فيها اختياري ضمن هذه المجموعة، ففي سنتي 2017 و2018 كنت ضمن أبرز 100 شخصية على المستوى العربي، ولكن اختياري لسنة 2019 كان الأكثر خصوصية”، حيث تم اختياري من قبل مجلس المرأة العربية ضمن الست نساء الأكثر تأثيرا في العالم العربي، وذلك خلال مؤتمر المهندسات العربيات المنعقد بالكويت مطلع شهر فبراير /شباط الجاري.
تضيف عمري في حديثها لـ”سبوتنيك” إن الست نساء العربيات اللاتي تم اختيارهن يمثلن كفاءات من مجالات مختلفة ولهن وزنهن ليس على المستوى العربي فقط وإنما أيضا الدولي، وقد تم اخيار جميعهن استنادا إلى قدرتهن على ترك بصمة خاصة في واقع بلدانهن من خلال مشروع ما.
وتعتبر العُمري أن هذا التصنيف يضيف لها كثيرا من الناحية المعنوية لكنه يحملها في الوقت نفسه مسؤولية كبرى تجاه بلدها تونس.
وفي هذا الإطار، تؤكد لنا العُمري أنه وكتتويج لهذا التصنيف وقع اختيارها لترأس مؤتمر المهندسات العربيات الذي سيقام في تونس لأول مرة، وهو ما سيمثل مناسبة لعقد مجموعة من الاتفاقيات المهمة لفائدة المهندسة التونسية، سواء في إطار تبادل التجارب وحتى توفير فرص عمل لهن.
5 براءات اختراع و80 جائزة دولية
ومنذ تحصلها على براءة الاختراع الأولى سنة 2008، لم تعرف عزيمة حياة العُمري الفتور إلى أن كونت في رصيدها خمس براءات اختراع مثلت عصارة خبرتها وتجربتها في مجال الكيمياء.
اختراع العُمري الأول تمثل في تثمين تراب تونسي كان غنيا بالصوان النشيط عن طريق إزالة الشوائب من الحامض الفسفوري الذي يمثل المادة الأساسية لصناعة الأسمدة الكيميائية. وقد مكن هذا الاختراع الشركة التي كانت تشتغل فيها حياة من تحقيق 12 مليون دينار كفائدة، ومن زيادة في نسبة الإنتاج بقيمة 36 ألف طن من الحامض الفوسفوري في ظرف شهرين فقط.
أما الاختراعات الثلاثة الأخرى فتتمثل في تحسين مورفولوجيا الفوسفوجيبس لتفادي ضياع مادة الحامض الفوسفوري وتحسين إنتاج هذه المادة عبر تثمين الفضلات النباتية بالأساس، وهو ما مكن من الحصول على حامض فسفوري يمكن استخدامه في مجالات أخرى كصناعة السيارات أو الأدوية أو مواد التنظيف او المشروبات الغازية
وتذكر حياة العُمري لـ”سبوتنيك” أن اختراعها الخامس استمدته من حاجة قريتها الفلاحية “الرقاب”، فعلى الرغم أن محافظة سيدي بوزيد هي الأولى وطنيا على مستوى المنتوج الفلاحي إذ تنتج الغلال والخضر بجودة عالية جدا، إلا أن هذه الثروة النباتية مهددة بالزوال تدريجيا نتيجة الاستهلاك المكثف للأسمدة الكيميائية.
وتؤكد عُمري أنه في حال تواصل الانتاج بهذه الطريقة فإنه وبعد 10 سنوات لن يبقى للأجيال القادمة أراضٍ صالحة للزراعة، لأن الأسمدة حسب الدراسات تفقد الأرض سنويا 2 في المئة من خصوبتها.
ونتيجة لذلك فكرت عُمري في اختراع طريقة لتثمين الفضلات النباتية والحيوانية، وتوصلت إلى تركيبة سماد بيولوجي تعوض الأسمدة الكيميائية وتقلص أيضا بنسبة عالية جدا من استعمال المبيدات، بفضل قدرة هذه التركيبة على زيادة حجم مقاومة النبتة للأمراض وللرياح، واستعادة خصوبة الأرض مع الزمن.
مجهود حياة العُمري العلمي تُوج بـ 80 جائزة دولية تحصلت عليها محدثتنا في مجال الاختراع والابتكار، تتوزع بين ميداليات ذهبية وكؤوس أوروبية وأوسمة لجمهوريات ودول متعددة، على غرار الجائزة الكبرى الفرنكوفونية، والتانيت الذهبي للجمهورية الفرنسية، والميدالية الذهبية لمسابقة الفدرالية الأوروبية للمخترعين.
كما تحصلت العُمري على العديد من التشريفات الوطنية على غرار وسام الجمهورية مع الرئيس الراحل الباجيي قايد السبسي والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، فضلا عن العديد من الجوائز العربية، منها جائزة أفضل مهندس عربي، وجائزة “أفرابيا” للعلوم والآداب من مجلس الشباب العربي والأفريقي، نجاح تطمح العُمري في أن تتوجه بنيل جائزة نوبل في مجال العلوم.
بين العلم والسياسة
دخول حياة العُمري إلى غمار الحياة السياسية لم يكن من قبيل الصدفة، فهي الباحثة التي تذوقت مرارة التهميش رغم حجم إنجازاتها وتكريماتها الدولية وهو ما قادها إلى التفكير في مغادرة تونس سنة 2014.
لكن عزيمة حياة العمري وإصرارها على النجاح قاداها إلى خوض التحدي ودخول المجال السياسي كنائبة في مجلس نواب الشعب، لتكون صوت الشباب المبدع والمخترع القادر على تغيير واقع التنمية والاقتصاد في بلادها، وأيضا ككفاءة تونسية قادرة على تغيير واقع البحث العلمي عن طريق سن قوانين تخدم هذا القطاع، وفقا لقولها.
وتقول العُمري إن اختيارها لحركة النهضة بالذات كان نابعا من إيمانها بمشروع هذا الحزب السياسي، وانطلاقا أيضا من البيئة التي ترعرعت فيها والتي تتماشى مع قيم حركة النهضة ومبادئها.
وتضيف محدثتنا أن حياتها السياسية خدمت حياتها العلمية في جانب معين، فبعد العمل طيلة خمس سنوات في المدة النيابية الأولى وبعد انتخابها أيضا كنائبة في البرلمان للمرة الثانية حصدت عُمري رصيدا مهما من العلاقات مع المنظمات الدولية مكنها من تقديم الإضافة في مجال البحث العلمي، حيث اختيرت ضمن الخبراء الذين لهم دور في وضع الاستراتيجية العربية للبحث العلمي وضمن الخبراء الذين كان لهم دور في وضع الاستراتيجية العربية لربط الأكاديميا بالصناعة، وأيضا مع الخبراء الدوليين للأمم المتحدة الذين وضعوا الاستراتيجية الدولية للحد من مخاطر العولمة على مستوى الشباب.
حياة العمري.. الأم والزوجة
مسيرة حياة العُمري السياسية وحياتها المليئة باللقاءات والعمل لم تمنع نجاحها أيضا على المستوى العاطفي والعائلي فهي أيضا زوجة وأم.
تقول العُمري “لم أواجه إشكالا في المراوحة بين حياتي العملية والأسرية، فقد تزوجت برجل من المجال العلمي يقدر جيدا صفتي كامرأة سياسية وباحثة”.
وتضيف محدثتنا أن زوجها كان من بين العناصر الأساسية التي قادتها إلى النجاح ولم يكن يوما عائقا أمام تقدمها، مؤكدة أن حياتها الزوجية تقوم على مبدأ التشاركية.
وفي كل هذا لا تنسى حياة العُمري دورها كأم تطمح لأن تكون لابنتها حياة متوازنة وأن تسير على خطى النجاح.
المصدر: سبوتنيك
خليك معنا