أقرب وصف يليق بحكومة الشرعية في اليمن هو أنها حكومة حولاء، إذا أرادت أن تذهب يميناً ذهبت شمالاً، وإذا أرادت أن تكافئ عاقبت، وإن أرادات أن تعاقب كافأت. فمن غرائب هذه الحكومة، وهي كثيرة رغم قصر عمرها، هو أنها حين أرادت أن تعين مسؤولاً عن صرف رواتب العسكريين لم تكلف قيادة وزارة الدفاع أو الداخلية بهذه المهمة العسكرية، بل كلفت وزير الزراعة رئيساً، ووزير النقل نائباً. لذلك، وبسبب هذه القرارات الحولاء، ضاعت مستحقات منتسبي الداخلية والدفاع، وأهينت أعلى الرتب العسكرية وهي تتردد على منزل رئيس اللجنة استجداءً وتوسلاً لحقوقها، والسبب أن هذه الحكومة الحولاء رأت الدفاع زراعة ورأت الجنود مزارعين.
ولأنها حولاء أيضاً، فإنها حين سمعت بغرق سفينة تقل عشرات المواطنين السقطريين قرب سقطرى، فقد شكلت لجنة برئاسة وزير الأوقاف، في قرار غريب وغير مفهوم… غير المفهوم أن تنظر الحكومة إلى حادثة سفينة أُزهقت فيها أرواح بشر كما لو أن هذه السفينة كانت وقفاً لأحد أجداد الوزير أو رئيس الحكومة!
أما أغرب تصرفات حكومة الشرعية الحولاء فكانت الأسبوع الماضي، عندما تعرضت طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية لخلل مفاجئ، وربما تحت تأثير الصيام ازدادت نسبة الحول، فشكلت هذه الحكومة، للتحقيق في الحادث الذي كاد أن يودي بحياة 180 راكباً بينهم وزير، لجنة برئاسة وزير العدل، وعضوية وزير الأشغال العامة والطرق، واستثنت الوزير المعني الذي كلفته سابقاً نائباً لرئيس لجنة صرف معاشات الجيش والأمن.
في اللجنة الأخيرة، تجلت غرابة هذه الحكومة الحولاء، التي جاءت بوزير مسؤول عن الطرق والجسور والإسفلت، وإن لم يكن مختصاً في ذلك أصلاً، للتحقيق في خلل محركات طائرة «بوينج». الأغرب وما يثير الخجل أن هذه الحكومة أرادت من لجنتها هذه تقريراً يدين الوزير، انتقاماً منه لدخوله في مجلس الجنوب الإنتقالي، والأسوأ أنها في الأصل لم تكن تمانع في التضحية بنحو مائتي روح بريئة للانتقام من وزير واحد.
كثيرة وعديدة هي غرائب حكومة الشرعية الحولاء، فهي دائماً تتصرف عكس ما ينبغي لها أن تتصرف أو تفعل، وتنظر إلى مكان آخر غير الذي تريد النظر إليه. هذه الحكومة، وضمن مفارقاتها، تدعي حرب صالح والحوثي، وعلى الواقع ترسل إليهم شحنات الأسلحة لتعزيز جبهاتهم، ربما لأنها حكومة حولاء تختلط عليها الجبهات ولا تستطيع التمييز بينها. ولأنها حولاء، فإن هذه الحكومة تطالب العالم ليل نهار بإجبار المليشيات على تحويل إيرادات المحافظات التي تسيطر عليها إلى البنك المركزي في عدن، وفي الخفاء تهرب إليها المليارات سراً، وبالمخالفة، بعد أن تسحبها من هذا البنك، وحين ينكشف أمرها فإنها تخلق مشاكل أخرى للتغطية على المشكلة الأم.
وفي كذب الحكومة وتباهيها غرائب أخرى، فهي تقول إنها تصرف رواتب موظفي الدولة الذين تحت سلطة الحوثي وصالح في الشمال، وهي في الأصل لم تستطع صرف رواتب الجنود الذين يحمونها في عدن منذ أشهر، ربما لأنها ترى بعينيها الحولاء أن وجوه المترددين على معاشيق لاستلام حوالاتهم، وكأنها وجوه مواطنين في سحار وكتاف.
هذه الحكومة التي تقول إنها تصرف رواتب موظفي الجوف وصعدة، لم تستطع التعليق أو التحقيق في وفاة رجل مسن وهو بانتظار راتبه أمام بريد خورمكسر، ووفاة آخر وهو ينتظر راتبه في معسكر عبود بعدن. بل الأغرب في الحالتين الفائتتين أن الحكومة الحولاء دفعت بإعلامها المضلل باتجاه تحميل المحافظ السابق، عيدروس الزبيدي، مسؤولية ما حدث، وكأنه هو رئيس الحكومة ووزير المالية ومحافظ البنك ومدير البريد.