الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
حظيت حضرموت بنصيب مهمٍ من وصف أشهر الرحالة والجغرافيين والمؤرخين وحتى الأدباء العرب والمسلمين وذلك في حقب مختلفة من التاريخ الذي أعقب البعثة النبوية الشريفة وانتشار الإسلام شرقاً وغرباً.
وحرص الرحالة العرب والمسلمين على ارتياد حضرموت وذلك أثناء تجوالهم في الأمصار وذلك لوصفها جغرافياً وديمغرافياً وأنثروبولوجياً، خصوصاً حين قصدوا الحجاز والديار المقدسة لتأدية مناسك الحج قبل استئناف رحلاتهم التي قادت بعضهم للوصول إلى الصين شرقاً والأندلس غرباً.
كما تحرَّى الجغرافيون وصف تضاريس حَضْرَموت وطبيعتها ونوعية الحرف والمهن المسيطرة فيها.
وفي هذا التقرير؛ سنقوم باقتباس أوصاف هؤلاء الرحالة والجغرافيين للمدينة الواقعة في اليمن وذلك بشكل مرتَّب زمنياً، من الأقدم إلى الأحد وهكذا.
ابن الحائك الهمداني يصف حضرموت:
هو أبو محمد ابن الحائك الهمداني والذي يعد أحد أبرز الجغرافيين والفلاسفة والحكماء والشعراء والفلكيين العرب الذي وُلِدَ وتوفي في صنعاء (893-947م).
يقول الهمداني عن حضرموت في كتابه “صفة جزيرة العرب” وذلك في سياق تناوله جغرافيا اليمن: ” وهي جزؤها الأصغر، نُسِبَت هذه البلدة إلى حضرموت بن حِمْيَر الأصغر، فَغَلَبَ عليها اسم ساكنها، كما قيل خيْوان ونَجْرَان، والمعنى بلدُ حضرموت وبلد خيْوان، ووادي نجْرَان، لأنَّ هؤلاء نُسِبَت إليهم المواضِع، وكذلك سُمِّيَ أكثرُ بلادِ حِمْيَر وهَمْدَان باسماءِ متوطِّنيها، وكان بحضرموت الصَّدَف (قبيلة من كندة ولها بقية في حَضْرَموت)، من يومِ هُمْ، ثمَّ فاءت إليهم كِنْدَة بعدَ قِتْلِ ابن الجوْن يوم شِعْب جبَلة (اسم موضِع كان فيه الوَقْعَة المشهور بين بني عامر وتميم وذبيان وعبس وفزارة)، لمَّا انصَرَفُوا من الغَمْر ذي كِنْدَة (قريب من مكَّة) وفيها الصَّدَف وتُجيب والعبَاد من كِنْدَة وبنو مُعاوية بن كِنْدَة، ويزيد بن مُعاوية وبنو وهب وبنو بدَّا ابن الحارث، وبنو الرايش بن الحارث، وبنو عمرو بن الحارث، وبنو ذُهل بن معاوية، وبنو الحارث بت معاوية، ومن السَّكون فرقة، وفرقة من هَمْدَان يُقال: لهم المحاتل من ذي الجِراب بن نشْق، وهُم مع كِنْدَة، وفرقة من بلْحارث بن كعب الصّيعر، وإليها تُنسَب الإبل الصيعرية والأشلَّة الصيعرية”.
والصيعر قبيلة من الصَّدَف تُنسب إليها ريدةُ ليفرِّق بينها وبين ريدة أرضين.
ويضيف الهمداني “بلد كندة من أرض حَضْرَموت: فإذا خَرَجَ الخارِج من العِبَر؛ لقِيَ أول ذلك درب العجيز الكندي، ثُمَّ هَيْنَن وهي قريةٌ كبيرةٌ في أسفلها سوق، وفي أعلاها حصنٌ للحُصَين بن محمد التُّجيبي وساكنها بنو بدَّا وبنو سهل من تُجِيب، ثُمَّ صُوران، قريةٌ مقتصدةٌ لتُجيب من كندة، ثمَّ قُشَاقِش قرية في رأس جبلٍ لتُجيب، ثمَّ عندل: مدينةٌ عظيمةٌ للصَّدف، وكان امرؤ القيس بن حُجْر قد زار الصَّدف وأنشأ فيها شعراً”.
وعنْدَل وخَوْدُون وهَدُون ودَمُّون مُدُن للصَّدَف بحضرموت، ثمَّ الهَجَران، وهُما مدينتان مُتقابِلتان في رأس جَبَلٍ حصين يطلع إليه في مَنَعَة من كُلِّ جانبٍ يُقال لواحِدة خَيْدُون وخَوْدُون كلُّه يقال ودَمُّون وهي تثنية الهَجِر، والهَجَر القرية بلغة حِمْيَر والعَرَب العاربة، فمِنْها هَجَرَ البَحْرين وهَجَر نجران وهَجر جازَان وهَجَر حَصَبَة من مخلاف مأذِن، وساكِن الصَّدَف، وساكن دَمُّون بنو الحارث الملك ابن عَمرو والمقصور بن حُجْر آكل المُرار، وإنَّمَا سُمِّيَ آكل المُرَّار أن بعض غَسَّان خالفه في بعض غزواتهِ، فاكْتَسَحَ لهُ مالاً وسبى لهُ جارية وأوغلوا بالجارية يُديرون المال خوف التّبع، فأقبَلَت الجارية تلفَّتُ، فقيلَ لَهَا: ما تلفُتَكِ؟، فقالت: كأني بِحُجْر قد كَرَبَكم فاغِرَاً فاهُ كأنهُ جَمَل أكل مُراراً فلم يَعِتُم أنَّ الحَقَ على تلك الهيئة فَسُمِّيَ آكِل المُرَار..
وبلد كِنْدَة مرتفعٌ كأنه سُرَاة وتصُبُّ أوديتهُ في حَضْرَموت، ثم يصبُّ حضرموت إلى بلدِ مَهْرَة من الهَجَرين إلى رَيْدَة أرضين، وهو وادٍ فيهِ قُرىً كثيرة ونخلٌ للعِبَادِ من كِنْدة، بحسب الهمداني. وفي حضرموت سكنت كِنْدَة بعد أن أَجْلَت عن البَحرين والمُشَقَّر وغَمر ذي كندة في الجاهلية بعد قتلِ ابن الجَوْن.
الإصطخري يصف حضرموت:
تناول الجغرافي والرحالة أبو القاسم الإصطخري مدينة حضرموت بشكل مختصر وذلك في كتابه “مسالك الممالك”.
وقال الإصطخري (850-957م) : “وحضرموت في شرقي عَدَن بقُرْبِ البَحَر، وبها رمالٌ كثيرةٌ تُعْرَف بالأحقاف، وحضرموت في نفسها مدينةٌ صغيرة، ولها أعمالٌ عريضةٌ، وبها قبر هُود النَّبي، وبقربها بلهُوت، بئرٌ عميقةٌ لا يكادُ يستطيعُ أحدٌ أن ينزِلَ إلى قعْرِهَا”.
وزاد ”وإلى حضرموت من مُهْرَة نحوَ شَهْر، ومِن أقصى حضرموت إلى عَدَن نحو شهر…وأهل حضرموت ومُهْرَة فإنهم يقطعون عرض بلادِهُم حتَّى يتَّصِلُوا بالجادَّة التي بين عَدَن وبين مَكَّة، والمسافة منهم إلى الاتصال بهذه الجادَّة ما بين 30 مرحلة إلى 50 مرحلة”.
وصف البشاري المقدسي:
تحدَّثَ الرحالة البشاري المقدسي (945-1000م) بشكل مقتضب عن حضرموت وذلك في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”.
وقال: ”وحضرموت هي قصبة الأحقاف، موضوعة في الرِّمَال، عامرة نائية على السَّاحل آهلة، لهم في العلم والخير رغبة، إنهم شراة شديد سمرتهم“.
الإدريسي يتحدث عن حضرموت:
تحدَّث الجغرافي اللامع أبو عبد الله محمد الإدريسي الهاشمي (1100-1166م) بدوره عن حضرموت وذلك في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”.
وقال الإدريسي: ”وبأرضِ حضرموت مدينتان اسم إحداهُما شبام والأُخرى تريم، وبين المدينتين مقدار مرحلة، ومِنْ مُدُن حضرموت مأرب، وهي الآن مدينة خَرَاب، وكانت مدينة سبأ، ومنها بلقيس زوج سليمان عليه السَّلَام”.
وزاد “ومن حضرموت إلى صداء مائتان وأربعون ميلاً.. ومن عَدَن إلى حضرموت خمسُ مَرَاحِل وهي في شرقي عَدَنْ وبها رمالٌ متَّصِلَةٌ تُعرَفُ الأحقاف، وبِلادها بلادٌ صِغَار، وبِها متاجرٌ قليلة، ويخرج منها الصَّبْرُ الحَضْرَمي وهو دون الصَّبْر السقطري، وربَّمَا سبكهُ الغشَّاشونَ للصَّبْرِ فغشُّوا به الصَّبْرَ السقطري”.
وأضاف الإدريسي: ”وبمدينة سبأ طوائف من أهل اليمن وأهل عُمان، وبهَا السَّدُ المذكور في أخبار العَرَب وقبل تفرُّقِهَا عنه..”.
الحموي يتحدث بإسهاب:
تناول الأديب والجغرافي والأديب ياقوت الحموي (1178-1225م) مدينة حضرموت بذكر موسَّع وذلك في كتابه “معجم البلدان”، مستفيداً مما كتب سلفه عنها، لذلك تتعدَّد لديه الروايات حول اسمها وبعض تفاصيها، لذلك يُكثر من كلمة قيل أو قال.
ويذكر الحموي: ”يقال: فلانٌ من الحضارمة مثل المهالبة، وقيل: سُمِّيَت بحاضِر ميِّت وهو أول من نَزَلَها، ثُمَّ خُفِّفَ بإسقاط الألف، قال ابن الكلبي: اسم حضرموت في التوراة : حاضر ميت، وقيل: سُمِّيَت بحضرموت بن يقطن بن عامر بن شالخ، وقيل: اسم حَضْرَموت عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمْس بن وائلة بن الغوث بن قطن بن عُريب ابن زُهير بن أيمن بن الهمَيسع بن حِمْيَر بن سبأ، وقيل: حضرموت اسمه عامر بن قحطان وإنَّمَا سُمِّيَ حضرموت لأنَّهُ كانَ إذا حضَرَ حرباً أكثر فيها من القتل، فلُقِّبَ بذلك، ثُمَّ سُكِّنَت الضَّاد للتخفيف، وقال أبو عبيدة: حضرموت بن قحطان نزل هذا المكان فَسُمِّيَ به، فهو اسم موضع واسم قبيلة”.
وزاد “وحَضْرَموت: ناحيةٌ واسعةٌ في شرقي عَدَن بقُرْبِ البحر، وحولها رمال كثيرة تُعْرَف بالأحقاف، وبها قبر هود عليه السَّلَام، وبقُربِهَا بئر بَرَهُوت ، ولها مدينتان يقال لأحداهِمَا تَريم وللأخرى شِبام، وعندها قلاع وقرىً، وقال ابن الفقيه: حضرموت مخلافٌ من اليَمَن بينه وبين البحر رِمَال، وبينه وبين مخلاف صُداءَ ثلاثون فرسَخَاً، وقيل: مسيرة أحد عشر يوماً”.
ويضيف الحموي ”وأمَّا فَتْحَهَا؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليهِ وسَلَّم كانَ قد راسل أهلها فيمن راسَلَ فدخلوا في طاعتهِ، وقدِمَ عليهم الأشعث بن قيس في بضعة عشر راكِبَاً مُسلِمَاً، فأكرمه رسو ل الله صلى الله عليه وسلَّم، فلمَّا أرادَ الانصِرافَ سألَ رسول الله أن يُولَّي عليهم رجُلَاً منهم، فولَّى عليهم زياد ابن لبيد البياضي الأنصاري وضمَّ إليهِ كِنْدَة، فبَقي على ذلك إلى أن ماتَ رسول الله…”.
أبو الفداء يتحدث عن مدينة حضرموت:
تحدَّث أبو الفداء (1273-1331م) وهو الشَّاعر والأديب والجغرافي والملك المعروف بـ”صَاحب حَمَاة”، عن حضرموت ومحيطها في كتابه “تقويم البلدان”.
وقال في هذا الصَّدَد: ”.. وشبام جبلٌ منيعٌ فيهِ قُرىً ومزارع كثيرة، وهو مشهورٌ من جبال اليمن وفيه قلعة، وشبام قصبة حضرموت وبينها وبين صنعاء أحد وسبعون فرسَخَاً وقبل إحدى عشرة مرحلة، وبينها وبين ذمار مرحلة واحدة، وقال العزيزي في الجبل المذكور: سكَّانٌ كثيرون، وهوَ مُمْتَنِعٌ من كُلِّ ناحيةٍ، وهو معدنٌ للحَجَرِ المَعْرُوفِ بالعقيق..”.
وزاد أبو الفداء “وبين مأرب وبين صنعاء ثلاثة مراحِل، وقيل: أربعة، وهي خراب، وكانت قاعدة تبابعة اليمن، وهي في آخر جبال حَضْرَموت، وبها كان السَّدُّ ويُسَمَّى مدينة سبأ، قال في المشترك: وسبأ بفتح السين المهملة والباء الموحَّدة ثم ألف مقصورة مهموزة، وهي مدينة مأرب باليمن، سُمِّيَت باسم بانيها سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان”.
خليك معناالمصدر: موقع تاريخ كوم