ما يحدث من عدوان على اليمن من قوى التحالف السعودي ليس بعيداً بالمطلق عن حروب النفط، ولكنه عدوان ضمن مشروع يشمل المنطقة العربية، وذلك من خلال تمكين الكيان الصهيوني ليكون هو المهمين على المنطقة بثرواتها ومنافذها البحرية وببرها وسمائها كوكيل حصري للغرب في المنطقة يعمل الآخرون كأقنعة وأدوات له.
حين قامت الحرب السعودية اليمنية (1933- 1934م) وبغطاء جوي بريطاني للقوات السعودية، كانت شركة «نفط كاليفورنيا» هي التي سلحت جيش «الإخوان» السعودي بالأسلحة والذخيرة الحديثة التي لم تكن متاحة لجيش الإمام يحيى، وكانت من العوامل المؤثرة في هزيمة جيشه. ومنذ ذلك الوقت، أصبح النفط عاملاً داخلياً أساسياً في اليمن والسعودية (الجمهورية بين السلطنة والقبيلة – أبو بكر السقاف – نُشر باسم مجهول – الأمل – القاهرة – 88م».
وقد مارست بريطانيا ضغوطاً على السعودية بعد خروجها من الحرب منهكة مالياً، مما حمل الأخيرة على الموافقة على منح بريطانيا امتيازاً لشركة «نفط العراق» للتنقيب عن البترول في الحجاز وعسير (الاستعمار البريطاني وتقسيم اليمن – عزيز خودا بيردييف – التقدم – 1990). كما كان النفط وراء أحداث شبوة عام 1938م، والتي شهدت صداماً بين جنود الإمام يحيى وبين الإنجليز.
لقد كانت حرب السنوات السبع (1962-1970م) في اليمن في جوهرها حرباً قومية لتحرير ثروة وسيادة المنطقة العربية، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وأدواتهم في المنطقة، من الأردن وشاه إيران وإسرائيل والمغرب، يشاركون في استنزاف مصر في اليمن لأنها قائدة المشروع القومي العربي.
كذلك، كان إعلان اكتشاف النفط في اليمن عام 1983م قد تم بعد حرب قصيرة وقعت بين اليمن والسعودية في ديسمبر من ذلك العام. ولم يسمح باكتشاف النفط في مأرب إلا من خلال «شركة هنت» الأمريكية التي يملك الملك فهد بن عبد العزيز نسبة 30% من أسهمها. حينها، أعلنت الجماعات السياسية الدينية التي تمولها السعودية بعد تلك المواجهات أن الحدود بين السعودية واليمن من ميراث الجاهلية، فلا حدود في دار الإسلام، مما يعني اقتطاع أراض يمنية لصالح السعودية، وهو المبرر نفسه الذي صرح به الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، شيخ حاشد، ورئيس «التجمع اليمني للإصلاح»، عند المحادثات على ترسيم الحدود اليمنية السعودية عام 2003م، حيث قال إن الأخوّة مع السعودية «أهم من حفنة تراب، ولا ينبغي أن نخسر أخوتنا معها» بسبب الأراضي اليمنية التي تطالب بها السعودية، بما يتجاوز اتفاقية الطائف الموقعة في عام 1934م.
كذلك، صرح النائب في مجلس النواب عن «التنظيم الوحدوي الناصري»، عبد الله المقطري، أثناء مناقشة اتفاقية جدة في البرلمان اليمني، بأنه كقومي لا يعترف بالحدود بين الأقطار العربية، ثم صوّت لصالح اتفاقية ترسيم الحدود، بما يعني تمليك الكيان السعودي للأراضي اليمنية في المخلاف السليماني وتهامة اليمن وأجزاء من حضرموت وجزر يمنية في البحر الأحمر!
يقول الدكتور أبو بكر السقاف في كتابه آنف الذكر إن البدوي هو الذي أفسد النفط، وأهدر كل إمكاناته التاريخية حتى بلغ بها درجة الصفر. «فالنفط ليس فرصة تاريخية، تماماً كما الفحم والذهب واللؤلؤ بالنسبة إلى شعوب أخرى في فجر الرأسمالية الغربية. النفط أساس كل التطورات السياسية والاجتماعية التي نفت مشروع الثورة العربية مع امتداد تأثير النفط من الجزيرة إلى بقية الأقطار العربية».
في يناير 1985م، تم حشد الجيش اليمني على الحدود مع السعودية وجنوب اليمن، مما أحدث قلقاً لدى السعودية انتهى بتطمينها؛ فالحشود كانت موجهة لجنوب اليمن، ثم كانت المواجهات في منطقة الثنية وعارين وما جاورهما. «أرادت السعودية وبعض كبار المشائخ في اليمن الشمالي وقليل من التكنوقراط في الحكومة أن تكون مناسبة لتصفية أكثر من حساب، وذُعر اليمنيون من حرب على نفط لم يجربوا طيباته. فذهب رئيس اليمن الشمالي فجأة إلى عدن، وعاد ومعه رئيس اليمن الجنوبي إلى صنعاء. نزع الفتيل فلم تشتعل الحرب. وأُعلن اتفاق مقتضب عن الإستثمار المشترك للنفط في منطقة الحدود حيث الحوض المشترك».
لقد كان النفط من الأسباب الكامنة وراء أحداث 13 يناير 1986م، ولهذا عملت السعودية والإمارات على تقديم عشرات الملايين من الدولارات لدعم الجنود النازحين إلى الشمال، ويُقدّر عددهم مع عوائلهم بخمسة وثلاثين ألفاً، وكان من هؤلاء الضباط الذين نزحوا عبد ربه منصور هادي والعشرات من القادة الذي استخدمتهم السعودية منذ أحداث 11 فبراير 2011م، وفي العدوان العسكري الذي تشنه على اليمن منذ 2015م.