تحت عنوان أزمة الخليج .. معركة “جنون العظمة”، استعرض جيمس دورسي، الزميل الرفيع بمدرسة “راجاراتنام” للدراسات الدولية بسنغافورة، الازمة الخليجية وتبني طرفاها ممثلين بالامارات وقطر استراتيجياتٍ تتجاوز بكثير تلك المُتاحة للدول الصغرى على الساحة الدولية
وأرجع “دورسي”، هذا إلى “جنون العظمة” الذي تضخم على إثره طموح الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، وعلى رأسها قطر والإمارات، واستعدادها لتجاوز الكثير من الحدود في سبيل ضمان بقاء أنظمتها، واستخدام طرق القوى الكبرى وأدواتها في السعي إلى أهدافهما على الساحة الدولية.
وبحسب “دروسي” ، تقدم قطر والإمارات نفسيهما للعالم باعتبارهما مركزين إقليميين وعالميين يشيدان مجتمعات معرفية في القرن الـ21 فوق أنظمة مستبدة قائمة على القبلية، يستهدف تعليمها إكساب المواطنين مهارات تسويقية تمكنهم من التفاعل مع العالم عوضًا عن تنمية مهارات التفكير النقدي. وهما تسعيان إلى بناء قوةٍ ناعمة إقليميًا وعالميًا وصناعة هوية وطنية بطرقٍ متشابهة، تتضمَّن القواعد العسكرية الأجنبية وشركات الطيران العالمية والاستثمارات الضخمة في الشركات الكبرى والعقارات والفنون والرياضة، بهدف أن تصبحا مراكز للتفوق في مجالات عدة.
ويضيف دورسي:”لكن التشابه بين الإمارات وقطر ينتهي هنا، وتتفرع مواقفهما إلى تركة سياسية تجعل النزاع بين الطرفين محتومًا. ذلك لأن الإمارات ترى الأنظمة المستبدة عنصرًا أساسيًا من عناصر الأمن الإقليمي في المنطقة وبقاء نظامها الاستبدادي. نتيجة لذلك، دعمت الإمارات بقوة تغيير الأنظمة في عددٍ من الدول، على رأسها مصر وليبيا، ودعمت الثوار المناهضين للحكومة في ليبيا، وانضمت إلى حملة التدخل العسكري في اليمن بقيادة السعودية، وتقود الآن محاولات فرض الحصار على قطر ومقاطعتها.
سعت قطر، في المقابل، إلى دور الوساطة الإقليمية عبر الحفاظ على علاقاتها قائمة بالكثير من الدول والجماعات الإسلامية والمسلحة والثورية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واحتضنت انتفاضات الربيع العربي شعبيًا، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين التي برزت إلى السطح باعتبارها القوة السياسية الأكثر تنظيمًا من بين باقي القوى، اعتقادًا منها في إمكانية تشجيع التحول السياسي في المنطقة بأسرها دون وصول رياح التغيير إلى شواطئ قطر نفسها”.
ويرى دورسي بأن المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية لقطر جاءت بهدف «تلجيم» الدولة الخليجية المارقة، مضيفاً أن “غياب علماء الدين عن الساحة القطرية يعكس ازدواجية في نظرة حكام قطر إلى الوهابية: من ناحية هي أداة تُمِدّ حكم عائلة آل ثانٍ بالشرعية، ومن ناحية أخرى قد تمثِّل الوهابية أداة فعالة في يد السعودية تستخدمها في ترسيخ سيطرتها على قطر. لذا سعت قطر إلى توليد طبقة دينية خاصة بها بعيدًا عن الاستعانة برجال الدين السعوديين، وبعيدًا عن اقتسام السلطات معها. فقطر مثلًا ليس بها مُفتٍ أكبر مثل السعودية ومصر وعدد من الدول العربية، وتكتفي بوزارةٍ للشؤون الإسلامية والأوقاف أنشأتها بعد 22 عامًا من استقلالها”.
ويؤكد “جيمس دورسي” بان قطر والامارات انخطرتا ،في حربٍ خفية منذ 2011 شملت استثماراتٍ ضخمة في شركات العلاقات العامة والضغط السياسي، وتأسيس شبكة من المنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الإنسان الزائف المعتمدة من الأمم المتحدة.
ينتهي جيمس إلى أن مطالب التحالف المواجه لقطر تضمنت إعادة تشكيل السياسات وتقويض السيادة الوطنية التي تفرضها عادةً القوى المحتلة على البلد المغتصب. وفي حالة نجاح هذه القوى في فرض مطالبها فإن هذا سيشكل سابقة دولية لدولٍ مثل روسيا والصين تسعى لفرض هيمنة مماثلة في مناطق نفوذها. وان استمرار عجز السعودية والإمارات عن اجتذاب الدعم العالمي والإقليمي لحملتهما ضد قطر يُشير إلى أن الخيارات أمام أبو ظبي والرياض قد انحصرت إلى التفاوض على طريقٍ خارج الأزمة ينقذ ماء وجه الدولتين، أو تضييق الخناق اقتصاديًا أكثر وأكثر على قطر، أو محاولة هندسة تغيير النظام داخل الدوحة.
وأيًا تكن النهاية التي ستشهدها الأزمة، فإن كثيرًا من الدول الصغيرة تراقب الآن، إذ إن هذه النهاية ستكون لها تبعاتها على الضوابط المؤسسة للعلاقات الدولية مستقبلًا. خاصة بالنسبة لدول بحر الصين الجنوبي.