أخفقت الحملة الجديدة للقوات العسكرية الإماراتية والقوى اليمنية الملتحقة بها على مدينة الحديدة. كان قد أعلن عن الهجوم الجديد بداية الأسبوع الماضي، عبر وكالة الأنباء الإماراتية.
تبع ذلك تصريح لمستشار ولي عهد الإمارات عبد الخالق محمود، حدّد فيه حجم القوات التي يتشكّل منها الهجوم بعشرين ألف مقاتل (ستة ألوية «عمالقة»، ستة ألوية تابعة لطارق عفاش، كتيبة إماراتية، كتيبة سودانية).
ترافق ذلك مع تعيين قائد إماراتي جديد لجبهة الساحل الغربي هو علي الطنيجي، الذي كشف في مقابلة مع وكالة الأنباء الإماراتية عن خطط عسكرية استراتيجية مفاجئة لا تتوقعها قوات صنعاء، مشيراً إلى أن قواته والقوات الملتحقة بها عُزّزت هذه المرّة بتسليح متطوّر ومتكامل استعداداً للسيطرة على المدينة.
وكان الإعلام والمسؤولون الإماراتيون برّروا استئناف العلميات العسكرية بالردّ على ما رأوا أنه «امتناع» وفد صنعاء التفاوضي عن الحضور إلى مشاورات جنيف بداية الشهر الجاري، قاصدين بذلك إخضاع حركة «أنصار الله» وإجبارها على تسوية تتطابق والأهداف الخليجية. اللافت هذه المرّة، أن الإعلان عن بدء الهجوم يوم الاثنين الماضي اقتصر على الجانب الإماراتي وأتباعه من القوى الجنوبية اليمنية.
إذ أعلن رئيس ما يسمّى «المجلس الانتقالي الجنوبي» عيدروس الزبيدي، أن الهجوم على الحديدة لن يتوقف إلا بسقوط المدينة. في المقابل، غابت ما تسمّى «الشرعية» (فريق حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي) عن مجريات الأحداث الأخيرة في الساحل، وعلى خلاف المرّات السابقة لم تعلن «الشرعية» عن بدء الهجوم أو المشاركة فيه، في انعكاس واضح للخلاف بين دولة الإمارات وفريق هادي.
في إطار ذلك، جاء تصريح لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في الساعات الأولى للهجوم، أعلن فيه أن قوّاته تحقّق في عمليات الحديدة الحالية أهدافها بنجاح ومعنويات، عازياً الهجوم الجديد إلى غياب «أنصار الله» عن مشاورات جنيف، ومتوعّداً بتدفيعهم ثمناً باهظاً في الميدان. وأكد قرقاش أنه لا يزال على قناعة بأن مفتاح الحل في اليمن هو ما سمّاه «تحرير» الحديدة. باستثناء تصريح قرقاش اليتيم، لم تواكَب العمليات العسكرية بحملة إعلامية ودعائية، وخفت الصخب والضجيج الإعلامي وادعاء الانتصارات الوهمية كما جرت العادة.
يبدو أن إدارة الحرب الإماراتية على اليمن (إضافة إلى ضمّها لقادة عسكريين هم ضباط أميركيون متعاقدون مع الجيش الإماراتي، تضمّ كذلك خبراء في الحرب النفسية من جنسيات غربية) أصحبت تدرك عدم نجاعة الحرب النفسية على المقاتل اليمني وفقدان تأثيرها في الأصل في البيئة الحاضنة لـ«أنصار الله» أو حلفائها.
بل إن الحملات الدعائية والحرب النفسية باتت لها ارتدادات عكسية على القوى الملتحقة بالقوات الإماراتية، لا سيما في المحافظات الجنوبية. وأدّى الفشل في الميادين كافة إلى أن تتجرّأ تلك المحافظات وتصف الخليجيين بالقوات الغازية والمحتلة وتحملها مسؤولية الفشل الاقتصادي والخدماتي والأمني. أمّا الصفعة المدوية لآلة الحرب الإماراتية، وكذلك للمنظومة الإعلامية والحرب النفسية، فقد جاءت من مدنية الحديدة نفسها.
إذ خرج عشرات الآلاف من المواطنين للتظاهر في شوارع المدينة بمناسبة ذكرى سيطرة «أنصار الله» على صنعاء في 21 أيلول / سبتمبر عام 2014. حجم التظاهرة الكبير نسبياً، يأتي في وقت يُلحظ فيه تنامي وعي الشعب اليمني بأطيافه كافة للأهداف الخليجية بالسيطرة على اليمن، وهذا الوعي يزداد رسوخاً مع الأيام، لا سيما أن الجميع يرى بأمّ العين النموذج البشع والمتوحّش في إدارة المدن التي تسيطر عليها القوات الإماراتية والسعودية، خصوصاً في مدينتي عدن وتعز.
وقد حرصت إدارة الحرب الإماراتية على التخفيف من المواكبة الإعلامية والسياسية خشية من أن يؤدّي فشل الهجوم العسكري إلى فضيحة إعلامية وسياسية إضافية، لا يحتمل صاحب القرار الإماراتي وقوعها في الظرف السياسي الحالي. فالخفوت الإعلامي، بعد الصخب، من دون نتائج في الميدان، سيظهر تعقيداً إضافياً على الدور الرئيسي للقوات الإماراتية في الحرب.
قوات تثبت الأحداث غرقها في مستنقع الرمال اليمنية من دون استراتيجية خروج من الحرب أو قدرة على تحقيق الانتصار. بدأ هجوم الحديدة بتأكيد الشخصيات الملتحقة بالإمارات (تصريح عيدروس الزبيدي) بأن الهجوم لن يتوقّف مهما علت الأصوات لإيقافه، خصوصاً ضغوط المجتمع الدولي في شأن تأثير الهجوم على الوضع الإنساني لسكّان الحديدة،
وكذلك الإمدادات الغذائية عبر ميناء المدينة الذي يغذّي 18 مليون مواطن يمني. لكن غابت أي إنجازات تذكر، بعد وقوع مقدّمة الهجوم التابعة لألوية «العمالقة» بين فكّي كماشة، بين منطقة الكيلو 7 والدريهمية على يد قوات حكومة الإنقاذ، وتعذّر التقدّم على بقية المحاور، إضافة إلى ذلك مبادرة «أنصار الله» بالهجوم على مدينة حيس وحصارها من ثلاث جهات. هكذا ليعود الحديث، كما في كل مرة، عن مبررات وذرائع الإخفاق، والذريعة الجاهزة هي ضغوط المجتمع الدولي في شأن تدهور الوضع الإنساني على الإمارات!