الصباح اليمني_مساحة حرة|
أثار الباحث والاستقصائي اليمني عبدالله بن عامر، في تحقيق تلفزيوني موضوع الهجمات الاسرائيلية على منطقة باب المندب المنطقة الاستراتيجية الواقعة في الجنوب الغربي لليمن.
وتكمن أهمية التحقيق التلفزيوني، بأنه أعاد الحديث عن الهجمات الاسرائيلية على اليمن، وتقصى أبعادها على المستوى المحلي والدولي، بوثائق أمنية يمنية حصل عليها، إضافة إلى إثارة هذا الموضوع في وقت تمتنع وسائل الاعلام المرئية التطرق له.
الاعتداء على باب المندب:
يبدأ التحقيق الاستقصائي التلفزيوني بتحديد تاريخ الاعتداء على باب المندب، وكانت البداية بتحليق مكثف طائرات حربية عام 1976م في المجال الجوي لمنطقة باب المندب ثم تنتهي بقصفها.
عقب الهجمات، دعا رئيس الجمهورية العربية اليمنية، إبراهيم الحمدي القوات المسلحة إلى لقاء عاجل، وانتهى باستنفار عسكري في باب المندب وإغلاق الجال الجوي واعتبار أي طائرة تمر فهي في دائرة الاستهداف ما لم تأخذ إذن قبل ذلك.
وأعلن الحمدي في تصريحات صحفيه حينها عن تعرض الاجواء اليمنية للاختراق، واعتبر أن اليمن تحتفظ بحق الدفاع عن أراضيها، لكنه لم يفصح عن الجهة التي كانت تقف وراء ذلك الاعتداء، مع وعده بكشف هوية المتعدين.
من يقف وراء الهجمات الجوية؟
قبل أن يتوصل للنتيجة، وضع الاستقصائي عبدالله بن عامر، ثلاث فرضيات عن الجهة التي تقف وراء الهجمات:
أولاً- احتمال أن تكون السلطات في الشطر الجنوبي هي من نفذت الهجمات نتيجة لما كانت تشوب العلاقات بين الشطرين من توتر وصراع، على الرغم من توقفها عقب صعود الحمدي للسلطة.
ثانياً- أن تكون فرنسا استغلت وجودها في جيبوتي في قصف الاراضي اليمنية نتيجة لما كانت تؤديه حماية للملاحة الاسرائيلية في باب المندب، إضافة لدعم اليمن لحركة الاستقلاب في جيبوتي.
ثالثاً-يضع التحقيق فرضية قيام أمريكا في استهداف باب المندب، ويدعم ذلك خروجها من أثيوبيا جراء الانقلاب على النظام ومن أجل استمرار تواجدها في المنطقة رأت أن اليمن البديل المناسب، إلا أن السلطات اليمنية في صنعاء رفضت أي قواعد عسكرية أمريكا في باب المندب.
رابعاً- طرف يحظى بدعم فرنسا وأمريكا ويعتبر أن ساحل البحر الأحمر لليمن ضمن مجالها الحيوي وهذا الطرف هو إسرائيل، ولقد كانت هي من نفذت الاعتداء.
وقدم التحقيق الاستقصائي، رواية للرئيس الحمدي عند زيارته للصين، يُعلن فيها بشكل رسمي قيام اسرائيل بالاعتداء على باب المندب.
يقول الحمدي:” نحن نعمل في بناء جيش وطني ليكون قوة رادعة في للدافع عن البلاد والمساهمة في المعركة القومية ضد العدو الصهيوني الذي ما يزال يحتل الاراضي الفلسطينية بتشجيع من القوى الاستعمارية”. ثم يؤكد بقوله:” ولقد تعرضت اجواؤنا لانتهاكات صهيونية”.
لماذا إذن، تقصف إسرائيل باب المندب؟
توجه مُعد التحقيق، إلى إرشيف الصحافة اليمنية لمعرفة الأسباب التي دفعت إسرائيل لقصف باب المندب.
عثر على أعداد من صحيفة 13 يوليو وهي صحيفة أطلقها الرئيس الحمدي أثناء فترة حكمه، وحصل على خطاب للصحيفة تسرد أهمية باب المندب ودوره في حرب اكتوبر عام 1973م بين مصر وسوريا من جهة واسرائيل من جهة أخرى.
تقول الصحيفة:” المتتبع لتصريحات الكيان الصهيوني يبين مدى الاهتمام الذي يبذل لتواجده في البحر الاحمر، حتى لا يتعرض للحصار مرة أخرى”.
وكانت الجمهورية العربية اليمنية قد اغلقت باب المندب ضمن إجراءات الحرب العربية مع اسرائيل في 1973م، وهو ما يبدو أن الهجمات على الاراضي اليمنية تبدو رداً على ذلك الحصار الذي فرضته اليمن على اسرائيل عبر باب المندب.
وبالنظر إلى التقارير الاسرائيلية الحديثة، فإن حجم الواردات والصادرات الاسرائيلية عبر مضيق باب المندب بلغت 15.3 مليار دولار عام 2017، ما يجعله مهماً بالنسبة لاسرائيل قديماً وحديثاً.
يقول أحد الضباط المتحدثين، لقد كانت إسرائيل تريد التأكيد على هيمنتها على المجال الجوي على باب المندب.
غموض تعامل الرئيس السابق علي صالح مع الهجمات
في يناير 76 صدرت توجيهات من السلطة في صنعاء تعزيز الجيش في باب المندب ومنع التهريب الى اليمن وتعزيز حرس السواحل.
لكن ما علاقة الهجمات الاسرائيلية و علي عبدالله صالح وشبكات التهريب وتحركات الحمدي في تعزيز التواجد في باب المندب؟
حين قصفت الطائرات الاسرائيلية على باب المندب، كان حينها الرائد، على عبدالله صالح، قائد لواء تعز، الممتدة سلطتها إلى باب المندب.
في هذا الإطار، يحاول التحقيق، استقصاء موقف علي عبدالله صالح باعتباره كان مسؤلاً أمنياً عن الاراضي اليمنية المطلة على باب المندب وميناء المخا، فعثر على وثيقة فيها خطاب لعلي صالح عام 1976م.
يتضمن خطاب الوثيقة، عن وتحليق طيران حربي مرة أخرى وانتهك السيادة الجوية اليمنية، ولم يحدد هوية الدولة في مضمون الخطاب وتركها جهة مجهولة على الرغم أن السلطة قد اعلنت بشكل رسمي وقوف اسرائيل خلف الاعتداء الأول.
يتساءل هنا التحقيق، لماذا لم يصرح صالح بالجهة المنفذ؟
ثم يستعرض موقف الرائد علي صالح عقب صعوده السلطة بعد الرئيس الحمدي، فكشف عن تعميم أصدره صالح بعدم الحديث عن العدوان الاسرائيلي على اليمن.
يقدم أحد الضباط المتحدثين إلى التحقيق الاستقصائي تفسيراً لذلك، حيث يقول:” إن منطقة باب المندب كانت مفتوحة للتهريب ويديرها علي صالح، حين كان قائد لواء تعز، وأي مسؤول يتواجد في باب المندب فالغالب يكون له ارتباط مع الموساد الاسرائيلي، وقد تمكن الموساد من استقطابهم فأصبحوا تابعين لهم مباشرة”.
يسرد التحقيق، شهادة، الضابط، علي محمد صلاح نائب قائد لواء تعز كانت قد سجلها في مذكراته، حيث يقول:” انتشر تهريب الخمور والاسلحة وقطع الغيار من باب المندب القادمة من ارتيريا، وان كثير من القيادات التي عملت في تعز سواء كانت عسكرية، أو امنية او مدنية كان لهم دور في نشاط التهريب بطريقة مباشرة او غير مباشرة”.
ثم يصل نتيجة، أن القاسم المشترك بين اسرائيل وشبكات التهريب كانت لديهم مصلحة في غياب الدولة في هذه المنطقة.
ضغوط أمريكية لبناء قاعدة عسكرية في اليمن
في عام 1977م قررت أمريكا إنشاء قاعدة عسكرية في الساحل الغربي لليمن لتكون مطلة على مضيق باب المندب، فتقدمت بطلب إلى السلطة في اليمن فجاءها الرد من الرئيس الحمدي بالرفض.
أراد الامريكان إظهار أن القواعد العسكرية هي لحماية السواحل اليمنية إلا أن الحمدي قال:” إننا مستعدين للدفاع عن الاراضي اليمنية ولو تطلب ذلك استخدام الخناجر”.
دخلت السعودية في الخط لحث الحمدي على موافقة الطلب الأمريكي في بناء قاعدة عسكرية واذا كان محرج من الشعب فسيتم رفع العلم السعودي ولا يعرفون أنها قاعدة عسكرية، فرض مرة اخرى.
زادت الضغوطات الأمنية والسياسية الدولية على صنعاء، ورأى الحمدي أن التعجيل بالوحدة مع الشطر الجنوبي سيقف متماسكا للتصدي لهذه التحديات، وهو ما أكدته صحيفة الثورة حينها ونقل نصها التحقيق.
كثف الحمدي خلال عام 1977م تواصله برئيس الشطر الجنوب سالم ربيع علي، لتنفيذ الوحدة، وكان أبرز حدث دعوته في مؤتمر بمدينة الحديدة لتشكيل قوات عسكرية للدفاع عن باب المندب.
هذه التحركات المكثفة للحمدي رأى المعسكر الغربي أن نتائجها ظهور كيان يمني جديد وقوي فقرر التخلص من الحمدي، فاغتيل قبل يوم من سفره إلى عدن عام 1977م.
صعد علي عبدالله صالح إلى السلطة في الشمال، فعملت سلطته وفقا للتحقيق إلى تعطيل ميناء المخا ومنطقة ذو باب، وضعف حضور الدولة، واصبحت مناطق مفتوحة لنشاط التهريب، وتعرضت القوات البحرية لقصف بشكل دائم من قبل كبار المهربين.
اختراق
خلال فترة سلطة الرئيس علي عبدالله صالح، لم تحقق الاهداف التي كان يطمح لها الرئيس الحمدي، في بناء دولة متماسكة وذات سيادة على اجوائها وسواحلها واراضيها.
في هذا السياق، حصل معد التحقيق بن عامر، على تسجيلات لنائب الرئيس اليمنية حينها عبدربه منصور هادي، يتحدث عن اختراق اسرائيلي للأجواء اليمنية عام 2000م وقيامها بتشويش جميع الاتصالات المحلية.
يقول هادي:” قبل تفجير مدمرة الأمريكية كول، في سواحل عدن بيوم، أي في 11 اكتوبر 2000م مرت طائرة إسرائيلية جزيرة حنيش واغلقت علينا الرداد والاتصالات وعملت تشويش لمدة 15 دقيقة، انقطعت الاتصالات تماما، وبعد نصف ساعة عادة الطائرة وعملت تشويش مرة أخرى”.
ويبدو أن التحقيق الاستقصائي التلفزيوني في نهايته، يريد في نهايته التوصل إلى حقيقة وجود أطماع أمريكية إسرائيلية على للساحل الغربي اليمني، هذه الأطماع قديمة حديثة وتجد على الأرض من يعمل لصالحهما.
قوة التحقيق
يكمن القصور في هذا الاستقصاء، في عدم الوصول إلى المصادر الأساسية المعنية بشكل مباشرة وغير مباشرة بالفكرة، من المسؤولين اليمنيين، مثل الحمدي وعلي صالح، أو من هو قريب من سلطة الحمدي، لكن هذا يعود فيما يبدو إلى رفض أحد المصادر الأولية الأساسية الحديث مثل علي عبدالله صالح، كما وضح معد التحقيق بن عامر أن صالح رفض الإدلاء بأي تصريح.
وفيما يتعلق بالإطار الفني، فقدان المشاهد الخام لحادثة الاعتداء أو المكان الذي تعرض للقصف، وهذا ربما يعود لضعف إمكانات الدولة اليمنية حينها، عكس سلباً على الاهتمام بأرشفة أثار الهجوم بمشاهدات حقيقية، لمكان الاعتداء وما نتج عنه من أضرار عبر توثيقها بكامرات لتكون شاهدة على حدث مهم كهذا.
لكن التحقيق، بشكل عام تمكنت قوته بأنه كشف عن تفاصيل غامضة تتعلق بالعدوان الاسرائيلي على الاراضي اليمنية، والحصول على وثائق حصرية، وإظهارها إلى الرأي العام، على الرغم من التكتم عليها خلال 40 عاماً، ما يجعله يتمكن من استكمال أركان التحقيق الاستقصائي التلفزيوني.
المصدر: عرب جورنال