الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
تعيش طلحة محمد، البالغة من العمر 64 عاما، في منطقة المصعبين بمدينة عدن جنوب اليمن. وتعمل على تربية الإبل منذ نعومة أظافرها. وفي عمرها الحالي تعمل مع أبنائها وأحفادها على تربية الإبل أيضاً، وتتقاسم الرغيف الذي تشتريه من المخبز أحياناً، مع إبلها، وتعتبر ذلك من ضمن الطقوس الخاصة بتربيتها.
تربية الإبل
وتقول طلحة محمد في حديث لـ«العربي»: «أعرف نفسي وأنا في المصعبين مع والديّ، اللذين كانا يعتنيان بالإبل ويعلمانني كيف أتعامل معها»، مضيفة «كلنا في عائلتي نحب الإبل، الأولاد الصغار دائماً يجلسون عند الإبل، ونحن نستغل حبهم للإبل ونعلمهم الطقوس الخاصة بتربيتها وكيفية حلبها وإطعامها».
تطعم طلحة الإبل كل يوم 3 مرات، وتسعى جاهدة إلى تغيير الطعام في كل وجبة وأخرى حتى لا تمل الإبل من الطعام. وتقول طلحة في حديثها إن «الاهتمام بطعام الإبل مهم جدا بالنسبة لنا. نطعم الإبل في الصباح الرغيف أو الخبز وفي الظهر نطعمهم من الشجر الأخضر وفي العشاء نطعمهم من الشجر اليابس، ونخالف ذلك بين كل يوم وآخر».
معاناة الأهالي
يعاني سكان منطقة المصعبين بمدينة عدن، ومربي الإبل على وجه الخصوص، من الرصاص الذي يطلق عشوائياً، ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والبناء العشوائي الذي بدوره يقضي على المساحات الفارغة التي يتخذها مربوا الإبل مراعي لهم.
فهمان نجيب البالغ من العمر 43 عاماً يقول في حديث لـ«العربي» إن «الرصاص الراجع قتل الكثير من الإبل، يتساقط الرصاص يومياً على المنطقة خاصة في مواسم الأعراس، هناك ناقة لا تزال الرصاصة تقطن في جسدها».
ويؤكد صالح المصعبي أن «ثلاث إبل تابعة له قُتلن بسبب الرصاص الراجع، بينهن واحد ذكر». ويتابع المصعبي: «لا أعلم من سيعوضني! أدخل منزلي أنام في الليل أقوم في الصباح والناقة قد فارقت الحياة وهكذا يوميًا».
وحمّل صالح الجهات المختصة كل ما حدث لإبله، مطالباً الجهات الحكومية والمختصة بتعويضه، وإيقاف إطلاق الأعيرة النارية صوب المنطقة.
الاستفادة من الإبل وحليبها
وتستفيد الأسر التي تربي الإبل منذ زمن بعيد، من تربية الإبل، بشرب الحليب وبيعه، وبعض أبناء الإبل الصغار الذي يسمونه بـ«الجحشور». ويصل سعر اللتر الواحد من حليب الإبل إلى 700 ريال يمني، ويتوافد إلى منطقة المصعبين في الصباح الباكر، بعض سكان مدينة عدن وبعض كبار السن، لشرائه.
ناصر علي البالغ من العمر 53 عاماً، الذي يعاني من كسر في يده، يأتي إلى منطقة المصعبين منذ أسبوع يومياً، لشرب حليب الإبل. ويقول للعربي: «نصحني الطبيب بشرب حليب الإبل في كل صباح؛ لأنه يساعد على التحام الكسر الموجود في يدي. ومن اليوم الذي بدأت فيه أشرب الحليب تحسنت يدي وخف الألم، وأشعر بأنه تتحسن يوماً بعد آخر».
شرب حليب الإبل يكسب الجسم عدداً من الفوائد ومن ضمنها: يشكل علاجاً لعدد من الأمراض، كالصفار الناتج عن أمراض الكبد، وأمراض الرشح أو الإنفلونزا، فضلاً عن مرض السل. ويعالج مشكلة هشاشة العظام، ويعمل على تقويتها، بالإضافة إلى مشكلة الكساح عند الأطفال. ويعدّ علاجاً فعالاً لمشكلة فقر الدم واضطرابات الجهاز الهضمي، وأهمّها مشكلة الإمساك. ويعمل على معالجة التهابات الشعب التنفسية، وأمراض التفس، وخاصة الربو. يعالج مشاكل المعدة والقولون والأمعاء والطحال، ويقضي على الالتهابات فيها إن وجدت. ويعمل على تنظيم ضربات القلب. ويقلّل من مستويات السكر في الدم، ولذلك ينصح مرضى السكري بجعل حليب الإبل جزءاً من نظامهم الغذائيّ. يخفّف حليب الإبل من آلام البواسير، ويقضي عليها على المدى الطويل. ويقلّل من ضغط الدم المرتفع.
شائعات
انتشرت شائعات كثيرة عن سلبيات حليب الإبل، الأمر الذي دفع الجيل الحالي إلى عدم شربه، ومن من ضمن الشائعات أن جسم متعاطي حليب الإبل لا يقبل التخدير عند دخوله غرفة العمليات.
وفيما يقول أحد الشبان «للعربي» إنه «لا يعرف عنه شيئا لكنه يسمع بعض الشباب يقولون بأن الشخص الذي يتناول حليب الإبل لا يقبل جسمه المخدر»، يؤكد الدكتور عبد الله محمد، في حديث لـ«العربي» أن «ضرر حليب الإبل يكمن على الإنسان بشكل عام في نقطة واحدة فقط، وهي أنّه يؤدّي إلى الإسهال وآلام في البطن، في حالة تمّ شربه مغليّاً، خاصّةً عند الأشخاص الذين يشربونه للمرّة الأولى، غير ذلك لا يوجد أيّ مضار أخرى».
لا تزال هذه المهنة القادمة من عبق التاريخ عبر حقب الزمن، تحتاج لاستمراريتها، إلى الكثير من الاهتمام والعناية بها لتكمل طريقها إلى مستقبل الأجيال اللاحقة، لتصطف في المناطق البعيدة عن الناظرين، في عالم آخر ليخلق لها كون منفرد بعيداً عن ضجيج المدن.
هارون محمد – العربي
خليك معنا