تبدو السعودية خياراً غير عادي لزيارة دونالد ترامب الخارجية الأولى كرئيس للولايات المتحدة، خصوصاً إذا ما استعيد سلوكه تجاهها خلال حملته الانتخابية.
في تلك الفترة، اشتكى المرشح الجمهوري من أن الولايات المتحدة تدفع نفقات باهظة مقابل دعمها للمملكة، ولا تحصل على شيء. وذهب إلى حدّ ربطها بهجمات 11 أيلول، عندما تساءل: «من فجّر مركز التجاري العالمي؟ لم يكونوا العراقيين، كانوا سعوديين، انظروا إلى السعودية».
ثمّ كتب في إحدى المرات على صفحته على موقع «فايسبوك»، أن «السعودية وعدداً من الدول التي تدفع مبالغ طائلة لمؤسسة كلينتون، تريد من النساء أن تكون عبدات، وتتطلّع لقتل المثليين جنسياً». ولكن قبل انتخابه أيضاً، أفصح ترامب بشكل غير مباشر عمّا يدور في ذهنه بشأن هذه الدولة، بل عمّا قد يكون أساس سلوكه نحوها كرئيس. وبنظرة أخرى على أحد التصريحات الذي أدلى به، يمكن استخلاص أن الرجل يتوجّه غداً إلى «أرض الكنوز».
في بداية حملته الانتخابية، أي في عام 2015، صرّح الملياردير الأميركي بأن «المملكة» لا تعوِّض بلاده بشكل مناسب لشراكتها الدبلوماسية. ودعاها إلى «مشاركة ثروتها الكبيرة مع الولايات المتحدة في مقابل التحالف بين الأمّتين». «يجنون ملايين الدولارات في اليوم»، قال لشبكة «إن بي سي»، مضيفاً أنهم «يجب أن يدفعوا لنا».
إذاً، «الثروة» حاضرة في ذهن ترامب؛ هو الذي بات من الواضح إتقانه «فن الابتزاز» في النهج الذي يتبعه مع الدول الأخرى، خصوصاً تلك التي تملك القدرة والسلطة والمال، ويبدو تعامله مع الصين مثالاً ماثلاً في هذه المعادلة. أما العنصر الداعم لهذه الفرضية سعودياً، فهو قوله، الشهر الماضي لوكالة «رويترز»، إن «السعودية لم تعاملنا بعدل، لأننا نخسر الكثير من الأموال في الدفاع عنها».
هذه الأخيرة ستمنحه الحصة التي يطلبها من «ثروتها»، ولكن ما الذي سيكون حاضراً في خِلدها في المقابل؟ لا يختلف اثنان على أن المطلب الأساسي الذي لا يفارق ذهن المملكة، هو «تحجيم النفوذ الإيراني». ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» أمس يلبي هذه الفكرة، فخلال الزيارة سيضع ترامب رؤيته لبناء هيكل أمني إقليمي جديد يطلق عليه مسؤولو البيت الأبيض «ناتو عربي»، إذ لن تكون مهمته «قيادة الحرب ضد داعش» فقط. أما النتيجة المباشرة للزيارة، التي تعدّ «حجر الزاوية» في خطط ترامب كافة، فهي «الصفقات المربحة»، وفي هذا المجال سيعلن عن «واحدة من أكبر صفقات بيع الأسلحة في التاريخ».
السعودية بدورها، تشدّقت وسعدت ورحّبت بهذه الزيارة، بل عدَّت الأيام والساعات والدقائق لانعقاد القمة التي دعت 55 مسؤولاً من دول عربية ومسلمة للمشاركة فيها. وأطلقت موقعاً إلكترونياً خاصاً بما وصفته بـ«الحدث التاريخي»، حيث تصدّر شعار «العزم يجمعنا» الصفحة، مع عدّ تنازلي لوصول ترامب إلى المملكة، مرفقاً بعبارة: «القمة العربية الإسلامية الأميركية ــ قمة تاريخية لغد مشرق».
تتحقّق بعد يومين اللحظة التي يحلم بها السعوديون، وتطأ قدما ترامب الرياض. وبغض النظر عن التصريحات التي قد يدلي بها من مطالبات بمحاربة «أيديولوجيا الإرهاب المتطرّف» وغيرها من الشعارات، يبقى «رجل الصفقات»، في نظر السعودية، مظلّة إسناد سياسي.
وفي انتظار «الغد المشرق»، تواصل الرياض «راضيةً» تأدية دورها الأساسي: خذوا أموالنا وابقوا معنا!