أخذ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يجهز عتاده السياسي ويستعد من خلال الاطلاع على البروتوكول المتبع قبل الانطلاق في جولة دولية ستحط رحالها يوم الجمعة في السعودية، بيد أنه برز بالفعل كلاعب ثانوي أو كطرف ثالث في صلب الصراع على السلطة الذي يدور بين اثنين من الأمراء السعوديين الذين يسعون لخلافة الملك سلمان.
في آذار/مارس الماضي، آثار ترامب قلق العديد من الأطراف في واشنطن التي تراقب عن كثب الساحة السياسية الملكية وعواصم الشرق الأوسط إثر عقد اجتماع في المكتب البيضاوي وغداء رسمي غير متوقع مع ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، المنافس الرئيسي لولي العهد الأمير محمد بن نايف على السلطة. وخلال هذا الشهر، وفي إطار سعيه لجذب انتباه إدارة ترامب، وقعت الوزارة التي يديرها ولي العهد الأمير، محمد بن نايف عقدا بقيمة 5.4 مليون دولار لمدة سنة واحدة مع شركة “أس بي غي”، وهي شركة تديرها جماعة ضغط في واشنطن لها صلة وثيقة مع فريق ترامب.
في الواقع، ستتكفل شركة أس بي غي وفقا للعقد المبرم معها بتقديم توصيات تتعلق بالعلاقات العامة والإعلام لفائدة وزارة الداخلية السعودية. وفي حين تحظى السعودية بجيش مدجج من جماعات الضغط مدفوعة الأجر، يدل عقد أس بي غي على رغبة وزارة الداخلية السعودية، للمرة الأولى منذ عقود، في توظيف شركة ضغط خاصة بها.
في الوقت الراهن، احتدم الصراع بين الأميرين؛ محمد بن سلمان و محمد بن نايف حول من سيخلف الملك، الذي يبلغ من العمر 81 سنة والذي يُعتقد بأن حالته الصحية قد أخذت تتدهور. ومن المرجح أن يؤثر هذا الصراع على السلطة بشكل كبير على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره. ومما لا شك فيه، سينعكس هذا الأمر سلبا على واشنطن، في الوقت الذي يكافح فيه ترامب لتعلم فنون الدبلوماسية. فلطالما اعتبر ترامب مملكة الأمراء الغنية بالنفط حليفا أساسيا في مجال مكافحة التطرف، على الرغم من أنه يصعب في بعض الأحيان التواصل معها بشكل بناء.
ومنذ توليه لمنصبه، تهرب ترامب من توجيه أي انتقاد للسعوديين، حيث أبرمت إدارته صفقة لبيع الأسلحة مع المملكة بقيمة 100 مليار دولار. كما أبدت واشنطن استعدادها لمواصلة دعم تدخل السعودية في اليمن على الرغم من تنامي المخاوف بشأن مسألة انتهاك حقوق الإنسان. وفي الأيام القليلة المقبلة، من المقرر أن يجتمع ترامب في الرياض مع الملك سلمان وكذلك مع كل من محمد بن نايف، ابن شقيق الملك وخليفته المباشر، ومحمد بن سلمان، ابن الملك وثاني شخص في ترتيب الخلافة.
من وجهة نظر بعض الخبراء الدوليين، ينبغي أن يحرص ترامب، الذي يحاول التملص من سلسلة الهفوات الدبلوماسية والمخابراتية التي ارتكبها، على غرار ما كشفته وسائل الإعلام في الأسبوع الفارط، عن قيامه بتسريب معلومات سرية للمسؤولين الروس، على الإذعان للبروتوكول الدبلوماسي فى الرياض حتى يتفادى إظهار انحيازه لأحد الأمراء.
وفي هذا الصدد، قال الخبير السعودي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، إن “أي مساعي لإظهار انحياز ترامب لأحد الأميرين ستعود على واشنطن بالضرر، نظرا لأن كل السعوديين، وحتى الأشخاص الذين يساندوننا، سيقولون “ما الذي يفعله؟ ولماذا يحاول التدخل في مسارنا السياسي، فهو ليس على دراية بأي شيء يخص نظامنا”.
من جانب آخر، أفاد كل من هندرسون وجوزيف ويستفول، الذي كان يشغل منصب سفير واشنطن لدى المملكة العربية السعودية في فترة حكم باراك أوباما إلى حدود كانون الثاني / يناير، أنه، وعلى مستوى الساحة السياسة الخارجية، تحوم العديد من التساؤلات حول ما إذا كان ترامب قد تجاوز هذا الخط الأحمر من خلال عقد مثل هذا الاجتماع البارز في البيت الأبيض مع محمد بن سلمان في شهر آذار/مارس.
وفي هذا الإطار، صرح ويستفول، قائلا: “لا أعتقد أن ترامب له نية مبيتة من وراء ذلك الاجتماع. ففي الحقيقة، لا يزال الرئيس الأمريكي جديدا على الساحة السياسية، لذلك، أظن أنه كان يحاول على الأرجح أن يرحب بولي ولي العهد بشكل لائق، لكنه أفرط في ذلك. وبالتالي، قد يعتقد السعوديون أن هناك خطة مختلفة تحاك هناك”.
في المقابل، أشار هندرسون إلى أن حلفاء محمد بن سلمان قد مهدوا الطريق لمثل هذا الاجتماع عن قصد. وفي هذا الصدد، صرح هندرسون “الاعتقاد السائد لدى معظم المراقبين، أن الملك كان يحاول دفع الناس للاعتراف بابنه المفضل على أنه وريثه، وهو ما أكده ترامب. بيد أن سياسة الخلافة السعودية أكثر تعقيدا من ذلك”. والجدير بالذكر أن السكرتير الصحفي في البيت الأبيض رفض التعليق على هذه المسألة.
في السنة الماضية، اجتمع أوباما في البيت الأبيض بمحمد بن سلمان. ولكن لقائه بالأمير السعودي لم يطغ عليه الطابع الشخصي، كما أنه قام في وقت سابق بمقابلة محمد بن نايف أيضا. وفي هذا الإطار، أورد ويستفول أن فريق أوباما كان حذرا جدا لكي “لا يظهر أي تحيز أو تفضيل” لأحد الأمراء على حساب الآخر.
على الرغم من أن الأميرين يعدان حليفين قويين لواشنطن، إلا أن لكل منهما شخصية مختلفة عن الآخر ومنهج وخلفية مختلفة، حيث يتمتع كلاهما بجملة من العيوب والمحاسن التي تميز كل أمير عن منافسه. في واقع الأمر، يدير محمد بن نايف البالغ من العمر 57 سنة، بصفته وزيرا للداخلية، قوات الأمن الداخلية السعودية. وقد أصبح ينظر إليه في واشنطن على اعتباره شريكا موثوقا به في إطار الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب على مدى أكثر من عقد من الزمان.
من جانب آخر، سعى محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 سنة، الذي يشغل منصب وزير الدفاع ورئيس مجلس التنمية الاقتصادية منذ سنة 2015، لترسيخ صورة “المصلح الجريء” في أذهان المواطنين. خلافا لذلك، كان الأمير محمد بن سلمان متسرعا للغاية في محاولة تحديث المملكة العربية السعودية. وفي هذا الإطار، بذل ولي ولي العهد قصارى جهده لترسيخ سياسة التقشف الاقتصادي (الذي تم التخلي عنه جزئيا). فضلا عن ذلك، عرف ولي ولي العهد بمناوراته التي ينظر إليها على أنها محاولة منه لتخطي الخليفة الشرعي للملك.
مؤخرا، اتخذ محمد بن سلمان جملة من الخطوات المدروسة وغاية في الدقة في الرياض وواشنطن. علاوة على ذلك، تم تعيين العديد من حلفاء محمد بن سلمان مؤخرا في مناصب حساسة، بما في ذلك شقيقه الأصغر الأمير خالد بن سلمان، الذي أصبح يشغل منصب سفير السعودية في واشنطن منذ أواخر الشهر الماضي . وفي مقابلة رفيعة المستوى مع صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي، أشاد محمد بن سلمان بترامب، حيث صرح أنه “الرئيس الذي سيعيد الولايات المتحدة إلى المسار الصحيح”، خاصة في ظل تأزم العلاقات بين البلدين بسبب الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه أوباما مع إيران.
على النقيض من ذلك، كان محمد بن نايف، الذي نجا من محاولة اغتيال في سنة 2009 أثناء محاولته تأمين تسليم زعيم من تنظيم القاعدة، ودائرته أقل وضوحا فيما يتعلق بمواقفهم تجاه ترامب. ومن هذا المنطلق، يعد قراره بإبرام عقد مع شركة “أس بي غي” (سونوران بوليسي غروب) خطوة كبيرة.
والجدير بالذكر، أن السفارة السعودية قد رفضت التعليق على موضوع إبرام الأمير السعودي لهذا العقد. في المقابل، أصدرت شركة “أس بي غي” بيانا تشيد فيه بالأمير محمد بن نايف وعمله في وزارة الداخلية. كما أوردت أنه “قوة معتدلة” في منطقة تتعرض بشكل متزايد لهجوم من قبل عناصر متطرفة. فضلا عن ذلك، ذَكَرَت المجموعة من خلال هذا البيان بالأهمية الحيوية للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.
ومن المثير للاهتمام أن شركة “أس بي غي” تعتبر من بين الشركات المحدودة التي تربطها علاقات مع ترامب. وقد تصدرت المشهد هذه السنة على مسرح جماعات الضغط في واشنطن، الذي كان يسيطر عليه لاعبون أكثر استقرارا والذين أرسوا علاقات وثيقة مع جميع الأطراف في السعودية. وقد استأجرت مجموعة “أس بي غي” في الأشهر الأخيرة، العديد من الشخصيات السياسية والاستخباراتية، علما وأن بعضهم على علاقة مباشرة بعالم ترامب. وقد كان من بينهم، روبن تاونلي الذي عمل لفترة وجيزة في منصب مدير مجلس الأمن القومي في أفريقيا تحت إدارة ترامب.
عموما، عمل حلفاء محمد بن سلمان مع الشركات التي تديرها جماعات الضغط الأكثر رسوخا، بما في ذلك مجموعة بوديستا “وبي غي أر”، التي ساهمت في التجهيز لوجبة خاصة في واشنطن لجنرال سعودي متورط في الهجمات التي تشنها السعودية على اليمن والتي تديرها عليها وزارة محمد بن سلمان.
من جهة أخرى، يستجب ممثلو مجموعة بوديستا وبي غي أر لأي طلب للحديث عن حقيقة عملهم ولكن، ووفقا لإيداعات وزارة العدل، تخصص هيئة حكومية سعودية تدعى “مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في المحكمة الملكية السعودية” سنويا مبلغا قيمته حوالي 2.2 مليون دولار وذلك للحفاظ على شراكتها مع هاتين الشركتين. علاوة على ذلك، أبرمت السعودية عقدا تجاوزت قيمته سقف 1.2 مليون دولار مع شركة “سكوير باتون بوجز”.
في الأشهر القليلة الماضية، قامت أكثر من 10 شركات في واشنطن بأعمال لصالح هيئات حكومية سعودية مختلفة. وعلى ضوء هذه المعطيات، أصبحت المملكة العربية السعودية من أكثر الحكومات الأجنبية التي تنفق في قلب “شارع كاي”، الذي يعد مركز الشركات التي تديرها جماعات الضغط. وفي السنة الماضية، أنفق السعوديون معدل 250 ألف دولار شهريا في محاولة منهم لإلغاء التشريع الذي يسمح لضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل. وعلى الرغم من الضغوط التي فرضتها اللوبيات على الكونغرس، إلا أن أعضاء الكونغرس أقروا مشروع القانون متجاهلين بذلك فيتو أوباما.
وفي هذا الصدد، قال ويستفول، السفير الأمريكي السابق، أن شراكة محمد بن نايف مع شركة أس بي غي، قد تكون على الأرجح محاولة منه للحفاظ على علاقة بلاده المتينة والقوية بالولايات المتحدة في عهد ترامب. وأضاف ويستفول “جزء من التقرب من إدارة ترامب يكمن في معرفة كيفية التعامل مع الإدارة الجديدة التي تختلف كثيرا عن الإدارة السابقة. أعتقد أن محمد بن نايف كان قلقا إزاء تحول سياسة الولايات المتحدة تجاه بلاده، فقد صرح في إحدى المناسبات “من المهم مواصلة تدعيم العلاقات بين البلدين نظرا للأحداث التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط، وآمل أن تكون الإدارة المقبلة مستعدة للقيام بذلك”.