بقلم:ناصر قنديل|
بعيداً عن الاصطفاف السياسي في محاور المواجهة الدائرة في المنطقة والعالم يمكن التوقف أمام ما جرى في قمة الرياض بقدر من التوصيف والتحليل لاستكشاف الجديد الذي حمله المؤتمر المنعقد في الرياض تحت عنوان شراكة أميركية إسلامية عربية، واستكشاف مدى تطابق المعلن من الأهداف مع ما تكشفه المواقف المتضمّنة فيه للقيّمين على هذا المهرجان الحاشد، وتالياً تقييم ما أراده منه صاحباه السعودي والأميركي بناء على الأجوبة الرئيسية التي تستدعيها الأسئلة الرئيسية.
– لا يمكن لأحد في ظلّ المواقف المعروفة للأطراف والأهداف المتوقعة من المؤتمر ومع الحروب الدائرة في المنطقة أن يتوقع تصدّر القضية الفلسطينية وسبل حلها كقضية مركزية للعرب والمسلمين في لقاء قمة مع الدولة التي تشكل المصدر الأول للتمويل والسلاح والحماية الدبلوماسية لـ«إسرائيل». فهذا زمن أحلام مضى، كما لا يمكن لأحد أن يتوقع أن لا يشكل التنديد بإيران وحزب الله واحداً من أبرز محاور هذا المؤتمر، لأسباب منفردة تخصّ كلاً من الراعيين الأميركي والسعودي، ولأسباب أخرى تجمعهما.
– الجديد هو الانتقال من التنديد بإيران بصفتها دولة يجري تحميلها مسؤولية رعاية أطراف محلية في دول الخليج، واعتباره تدخلاً في الشؤون الداخلية لهذه الدول، واتهام حزب الله من هذه الزاوية بصفته حليف إيران الذي يتولى الجزء الرئيسي من هذه المهمة نيابة عنها، والذهاب لتوصيف ذلك بالإرهاب كتعبير عن التصعيد السياسي التفاوضي، إلى مرحلة جديدة يصير فيها عنوان الحرب على الإرهاب مختصاً بإيران كهدف رئيسي، وبداعش كهدف ثانوي، ويصير حزب الله وحركة حماس مثيلين لداعش، وتُستثنى جبهة النصرة ويُستثنى تنظيم القاعدة من اللائحة التي لا يمكن ورودها سهواً هكذا في خطاب كلّ من الملك السعودي والرئيس الأميركي.
– وفقاً للخطابَيْن الجديدين هو أنّ المقاربة لم تعد تجري من باب اعتبار الحرب على داعش أولوية كما ورد في الخطاب الانتخابي للرئيس الأميركي، لكن الاعتراض هو على توسّع النفوذ لكلّ من إيران وحزب الله تحت لواء هذه الحرب، والتلاقي مع «إسرائيل» يتمّ من زاوية العمل للحدّ من هذين النفوذين منفردين ومجتمعين، بل صارت كلّ حرب على داعش لا تتلازم مع حرب على النفوذ الإيراني واستطراداً ليس على حزب الله وحده، بل على حركات المقاومة هي حرب خاطئة، وهذا هو بالضبط المفهوم «الإسرائيلي».
– لم يعد النظر للقضية الفلسطينية والاستقطاب المذهبي كعنصرين حاسمين في تغذية الإرهاب بالبيئة الحاضنة، واعتبار التصدّي للمهمّتين، حلّ القضية الفلسطينية وتجفيف مناخ الفتن المذهبية، شرطاً ملازماً لقياس الجدية في الحرب على الإرهاب، بل صار التخلص من القضية الفلسطينية كعبء يؤخر التحالف مع «إسرائيل»، وتفجير الحروب والفتن المذهبية كمصدر للتعبئة ضدّ إيران وحزب الله، شرطين مطلوبين بمفهوم الحرب الجديدة.
– بدلاً من تعزيز القوة لوضع تفاوضي مع إيران من باب الحاجة لمنع الفتن وتجفيف البيئة المساندة لداعش والقاعدة بادّعاء الدفاع عن مذهب بوجه مذهب، يصير مفهوماً كلام ولي ولي العهد السعودي عن ربط الصراع مع إيران بقضية ظهور الإمام المهدي كحرب مع المذهب الذي يجرّب سحق وحرق مريديه في القطيف والعوامية، حتى لو صارت القاعدة وداعش ميليشيات النظام بوجه بعض من شعبه.
– هل يعني هذا أنّ الأميركي يريد حرباً على إيران؟ بالتأكيد هو لا يريدها، لكنه فرح لغرق الخليج في أتون وهجها، فالخليج المذعور هو البقرة الحلوب التي تحدّث عنها دونالد ترامب في حملته الانتخابية وها هو يحلبها بخمسمئة مليار دولار ستسبّب إفلاس المملكة، وبالخليج المستنفر مذهبياً وخطر الفتن الداهم تتقوّى أوراق واشنطن التفاوضية مع إيران، ويجري إبعاد الرياض عن ساحات الانخراط مع طهران كحال سورية والعراق، مع الاكتفاء بالترحيب بعرض السعودية تشكيل قوة احتياط للتدخل فيهما، مرفقة بمرتجع مع الشكر.
– إفلاس السعودية لا يزعج واشنطن، والخمسمئة مليار الموعودة لعشر سنوات تعادل وسطياً خمسين مليار دولار سنوياً أيّ زيادة أرقام الموازنة لعام 2017 من 236 الى 286 مليار دولار ورفع العجز من 53 الى 103 مليارات دولار أيّ من نسبة 23 إلى 32 ورفع الدين من 83 مليار دولار إلى 133 مليار دولار، وتدريجاً بإضافة سنوية تجعله يصل إلى 800 مليار نهاية السنوات العشرة أيّ ما يعادل 100 من الناتج الوطني الإجمالي المتوقع وهو الإفلاس عينه.
– ثمة طريقة لتأمين المبلغ السنوي للخمسين مليار دولار لصفقات سلمان ترامب تتصل بالتدخل في سوق النفط، والمشكلة هي علاقة كمية الإنتاج بالسعر، فزيادة كمية ثلاثة ملايين برميل يومياً على الإنتاج السعودي فوق الملايين العشرة الحالية، يعني هبوط سعر البرميل إلى خمسين دولاراً، وربما أقلّ، فتغطي قيمة الملايين الثلاثة الإضافية مبلغ الخمسين مليار المطلوبة، على سعر الخمسين دولاراً للبرميل، لكن عائد الملايين العشرة يصير أقلّ بخسمين مليار دولار من المقدّر على السعر الحالي ايّ السبعين دولار للبرميل، والسعي لرفع السعر إلى مئة دولار للبرميل يستدعي تخفيض الكمية إلى ستة ملايين ونصف مليون برميل يومياً، ويصير المليون ونصف المليون برميل مصدر دخل كافٍ لتوفير الخمسين مليار دولار سنوياً، لكن الملايين الخمسة الباقية تصير قيمتها أقلّ بخمسين مليار دولار سنوياً عن المقدّر للسنة الحالية.
– اقترح بعض السعوديين حسم الأميركيين للقسط السنوي السعودي من الودائع المجمّدة في أميركا وكان الجواب الأميركي أنّ الودائع مجمّدة بقرار قضائي ويمكن اعتبارها ضماناً للسداد فقط.
– الإفلاس السعودي والغرق بالفتن والحرب الأهلية، ورفع منسوب التوتر مع إيران، ورمي الرياض في الحضن «الإسرائيلي» نهائياً لمهمة وظيفية ترتبط بالقلق «الإسرائيلي» من المتغيّرات السورية، هي أهداف أميركية تتزامن مع الحصول على كلّ المال ولإنعاش الاقتصاد الأميركي الراكد، وبيع المصانع التي انتهت فعاليتها الأميركية كما السلاح الأميركي الذي لا يزعج «إسرائيل»، ليكون ما قاله المحافظون الجدد عن السعودية كجائزة ترضية لحروبهم في آسيا سقفاً مستمراً لسنوات مقبلة. خليك معنا