على الأرجح أن التهديد بتدويل الحج وأماكن المشاعر المقدسة ليست أبداً قضية عابرة ولا يمكن تداولها في هامش صراع المحاور الإقليمية ، هي المرة الأولى التي تأتي من منظور مختلف باعتبارها رسالة شديدة التأثير والحساسية ، وتطور خطير له علاقة بالمنتصر والمهزوم في الصراع الخليجي وصراع الشرق الأوسط الذي ينتقل من التمركز العربي إلى منطقة عربية تركية إيرانية.
واضح أن الخوض في تدويل الحج هذه المرة قد خرج من دائرة التلويح أو مجرد الرؤية النقدية لأداء المملكة العربية السعودية ومدى أهليتها في الإشراف على المناسك وإدارتها للأماكن والمشاعر المقدسة ، وانتقل إلى دائرة التهديد التي تأخذ شكلاً من أشكال تداعيات المواجهة والتصعيد على إثر أزمة خليجية كسرت كل المحرمات وانتهك كل طرف الخطوط الحمراء نكاية في خصومه أو هكذا يمارس أخطاءه الاستراتيجية لتحويلها إلى آلة انتقامية، ما يُعد بنظر نخبة المراقبون أنه التحول الاكثر خطورة في الصراع القائم الذي يضرب استقرار المنطقة ! فمن المحتمل أن يقود هذا الأمر إلى تعقيد المخاطر وتفاقم العواقب على جميع دول المنطقة.
يرى بعض المراقبون أن حظر القطريون من الحج هذا العام يأتي بمثابة بند جديد من العقوبات السعودية الغير معلنة ، وحتى الآن بات شبه مؤكد أن الحجاج القطريون والمقيمون في الدوحة لن يحصلوا على ضمانات سعودية لسلامتهم ، ما يعني أنه لا يمكن لهم المجازفة والقدوم للحج عبر ترانزيت تحدده العربية السعودية بمعرفتها وعبر خطوط لا تمتلكها الجوية القطرية، وعلى هؤلاء أن يتجاوزوا اشتراطاتها التعجيزية ليصلوا إلى جدة أولاً ثم يبدؤا مناسكهم من هناك، ما يجعلها تبدوا إجراءات ليست بعيدة عن السياسة ، ولا علاقة لها أيضاً بأمن المناسك والاحترازات التي يتم اتخاذها لتأمين الحجيج .
مثلما أن قطر لن تتحدث عن خلفيات ماترمي إليه ، أو عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء مطالبها بفصل الحرمين “مكة والمدينة” عن السياسة ، فإن السعودية هي الأخرى لن تتحدث عن الأسباب الحقيقية وراء تعثر السوريون من أداء فريضة الحج للموسم الخامس على التوالي ، وأنه على المدى المنظور لن تتخلى السعودية عن نهجها الحالي ، لتبدأ بمداوات الجروح الإيدلوجية والعسكرية والسياسية لديها ولدى أشقائها العرب والمسلمون ، باعتبار أن الكثيرون يرون أن سياسات الرياض تتناقض مع مركزيتها الدينية في المنطقة.
الخوف الذي يطال النظام السعودي هو لا يمثل مكة ، وإن كان تدويل الحج والمشاعر المقدسة في مكة والمدينة الذي يعني جعلها أماكن ذات سلطة مستقلة وحكم ذاتي ، ولا دخل لها بالشؤون السياسية والدنيوية ، غير أن الكثير من التهور والمجازفات التي يقوم بها نظام المملكة يجعلها تبريراً مقبول التداول أمام العداءات التي جلبها النظام السعودي على نفسه ، وربما هو الأمر الذي يعكس نتيجية طبيعية لمدى التحول والانقلاب الذي شهدته السياسة الخارجية للمملكة في المنطقة ، ففي توقيت زمني قصير شنت أول حروبها في اليمن واتخذات مواقف عدائية في سوريا والعراق والشام وإيران ، واختقلت أزمة أخيرة مع قطر .
الآن الرياض معنية بالتعاطي مع تدويل الحج والمشاعر المقدسة خارج سياق الخطاب والتصعيد السياسي والإعلامي ، بمعنى أن الحرب والصدام لا تصلح لمواجهة مثل هذه الدعوات التي تتسرب بفعل سياسات تمثل خطورة بالغة على كل المستويات .