الصباح اليمني_مساحة حرة|
ستكون الحكومة والمعارضة في تركيا في حال تنافس محموم لإقناع الشعب التركي بوجاهة هذا الطرح أو ذاك. ومع الوقت، سيفرض الزلزال نفسه في الانتخابات المقبلة، إلى جانب الاقتصاد والأجانب وغيرهما.
صار يوم 6 شباط/فبراير 2023 يوماً أسود في التاريخ التركي. دمر الزلزال الذي كان مركزه كهرمان مرعش 10 محافظات، وأدى إلى انهيار الأبنية الضعيفة والقديمة، وتضرر 13.5 مليون منطقة وقرية صغيرة، منها منطقة إصلاحية في غازي عنتاب تم محوها تقريباً من الخريطة.
لم يكن زلزال جنوب تركيا في الحسبان. كانت تركيا تتحسّب لزلزال إسطنبول، ولا سيما أن التوقعات حصرت إمكانية حدوثه بها، ودعت إلى الاستعداد للتعامل مع ارتداداته والسيناريوهات الميدانية والطبّية والخدمية الواجب تجهيزها لملاقاته. زلزال كهرمان مرعش هو أكبر زلزال تعيشه تركيا منذ زلزال إزمير عام 1999 الذي خلّف 17 ألف ضحية.
تواجه تركيا اليوم كابوس الدمار الناجم عن الزلزال الذي لا يمكن مقارنته بزلازل فارتو ومرمرا وإزمير. حجم الكارثة كبير جداً، وليس من السهل إزالة أنقاض آلاف المباني المنهارة وتنسيق المساعدات التي يتم نقلها جواً من أكثر من 65 دولة مختلفة.
وعلى الرغم من كل المهارات والقدرات التنظيمية والتسهيلات الفنية، لم يكن ممكناً في اللحظات الأولى إرسال المساعدات إلى المواطنين في شمال البلاد، فالهواتف المحمولة توقفت عن العمل لمدة يومين، ما أثار تساؤلات حول شركات الهاتف، وأدى إلى توجيه الكثير من الانتقادات إلى الحكومة.
كيف واجهت حكومة العدالة والتنمية الزلزال؟
حاولت حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منع فشل عمليات الإنقاذ، وحظرت وسائل التواصل الاجتماعي من أجل حصر الانتقادات والحملات التي يمكن أن تواجهها. وكانت “رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ” (AFAD) التي أُنشئت بموجب القانون رقم 5902 منذ عام 2009 قد أصبحت مسؤولة عن التنسيق في مكافحة الكوارث، لكن قبل إنشاء إدارة الكوارث والطوارئ، كانت “المديرية العامة لإدارة الطوارئ في تركيا” (تاي) والهلال الأحمر ووزارة الخارجية تتعاون بنحو وثيق.
لم يعد الهلال الأحمر في الصورة. أصبحت “AFAD” منظمة عملاقة تعمل بصفتها سلطة تنفيذية ومنسقاً، لكن من الواضح أنها، رغم نجاحها في العديد من مناطق الكوارث، لم تستطع وحدها تحمل أعباء زلزال كهرمان مرعش، ولم تكفِ لإنجاز المهمة في مثل هذه الكارثة، ما اضطر الرئيس إردوغان إلى دعوة الوحدات العسكرية إلى الخدمة.
واقترح الرئيس التركي إعلان حال الطوارئ في المقاطعات العشر المتضررة لمدة 3 أشهر، واعترف بأنَّ هناك ثغرات شابت التجاوب السريع في عمليات الإغاثة، لكن الحكومة استطاعت التحكّم في المسار. وقد عملت المؤسسات في مسارين متزامنين ومتكاملين، إذ قادت هيئة مكافحة الكوارث والطوارئ (AFAD) عمليات الإغاثة، بما في ذلك الإخلاء والإيواء والإنقاذ والتوجيه وما إلى ذلك، فيما اهتمت وزارة الصحة بالأمور الطبية، من إسعاف وعلاج ومتابعات صحية.
وحصرت الحكومة الأخبار والمعلومات بها، وأصبحت المصدر الرئيس وشبه الوحيد للمعلومة، وضبطت المشهد الإعلامي، ما أثار حفيظة المعارضة التي اعتبرت أنه لا يمكن لشخص واحد أن يتولى إدارة جميع أمور الدولة التركية وحده.
المعارضة التركية تنتقد إجراءات الحكومة إدارياً
تساءلت الصحافة المعارضة عما إذا كان عليها قبول كل ما حصل من دون توجيه النقد إلى إدارة إردوغان، وتساءل رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو عن السياسة التي اتُبعت لدرء الكارثة أو التعاطي مع نتائجها.
وقال كليجدار أوغلو إنَّ الدعوة إلى عدم تسيس الكارثة يمكن أن تكون هروباً من المسؤولية المتأتية عنها، وأشار إلى أنه يعبّر عن هموم المواطنين، فلماذا يمارس السياسة إذا كان لن يتحدث عن مشاكل آلاف الأشخاص الذين لا يستطيعون إيجاد مكان للإقامة في البرد، وليس لديهم كهرباء وماء؟
كان المعارضون الناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي يكملون الصراع الانتخابي من أجل زلزلة الأرض تحت أقدام إردوغان سياسياً واتهامه بالتمييز بين مناطق حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الأخرى وتجاهل بلدياتها.
كذلك، وُجهت الانتقادات إلى موظفي إدارة الكوارث والطوارئ وغيرهم من عمال الإنقاذ وإلى غياب التنسيق. ولا شكّ في أن تسييس وقائع الزلزال وارتداداته ستكبر، وسيتم تضخيمها في ظل الصراع الانتخابي المحدد بعد 4 أشهر، فالتسييس حتمي بشرياً واقتصادياً، وإن بدأت مفاعيله تظهر منذ اليوم الأول.
هل يمكن تأجيل الانتخابات عاماً في ظل الكارثة الإنسانية؟
في ظلِّ هذا الوضع، طُرحت تساؤلات حول قرار البرلمان التركي إعلان حال الطوارئ: هل يمكن أن يؤدي إعلان حالة الطوارئ الجزئي إلى إمكانية تأجيل الانتخابات؟ يمكن أن يتم الأمر بحسب الدستور التركي في ظروف محددة، إلا أن الهدف من إعلان حالة الطوارئ كان الإغاثة وحصر الأضرار، فالانتخابات لا تُؤجّل إلا في حال الحرب أو في حال العجز عن إجرائها، والمادة 119 تخوّل الحكومة فرض حالة الطوارئ في حالات مثل الحرب وأعمال العنف والأوبئة والكوارث الطبيعية.
يجمع خبراء الدستور والقانون في تركيا على مسألة عدم ربط حالة الطوارئ بتأجيل الانتخابات، إذ لا توجد مادة في الدستور تنص على قانونية عدم إجرائها في مثل هذه الأحوال، ولكن المادة 78 من الدستور تسمح باتخاذ قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية في حال لم يكن من الممكن إجراؤها بسبب الحرب. وحده مجلس النواب من يقرر إذا كان إجراء الانتخابات مستحيلاً، باعتباره السلطة المخولة تأجيل الانتخابات لمدة عام واحد.
رئيسة حزب “الجيد” ميرال أكشينر استبعدت حدوث الانتخابات في التاريخ الذي اقترحه الرئيس التركي (14 أيار/مايو) واستبعدت التأجيل. كذلك فعل أحد مسؤولي حزب العدالة والتنمية، إلا أنه افترض تأجيلها في المناطق المنكوبة فقط التي تضم أكثر من 13 مليون نسمة.
ستقول الحكومة إنَّ إجراءاتها الاحترازية، وفي مقدمتها قوانين الإعمار وشروط الأبنية ما بعد عام 2000، كان لها دور كبير في تقليل حجم الخسائر من مختلف الأنواع، ولا سيما في الأرواح. ولولا مشروع التطوير المدني مثلاً، لكانت الحصيلة أفدح بكثير.
في المقابل، ستتكئ المعارضة على العدد الكبير من المتضررين وحجم الدمار والأبنية المتضررة، لتقول إن تقصير الحكومة ساهم في زيادة الفاتورة. في المحصلة، سيكون لزلزال كهرمان مرعش على الأغلب ما بعده، على شكل ارتدادات سياسية لا تقل أهمية وخطورة عن الهزات الارتدادية.
وسيكون أداء الحكومة من جهة، وادعاءات المعارضة من جهة أخرى، في حالة تنافس محموم لإقناع الشعب التركي بوجاهة هذا الطرح أو ذاك. ومع الوقت، سيفرض الزلزال الحالي نفسه كأحد الملفات المهمة في سياق الانتخابات المقبلة، إلى جانب الاقتصاد والأجانب وغيرهما.
خليك معناالمصدر: الميادين نت