على خلفية الأزمة بين قطر والسعودية والإمارات، فعل سريعا البرلمان التركي قرارا يسمح بنشر قوات تركية في قطر كجزء من اتفاقية بين البلدين خاصة بإنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر، حصل هذا في الأيام الأولى للأزمة كما هو معروف.
وكما هو مجرب أيضا فإن القوات التركية لا تدخل أرضا خارج حدودها وتخرج منها ، وأمامنا تجربة العراقيين مع القوات التركية في معسكر بعشيقة قضاء الموصل.
هناك تحول هذا الوجود إلى أزمة بين البلدين، رفضت تركيا الخروج تحت أي ظرف، بل خرج خطاب تركي من دفاتر التاريخ يتحدث عن الوضع التاريخي للموصل كإحدى ولايات الدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
ذاك خطاب التاريخ الذي أيقظه حزب العدالة والتنمية منذ حكم تركيا وازادت وتيرته ووضوحه، مع اندلاع الأحداث الدامية في عالمنا العربي، خاصة في سوريا، التي دخل إلى شمالها الجيش التركي قبل عام مباشرة، بعد أن اعتمد أنقرة لسنوات على مجموعات مسلحة تابعة لها هناك، وذات خطاب التاريخ عن الموصل سمعناه عن حلب، لا أحد يستطيع أن يقدر الآن متى وكيف ستخرج القوات التركية من شمال سوريا.
أما الوضع في جزيرة العرب ومع قطر تحديدا فهو مختلف . صحيح أن القوات التركية دخلت الدول العربية الثلاث إثر أزمات، الا ان في حالة قطر فالقوات التركية تدخلها ضمن اتفاق بين دولتين. الأمر قد يبدو اعتياديا في حالة دولتين متحالفتين تشعر إحداهما بالخطر.
بيد أن الخطاب السياسي والإعلامي القطري وكذلك التركي شن حملات ضد سوريا على خلفية استعانتها بقوات إيرانية حليفة، وهي كانت امام خطر وجودي كان خلفه دول بينها تركيا وقطر، والآن ذات الإعلام الذي عاب ماقام به الرئيس الأسد، يعتبر قرار الأمير تميم قرارا سياديا.
في نهاية المطاف جاءت القوات التركية إلى جزيرة العرب بعد مئة عام على رحيلها.
الأمر الذي يدفعنا للربط بين العثمانيين المحتلين للأرض العربية في الزمن الغابر وبين القوات التركية المتسللة اليوم إلى ذات البقاع ، هو فكر وخطاب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ورئيس البلاد رجب طيب أردوغان اليوم، وهم يتحدثون عن العثمانية الجديدة وأحياء السلطنة العثمانية، ويعملون في الداخل والخارج ضمن هذه المرجعية التاريخية.
قبل ما يقرب المئة عام قاد الشريف “حسين بن علي” الثورة العربية الكبرى لطرد العثمانيين من جزيرة العرب ، ورغم كل ما مرت به المنطقة العربية من كوارث بعدها ، إلا أن الأتراك لم يدخلوها من ذاك التاريخ.
واليوم يسجل التاريخ وصول القوات التركية على خلفية الأزمة بين دول الخليج، وربما لن يخرجوا منها سواء كان الأمير تميم حاكما لقطر أو أيا كان، وسواء كانت السعودية دولة أو مجموعة دول. لأن هذا الهزال والوهن والهوان والعبث العربي لن يفضي إلا إلى هذه النتيجة. وهذا الطريق الذي يسلكه هؤلاء القادة العرب جميعهم وليس فقط قادة الخليج لن يورث المنطقة إلا العودة الاحتلال والتبعية المباشرة، والوصاية ممن هم أكثر نضجا وإدراكا لمصالحهم ومصالح شعوبهم.
يقول المؤرخون عندما احتل الفرنسيون دمشق عام 1920، توجه الجنرال الفرنسي “غورو” قائد القوات الغازية إلى قبر صلاح الدين الأيوبي، وضربه بقدمه قائلا “هاقد عدنا يا صلاح الدين”.
فهل سيقولها الأتراك قريبا فوق ضريح الشريف” حسين بن علي” الذي طرد العثمانيين من جزيرة العرب، “هاقد عدنا يا “حسين بن علي”.