تقول المراجع التاريخية انه منذ عام 1744 م، أي منذ توقيع الحلف بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود شن الاثنان حرباً مستمرة دامت حوالي أربعين عاماً.
وهذه الحرب أخضعا فيها إمارات نجد الإقطاعية الواحدة تلو الأخرى وجلبوا إلى الطاعة القبائل البدوية الواحدة بعد الأخرى وانقادت بعض القرى إلى الوهابيين طوعاً بينما اقتيدت أخرى بحد السيف.
ويجدر بنا أن نلقي الضوء على ما عرف تاريخيا بـ”ميثاق الدرعية”.
الرواية السعودية التي عممتها في إعلامها واخترقت بها عقول الشعوب تقول أن (“ميثاق الدرعية” هو اتفاق وقع بين أمير الدرعية “الإمام” محمد بن سعود و”الإمام “محمد بن عبد الوهاب في عام 1157هـ الموافق 1745.
واتفق “الإمامان” على الدعوة إلى تصحيح عقيدة الناس مما علق بها من الشرك والبدع والخرافات وذلك بالعودة إلى ما كان عليه النبي محمد والسلف الصالح، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل ذلك باللسان والسنان. وبعد الميثاق بدأت الحركة الإصلاحية عملها، وانتشرت الدعوة السلفية، وأصبح لها نفوذ واسع ومؤيدون في أنحاء الجزيرة العربية وفي خارجها).
إلا أن واقع الأمر لم يكن مختلفا عما نراه حاليا من دولة “داعش” المزعومة التي استباحت تحت بند احتكار الإسلام والتوحيد أعراض وأموال ودماء الشعوب المسلمة وغيرها، واقتران اللافتة الدينية باللافتة السياسية والممثل في علم المملكة بشعار التوحيد الإسلامي والسيف يقول إن السياسة لدى فكر آل سعود هي السيف، وان فكرها السياسي لا يعرف من تنوع مدارسها إلا سياسة القوة والقتل!
طبيعي أن تكون مملكة وعلماء يؤمنون بأن نبي الإسلام (طارش) أي ساعي بريد كان دوره مجرد إيصال الرسالة، ألا يتبعوا أخلاقه وسننه، وإنما يتبعون ما ألهم به أمامهم دون بقية الأمة كما ذكر عن نفسه انه ألهم كالخضر!
ما يعنينا سياسيا من هذه المقدمة أن هناك فيما يبدو بروتوكولات يسير عليها حكماء آل سعود على غرار بروتوكولات حكماء صهيون.
كلنا سمع عن بروتوكولات حكماء صهيون، وكثير من الباحثين يشكك في نسبتها للمؤتمر الصهيوني وإنها مدسوسة، وبصرف النظر عن الجدل المثار حول صحة نسب بروتوكولات حكماء صهيون من عدمها إلا أننا نرى تطبيقا لها ولما جاء بها، وكله يصب في مصلحة الصهاينة، ما يؤكد تطبيقها وبشكل تفصيلي بطريقة تدهش المتابع والمتأمل.
أما التأمل في سياسات المملكة وعلمائها فهو يجعلنا أيضا نلمح وجود بروتوكولات غير معلنة.
فعلى سبيل المثال، عندما يورد الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه “المقالات اليابانية” ما قاله الملك عبد العزيز لأولاده قبل موته: إن عليهم أن يحاذروا من يمن موحّد، فهذا خطر عليهم وعلى المملكة التي سوف يرثونها بعده، وإن عليهم أن يذكروا دوما أن ضمان رخائهم مرهون ببؤس اليمن”، وعندما يقول هيكل في ذات الفقرة ان فيصل كان يخشى على الهيبة، وان يكون تعداد سكان مملكته اقل من تعداد سكان اليمن، فإن هذا ربما يفسر بعضا من حرب الإبادة التي تقودها السعودية ضد الشعب اليمني بمشاركة أمريكية وإسرائيلية وما يلازمها من انتشار للكوليرا تحصد أرواح اليمنيين.
نعم لأمريكا والكيان الإسرائيلي أهداف أخرى تتعلق بباب المندب والبحر الأحمر، ولكن السعودية قد يكون محركها الرئيسي وصية الملك عبد العزيز المتعلقة بالديموغرافية والهيبة… إلى هذا الحد السفيه يمكن أن تصل السياسات ولا عجب من ذلك!
وعندما نرى وثائق مصورة ومختومة للملك عبد العزيز يقول نصها ” بسم الله الرحمن الرحيم، أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود أقر وأعترف ألف مرّة للسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى أن لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم كما تراه بريطانيا الّتي لا أخرج عن رأيها حتّى تصيح الساعة”!
فان ذلك يفسر الدور السعودي لخدمة الكيان الإسرائيلي بمحاربة أعداء الكيان وخدمة أصدقائه، ولا بأس بالتذكير بما قامت به السعودية من حرب معلنة على عبد الناصر “عدو الصهيونية” وصداقة مع شاه إيران “صديق الصهيونية”، ثم حرب على الثورة الإيرانية “عدو الصهيونية” وصداقة مع أنظمة كامب ديفيد بمصر “أصدقاء الصهيونية”!
إن دعم حملات انتخابية لدول أوروبية ورؤساء أمريكيين ودعم الاقتصاد الأمريكي العدو الأكبر للعرب والصديق الأكبر للصهاينة وحدوث ذلك بشكل ثابت وليس تكتيكياً أو مرحلياً، إنما يشي بأنه خيار استراتيجي قائم على بروتوكول وليس مجرد سياسة مرحلية تفرضها مقتضيات التوازنات.
ان اختراق الإعلام والصحف وشراء المرتزقة والنفوس الضعيفة في كل البلدان المتاحة لدليل على انها سياسة راسخة منتقاة بعناية وانها قائمة على مسلّمات تعود في النهاية إلى بروتوكول.
إن تشويه المقاومة والثورات الحقيقية ومحاربتها باسم التكفير هي سياسة ثابتة تخضع لبروتوكول.
كما أن الإنفاق على فكر يتستر بالدين ومحاولة تعميمه والإنفاق عليه ببذخ يفوق ما أنفقه الاتحاد السوفيتي على نشر الشيوعية، يشي بأن هذا ليس سفها وإنما خطط، مدروسة وسلاحا استراتيجياً منطلق أيضا من بروتوكول.
لا عجب إذاً ، عندما نقرأ لحاييم وايزمان في مذكراته إن:
(إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول… والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته)، ويضيف نقلا عن تشرشل الرئيس الأسبق للحكومة البريطانية، الذي كان له دور أساسي وبارز في قيام الكيان الوهابي السعودي والكيان العنصري الصهيوني: (في 11 /3 /1932م قال تشرشل: اريدك تعلم يا وايزمان انني وضعت مشروعا لكم ينفذ بعد نهاية الحرب ( الحرب العالمية الثانية) يبدأ بأن أرى ابن سعود سيدا على الشرق الأوسط وكبير كبرائه، على شرط أن يتفق معكم أولا، ومتى قام هذا المشروع، عليكم أن تأخذوا منه ما امكن وسنساعدكم في ذلك، وعليك كتمان هذا السر، ولكن انقله إلى روزفلت، وليس هناك شيء يستحيل تحقيقه عندما اعمل لأجله أنا، ووزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية) ..
يبدو ما نراه الآن هو إذاعة لهذا السر بعد عقود من كتمانه!
* كاتب صحفي لبناني