أقولُها وأعلنُها صراحة ونحن في شهر البركات والنفحات اليمن ثم اليمن ثم اليمن، أوقفوا هذه الحرب القذرة التي أهلكت الحرث والنسل، ولكن من يوقفها؟، إنها حرب خاسرة على كل المستويات وفي كل الاتجاهات ولا أحد رابح إلى حد الآن، بل الخسارة الفادحة في الأرواح في الجنود قبل المدنيين، أوقفوا الشجع والطمع، أوقفوا الحسابات الخاطئة، أوقفوا هذا القتال الشنيع، إنها صرخة من الأعماق عسى أن تصل إلى أعلى مسؤول في العالم، وعسى أن تصل إلى أحرار العالم، وعسى أن تصل إلى علماء وفقهاء العالم، وعسى أن تدقّ جرس إنذار الأمم المتحدة التي دفنت نفسها في مقبرة يصعب فرزها مع منظمات خاسرة أخرى كجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ورابطة العلماء المسلمين، كلها منظمات موبوءة أصابها العمى بل العمه لا ترى ما يجري لأطفال اليمن ولا لنساء اليمن الذين يعيشون اليوم في أسوء وأقذر حالة، من ينتبه؟ من يدعو؟ من يقرأ واقع اليمن؟
لا أدري إن كانت مؤامرة أو كان اعتداء أو مخططا، ومهما كان المسمى فلا يغطي الجرم الذي نراه يوميا على شاشات التلفاز ونحن نلتهم أشهى المأكولات وفي أمن وأمان، كيف تمرّ اللقمة في حلق مسلم وهو يشاهد الدمار والخراب والجوع والعطش في مكان كان آمنا؟، كيف يستمتع المسلم بجلساته ومسلسلاته ورواياته وقصصه المضحكة المبكية ولا يشعر بلهيب الحر ولا لهيب الجوع ولا لهيب العطش الذي يعيشه اليمنيون في رمضان؟، لا يجدون ما يأكلون ولا يحصلون على ماء زلال ولا يبرّد أجسامهم مكيفات من لهيب الحر بل تزداد معاناتهم يوما بعد يوم، في مسلسل من البؤس والشقاء مما يدفع بعضهم إلى الانتحار ويفضلون الموت على الحياة، إنها مأساة القرن يا مسلمين، إنها البلاء العظيم.
المسلمون اليوم أصحاب مصالح فلا يُؤْثرون على أنفسهم ولا يبحثون عن حلول تسعدهم، بل يتقاتلون باسم الدين والكل يدعي أنه على حق، ومن حقه أن يدافع عن نفسه فأين العقل والتعقل وأين الحكمة والتحكم، وأين الرحمة والترحّم؟ كلها صفات مع الأسف الشديد نطالعها ونقرؤها وندعو إليها ولكن لا نطبّقها، إن اليمن وما أصابه يمكن أن يصيب أي بلد آخر في ظل الانشغال بالذات والتفكير في المصالح والبعد عن المنهج السوي والأخلاق التي تربى عليها المجتمع الإسلامي، فضفضات وفقاعات وبراكين لا تحمل حمما، ما الذي حدث في عالمنا اليوم هل عقارب الساعة تدور على عكس ما نعلم؟ أم ماذا؟
لنقرأ الإحصاءات المفزعة الآتية من اليمن، فأكثر من 55 الف مصاب بالكوليرا، وأكثر من 500 حالة وفاة نتيجة هذا المرض، ويصاب أكثر من 100 ألف طفل يوميا بل ويموت طفل كل 10 دقائق جوعا ومرضا، إلى أين نحن سائرون بهذه الأرقام؟ هل سائرون إلى قتل ممنهج للشعب اليمني الذي يرزح تحت نيران حرب قذرة مصلحية، وكل دولة من الدول المشاركة لها حساباتها الشخصية وتدفع المليارات لصفقات أسلحة تقتل بها شعبا بأكمله، يا للعجب العجاب بينما كان الأولى إنقاذ هذا الشعب من جحيم الحرب وسعارها الذي لا يهدأ بالليل والنهار، إنها فعلا مأساة وأي مأساة، حينما لا تجد ما تفعله تجاه شعب يتألم سوى دعوات مخلصة بأن يخلّص اليمن من هذه الحرب القذرة، وما جنى منها اليمن إلا الصراعات والدمار والخراب وما جنت منها السعودية إلا الخسارة والتعب والإرهاق ولم تحقق شيئا خاصة إذا علمنا أن الإمارات دخلت في الخط وأحرجت ما يسمى بالشرعية في اليمن حينما عيّنت عيدروس رئيسا للمجلس الانتقالي في عدن، كلها حسابات في حسابات، وعلى الشعب اليمني أن يتحمل الفاتورة.
الولايات المتحدة الأمريكية منشغلة بصفقاتها العسكرية وجمعها للمال كما يقول ترامب، وأوروبا غير مستعدة للتدخل والدخول في مواجهة مجهولة، والمنظمات الدولية صامتة لما يجري في اليمن كأنما كُبتت، مما يكشف أن هذه المنظمات لا تعمل لصالح الإنسان بل إنها تفني جهدها لقمع الإنسان عبر صمتها المدقع وهي ترى طفلا يموت كل 10 دقائق ولا تحرك ساكنا، يا لها من فجائع ويا له من ألم لا نجد له تفسيرا إلى حد الآن، فالمقلق حقا أن العالم اليوم بات عاجزا كليّا عن حلّ المشكلات التي تفاقمت وتكاثرت وتعدّدت وتنوّعت، ولم يعد الإنسان العادي يرى الحياة إلا من زاوية الموت قهرا، إما جوعا أو عطشا أو قتلا أو حربا، فمتى يحلّ السلم والسلام والأمن والأمان؟ إننا نعيش في عصر التآكل البشري الذي يقضم كل يوم أعدادا هائلة من البشر نتيجة أفعال يقوم بها الكبار الذين يزعمون أنهم الأقوياء.