تتجه الأنظار صوب مسقط أكثر من أي وقت مضى، بشأن التسوية السياسية اليمنية المرتقبة، والدور الذي ستلعبه عُمان في هذا المجال يبدو الرهان عليه كبيراً، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
الزيارات المكثفة التي شهدتها مسقط منذ مطلع الشهر الماضي، لمسؤولين ودبلوماسيين أوروبيين من جهة، ومسؤولين ودبلوماسيين يمنيين من جهة أخرى، دليل واضح على أن هناك إجماع كبير على السلطنة، لتكون همزة الوصل بين الأطراف اليمنية، بهدف إعادتها إلى طاولة المفاوضات من جديد، وبتشاور ومشاركة دوائر صناعة قرار دولية، على رأسها الدائرة البريطانية والأمريكية.
ومن ضمن الزيارات الملفتة، هي زيارة وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، والتي جاءت بعد يومين من اجتماع الرباعية في لندن، وتعيين البريطاني، مارتن غريفثت، مبعوثاً أممياً جديداً، خلفاً للمبعوث إسماعيل ولد الشيخ أحمد. في حين جاءت زيارة الناطق الرسمي لجماعة «أنصار الله» محمد عبد السلام، بعد ساعات من وزير الخارجية البريطاني، لتؤكد بأن شيئاً ما يجري التحضير له في مسقط، ومن المتوقع أن يقود نحو جولة جديدة من المفاوضات السياسية اليمنية.
وكان جونسون، قد قال في تصريحات قبل بدء جولته، إنه سيركز خلال اجتماعاته في مسقط والرياض على أنه «لا حل عسكرياً للصراع، بل إن محادثات السلام هي الحل الوحيد طويل الأجل للشعب اليمني».
اجتماعات مكثّفة
مصادر مطلعة في مسقط، أكدت لـ «العربي»، بأن اجتماعات مكثفة غير معلنة، تتم بين دبلوماسيين ومسؤولين عمانيين، ومسؤولين ودبلوماسيين أمريكيين وبريطانيين، وأن هذه الاجتماعات تبحث كيفية العمل بشأن التسوية السياسية اليمنية، وكيفية إعادة الأطراف اليمنية الى طاولة المفاوضات وبأي طريقة قبل الاتفاق على خارطة طريق معينة.
وأشارت المصادر إلى أن النقاشات تتناول «مواقف الأطراف السياسية اليمنية المتحاربة، والتي على ضوئها سيتم النقاش مسبقا مع الأطراف المتصارعة، على خطة مضمونة على أساسها تتم الموافقة على العودة إلى طاولة التفاوض»، ومن المتوقع تكون جولة المفاوضات هذه المرة في مسقط، بحسب المصادر.
وعلى ما يبدو، فإن مسقط على علاقة جيدة مع طرفي «الشرعية» و«أنصار الله»، حيث من المؤمل أن يكون التواصل ممكناً.
السلطنة بين منزلتين
السكرتير السابق في الرئاسة اليمنية، ومستشار وزير الاعلام، مختار الرحبي، أكد بأن «الشرعية تتطلع إلى دور مسقط»، وأن لديها «إيمان في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية، ولهذا فهي ستستجيب لأي دعوة للعودة الى طاولة المفاوضات ستوجهها مسقط».
وقال الرحبي لـ«العربي»، إن «سلطنة عمان لديها مساحة للتحرك فهي تمتلك علاقات مع جميع الأطراف فهي تعترف بالشرعية، وأعلنت ذلك من خلال بيانات رسمية، وتم تعين سفير لليمن فيها من الشرعية ولديها علاقات متميزة مع التحالف العربي حيث قامت بوساطة بين المملكة والحوثيين أسفرت عن اتفاق ما يسمى باتفاق ظهران الجنوب بين المملكة والحوثيين وكذلك سلطنة عمان محل ثقة بالنسبة للمجتمع الدولي حيث يقوم وزراء خارجية الدول العظمى بزيارات إليها بخصوص الملف اليمني آخرها زيارة وزير الخارجية البريطاني، وأيضاً تحتفظ بعلاقة جيدة مع جماعة الحوثي، وهو ما يمكنها من لعب أدوار وساطات للوصول لحل سياسي وسلمي للأزمة اليمنية لذلك تلعب مسقط أدوار إيجابية في الأزمة اليمنية».
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، الدكتور ناصر الطويل، لـ«العربي»، إن «عُمان بحكم الجغرافيا والتاريخ، وبحكم التطور السياسي، وبحكم الإطار الثقافي، وطبيعة النظام السياسي أيضاً، هي في منزلة بين منزلتين بالنسبة لإيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وهذه الاعتبارات ربما كانت حاضرة في تحديد السياسة العمانية من الصراع الحالي في اليمن».سلطنة عمان لديها مساحة للتحرك
واعتبر أن «عُمان لا يمكن الاستغناء عن دورها، ودورها سيكون فعّال وكبير في حال اتجهت الأمور نحو تسوية سياسية»، مضيفاً أن «مسقط لها علاقة متوازنة مع كل الأطراف المختلفة، وسيستفاد منها في اقناع ودفع الحوثيين نحو توافقات معينة في إطار أي تسوية قادمة».
ورأى الطويل أن «الأمر يبنى على التوجه السعودي إذا ما توجهت السعودية نحو تسوية سياسية فإن المساحة ستكون كبيرة أمام العُمانيين وستقوم عُمان على بناء توافقات معينة، وكلما حسمت السعودية أمرها نحو العمل العسكري تراجع الدور العُماني، وإن لم يُلغَ تماماً، وكلما اتجهت السعودية نحو تسوية سياسية اتسعت المساحة كثيراً أمام العُمانيين للعب دور كبير في هذا الجانب».
ولفت إلى أنه «في الخلاصة، إذا كان هناك تسوية سياسية الدور العُماني سيكون حاضر وحاضر بقوة ولا يمكن للسعودية ولا حتى إيران ولا حتى أطراف يمنية داخلية أن تخفي أو تستغني عن الدور العُماني مطلقاً».
المهرة… ورقة استفزاز
جانب آخر يجري الحديث عنه عسكرياً وليس سياسياً، ويجري ربطه بسلطنة عُمان وبالحسابات العسكرية لدول «التحالف العربي»، وذلك في محافظة المهرة المحافظة الواقعة على حدود عُمان. ولعل الحديث عن تحركات عسكرية مؤخراً في المهرة صار ملفتاً وفي متناول وسائل إعلام خليجية وغيرها، وفي إشارة إلى أن التحركات التي تتم من قبل دول «التحالف» خصوصاً الإمارات بمثابة استفزاز لسلطنة عُمان وجرّها إلى مربع الصراع والمناوشات والحسابات المختلفة.
وتفيد معلومات «العربي» بأن استفزاز مسقط تم أولاً عن طريق «قيام التحالف بإرسال أسلحة إلى المهرة وتجنيد حوالي ٢٠٠٠ شخص، على هيئة حزام أمني تحت رعاية الإمارات، إضافة إلى قيام الإمارات بشراء ولاء بعض المشائخ والأعيان وصرف سيارات ورواتب لهم، ومؤخراً وصلت باخرة تحمل أسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة وجنود سعوديين إلى المهرة، وأيضاً تم نقل سلفيين إلى مناطق حدودية مع السلطنة».
لكن مصادر سياسية في المهرة، أكدت لـ«العربي» بأن الحديث عن تحركات عسكرية على حدود عُمان «يُعطى اهتماماً أكبر من حجمه في أروقة التحالف وفي إطار التجاذبات الحاصلة بين بعض دول الخليج، ومحاولة خلط الأوراق، خصوصاً بعد أن تحول ملف اليمن إلى حرب إعلامية بين دول الخليج».
وقالت المصادر إن «المهرة هادئة ولا يوجد أي توترات أو اهتمام من قبل أبناء المهرة ومشايخها أو تخوفات بشأن ما يقال إنها تحركات عسكرية»، مشيرة إلى أنه «حتى وإن وجدت وكانت حقيقية فلن تمثل أي قلق سواء على المهرة أو على سلطنة عُمان».
وأضافت المصادر أن «أبناء المهرة تربطهم علاقة جيدة بسلطنة عُمان، وعلاقة ودّ واحترام متبادل، وهي تتعاون معهم باستمرار وتقدّم لهد الدعم على مستوى التعليم والصحة والخدمات المختلفة، ولهذا فإن أي محاولات باتجاه حرف هذا الواقع لن يكون مصيرها إلا الفشل».
وتتابع المصادر حديثها لـ«العربي»، بالقول إن «مسقط لا تتأثر باي استفزاز، ولا يمكن جرّها إلى مربع الصراعات والحسابات العسكرية والتجاذبات الخليجية على الساحة اليمنية بهذه السهولة التي يجري الحديث عنها»، لافتة إلى أن «مسقط لا تعير هذا الجانب أي اهتمام بدليل عدم حديثها عنه سواء في وسائل إعلامها أو في أي نقشات سياسية أو دبلوماسية داخل السلطة العمانية».
المواقف واضحة ربما، وما تتحدث عنه مسقط الآن هو ذاك المتعلق في إطار التسوية السياسية والذي جرى الحديث عنه خلال التحركات الأخيرة داخل مسقط، أو ذاك الذي تحدث عنه السلطان قابوس خلال لقائه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل يومين، حيث دعا إلى تضافر جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى تسوية سياسية لأزمات بعض دول المنطقة، وخاصة في اليمن.
واتفق الجانبان على «أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للأزمات التي تشهدها بعض دول المنطقة، وخاصة اليمن».
وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، إن السيسي استمع من السلطان قابوس، إلى رؤيته بشأن الأزمة في اليمن، وسبل العمل على حلها بشكل يخفف المعاناة اليومية للشعب اليمني.
خليك معنا