اليمن هي مربط الفرس، وهي الحرب الأهم في المنطقة، والملف الاشد حساسية وسخونة في القمة السعودية- الامريكية ، وحسم الامور في اليمن سيحسمها في كل المنطقة. وزيارة ترامب الى الرياض تأتي في اطار حسم الامور في اليمن، وهذا الحسم سيكون لصالح السعودية، لكنه لن يعني انهاء التواجد الحوثي، انها الصفقة الاعقد والاهم فتحديد مصير اليمن، كما يتم التداول في الاعلام الغربي والعربي معا، مرهون بابرام الصفقة التي جرى التحدث في شأنها مع زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى واشنطن، والتي يعلن عنها الان في الرياض، واهم بنود هذه الصفقة هو ما يتعلق باليمن. فالدولة التي تخسر موقعها في اليمن، ستخسر موقعها في المنطقة برمتها لعقود قادمة، لذلك سبقت زيارة ترامب للسعودية، زيارة الشيخ “محمد بن زايد” لامريكا فقط لمناقشة وضع اليمن.
فالإمارات لا تريد ان تكون الخاسر الاكبر في هذه الرقعة الجغرافية ، بعد كل ما قدمت، خاصة ان مصيرها الاقتصادي مرتبط مباشرة بباب المندب وميناء عدن، ولحد الان مازلت السعودية هي من تحدد موقع اللاعبين وتوزيع ادوارهم ، وتقسم هذه الادوار بين قطر والامارات.
ان اهمية اليمن يكمن بسبب موقعها، وكونها اهم نقاط الارتكاز للامن القومي – الخليجي، ولا سيطرة عسكرية على المنطقة ” سوريا، العراق ، ليبيا” دون سيطرة على اليمن فالملف اليمني الان هو الملف الوحيد على طاولة الحرب الخليجية، ونحن في منطقة تقودها الخليج براية سعودية، وكل الملفات مؤجلة لحين حسم الامور في اليمن، ولا حسم دون ترسيخ النفوذ الخليجي – السعودي في اليمن.
هناك في اليمن ظهر النزاع الخليجي – الخليجي، وتم التاكيد انه ليس هناك اجندة خليجية واحدة في المنطقة، وان هناك رغبة لتقسيم الادوار والمواقع العسكرية، والحضور السياسي، وتم الكشف انه لا توجد رؤية استراتيجية خليجية مشتركة في اليمن، ولكن لن يتطور الامر للصراع العسكري المباشر بين الاجنحة الخليجية، لان ذلك يعني التفتت الخليجي، ويقصم ظهر الامن الخليجي تماما.
ان مستقبل الخليج وامنه يبدأ وينتهي في اليمن، هذه الحقيقة الجيو استرايجية تبرر تماما هذا الخوف الخليجي لحد الهوس بالتواجد الايراني في اليمن “خاصرة الخليج” ، حيث تبدو الحركة الحوثية في الصورة المقربة للداخل اليمني، الطرف الاكثر رعونة ، والاكثر وقوعا تحت الضغط، برغم سيطرتهم العسكرية على معظم مناطق الشمال.
الحوثيون لحد الان لم يسلموا بأن السعودية لن ترفع يدها على اليمن، كما ان السعودية لن تسلم بحقيقة ، ان نفوذ الحوثيين بات اقوى من ذي قبل، مقارنة بعامين من الحرب السعودية عليهم.
الصدام بين الحوثين والسعودية سوف يستمر حتى بعد الحسم، والاتفاق السياسي، فلا هدوء في اليمن، طالما الظهور الايراني مازال متواجدا في المنطقة ، لكن ان يبقى الحوثيون تحت السيطرة السعودية، او على الاقل تحت عين المراقبة السعودية، فهي الصفقة الرابحة بالنسبة للرياض، حيث فشلت المملكة في عملية اجتثاثهم من المشهد اليمني، حتى وان كانوا اقلية كما بات يكرر وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير”.
اربعون صاروخا
40 صاروخ حوثي اخترق الحدود اليمنية – السعودية او تم صده، في سابقة عكسرية لم تشهدها المملكة، خلال صراعها التاريخي مع اليمن، وهو امر يعني تحول دفة الصراع التاريخي بين اليمن وجارتها، والتي بدات مع انشاء المملكة في مطلع القرن الماضي
اكثر من 100 عام من الصراع بين اليمن والسعودية بمختلف مراحلها السياسية، ادت الى هذا الحقد التاريخي بين البلدين، والذي يتم انكاره على المستوى السياسي، لكنه حقيقة لن تتجاوزها حقائق الجغرافيا والتاريخ.
“الانقلابيون” الحوثيون هم موضوع الصفقة بين ترامب والسعودية، حيث تم فتح الضوء الاخضر لمرور السعودية الاكبر باتجاه السيطرة التامة على اليمن، سياسيا وعسكريا، مهما كانت الاضرار، والاعراض الجانبية ، والتي وصلت لحد جرائم الحرب ، وهو الملف الذي رمي نهائيا في سلة المهملات الحقوقية.
حاليا مركز الثقل يميل باتجاه المملكة الغنية، وترامب نفسه الذي كان يهاجمها في حملته الانتخابية، او يلمح لابتزازها، اصبح ضيفها، ويعقد معها صفقة القرن، والسعودية فهمت الرسالة ان لم تكن بلعت الطعم، وقدمت ما يريده ترامب ، مقابل ان تاخذ ما تريده، تجاوزات عن جرائمها، وتصريحات قوية ضد ايران، وميلشياتها في المنطقة، وخاصة ضد الحوثيين في اليمن، الذين لاول مرة يتم وصفهم امريكا بالانقلابيين.
الان المهمة السعودية هي الوصول الى تسوية سياسية مع هؤلاء الانقلابين، كما اعلن في اللقاء الصحفي المشترك بين وزيري خارجية السعودية وامريكا، ان التحالف التاريخي الاستراتيجي بين امريكا والسعودية بعهد ترامب ، سوف يقوي النفوذ السعودي اكثر في المنطقة، لكنه في اليمن يؤكد على بقاء اليد السعودية، مع الاعتراف بتواجد الحوثيين، والشراكة السياسية معهم برغم انقلابهم، والحرب عليهم.
فلا الحوثيين استطاعوا قطع اليد السعودية في اليمن، ولا عاصفة الحزم السعودية استطاعت اجتثاثهم واعادتهم الى كهوف الجبال في صعده، هذه المعادلة العسكرية الصعبة بين الخصمين الرئيسين في اليمن، ستؤدي في نهاية المطاف الى تسوية سياسية صعبة ايضا، لا تضمن الاستقرار الكامل، ولا الحرب الحاسمة، وهذا هو الوضع المرسوم لليمن، اي البقاء على قمة الاضطرابات وعدم الاسقرار السياسي وهو ما يهمد لعقد من سيطرة العودية على المنطقة ، على الاقل كما يخطط له الان ، لكن هل يحدث؟
صفقة العشر سنوات
هذا ما تخطط له السعودية بعقد صفقة استراتيجية قيمتها اكثر من 280 مليار دولار، توقيع الاتفاقيات والصفقات، الذي ابرم في الرياض يمتد لعشر سنوات قادمة، وهو يعني انها صفقة طويلة المدى بالنسبة للسعودية، التي تريد ضمان بقاء مقعدها في تسيد المنطقة، وزعامة العالم الاسلامي.
خطط السعودية التي تدفع ثمنها مقدما، تدرك جيدا ان خطتها بعيدة المدى مرهونة ببقاء موقعها في اليمن، وهي لم تتخلى مسبقا عن هذا الموقع منذ تاسيس المملكة، انها تدرك الخطر القادم من اليمن، ان تراخت وان اصبحت الخاصرة رخوة، لكن ماذا يحدث داخل اليمن
ان النظرة السعودية المشروعة لليمن، تختلف عن نظرة اليمن لها، حيث اصبح اليمن الان مختلف عن اليمن الذي اعتادت عليه السعودية بوجود حركة متمردة عليها على تخوم حدودها.
الحوثيون لن يتنصروا في اي معركة عسكرية بحسب تصريحات وزير الخارجية الامريكي في الرياض برفقة وزير الخارجية السعودي، وعدم الانتصار الحوثي موهون بابرام الصفقة معهم، فالمنطق العسكري لايقول بقدرة الحوثيين على الانتصار على الة الحرب السعودية، الاكثر عتادا وتجهيزا ، ولكن بقاء الحركة الفتية في حالة حرب مستمرة مع السعودية ، فيه من الاستنزاف والقلق، والاضطراب ما ليس للسعودية غنى عنه، لذلك لا سبيل طريق الا طريق الحسم السياسي ، وليس العزم الحربي .
وهنا يظهر الامتداد القبلي السعودي – اليمني المتغلل في العلاقات المعقدة بين الجارتين، والذي كان له دوره في التقارب بين الحوثيين والسعودية والذي سجل او اتفاق بينهم قبل عام، في مدينة الظهران السعودية، حيث ظهر ان الظهران اقرب للحوثيين من طهران ، وهي حقيقة يدركها الجميع.
ان السعودية بمجرد ضمان موقعها في اليمن، واطمئنانها على مستقبلها في المنطقة، تستطيع بسهوله ابرام صفقتها الرابحة مع الحوثيين، وهي تعلم جيدا حدود علاقتهم بايران، ومدى تغلل الجمهورية الاسلامية في صفوفهم وافكارهم. وتعلم انها يمكنها ان تكون اقرب مذهبيا واجتماعيا. لكنها تريد تاكيد سطوتها على اليمن، وانه يمكنها فعل ما تريده في اليمن وقتما تشاء وكيفما تشاء.