الإثنين, 23 ديسمبر, 2024

الى اين تمضي قــــــــــطر؟

بقلم:فتحي أبو النصر|

قطر تعني المال والإعلام والدبلوماسية الناشطة، وهي لم تتقدم في مشاريعها إلا بسبب الفراغ الناشب في المنطقة. قطر أيضاً هي ائتلاف المتناقضات. ولكن قطر لن تستطيع احتمال القطيعة المضروبة عليها، وهي الآن في مشاكل مع غالبية دول المنطقة. لقد صارت هدفاً بعدما كانت تستهدف الجميع. هناك قطيعة سياسية واجتماعية واقتصادية لن تحملها خصوصاً مع تزايد المخاطر والتكاليف، فيما المغامرات السياسية لن تؤتي أكلها.

وأما دول الريع الخليجية يجب عليها تغيير اقتصادياتها المعتمدة على النفط والغاز من الآن وصاعداً. وبالطبع ثمة موروثات من الخلافات المتراكمة منذ التسعينيات بين قطر وشقيقاتها في الخليج، إلا أن الصراع الآن ينطوي على سياقات لإعادة رسم الخريطة وترتيب التكتلات في المنطقة. الأخطر هو الإستنزاف الذي قد يطال الجميع. ولقد اتضح بشكل جلي كيف أن قطر تحتاج لأمريكا ولإيران ولتركيا. على أنه من الطبيعي أن الدول الصغيرة تلجأ لعقد تحالفات مع دول قوية لسد نقاط الضعف لديها.
في الحقيقة والواقع، سيصعب على قطر تنفيذ لائحة المطالب الموجهة إليها. لكن السعودية وبطريقة ساذجة تتناسى أن الوهابية جزء أصيل وجوهري في تنمية وعي الإرهاب منذ عقود. كذلك، الأجواء مسممة حالياً في الخليج، وعلاقة قطر مع جماعة «الإخوان المسلمين» على المحك تماماً. وبحسب عديد مؤشرات، ثمة «ويكيلكس» فاضح بين السعودية وقطر سيزدهر قريباً، كما سيجعل الصراع ضارياً بين الضفتين، بحيث ستُستخدم فيه العديد من ملفات انتهاكات حقوق الإنسان، كما سيعرف الجميع أسرار صفقات ورشوات في مجالات تسليح وغسيل أموال وفساد إدارة واستغلال مالي، إضافة إلى أسرار دعم مختلف اللوبيات السياسية والدينية والإعلامية والدبلوماسية من قبل قطر والسعودية، تلك اللوبيات التي تترعرع داخل دوائر صناعة القرار في الدول الكبرى، وفي عموم منطقة الشرق الأوسط المنقسمة بين الطرفين.

من زاوية أخرى، تتميز قطر بالمستشارين السياسيين العاملين لديها، فيما تأمل السعودية أن تنافسها في هذا الإمتياز، وهؤلاء يبنون الإستراتيجيات وفق رؤى شاملة ومرنة وخطيرة. لقد كانت قطر دولة صغيرة ولها وجود سياسي كبير، أما اليوم فهي محاصرة ومرتبكة بمواجهة دور السعودية والإمارات المتصاعد. وبالنسبة للسعودية وشقيقاتها اللدودات تجاه قطر، فلا شيء سوى الإذعان طبعاً، بينما قطر لن تذعن لتجريدها من كل شيء. ولقد بات ثابتاً أن السعودية لن ترتاح بغير التهام قطر. وثمة إجراءات وعقوبات صارمة أخرى تلوح في الأفق، ولكن للسعودية مآزقها الثابتة والمستجدة أيضاً. كذلك الإمارات التي تدفع بالصراع إلى مصاف معقدة. وما بينهما تكون إيران محظوظة، ومثلها تركيا، رغم معايير الدولتين القوميتين.
بالتالي، ستكون الإستنزافات الخليجية المتبادلة لصالحهما فقط. بمعنى آخر، سيصعب على قطر تصحيح علاقاتها المضطربة والمضطرمة مع شقيقاتها في الخليج. كما سيكون النشاط محتدماً بين الضفتين في ساحة السياسات الخارجية. وستستغل أمريكا الوضع المتصلب لصالحها مستثمرة عناد البدو، وأما ما هو ممكن اليوم من حلول، فلن يكون متاحاً غداً. كذلك، فإن تفكير تركيا وتفكير إيران تجاه الأزمة السعودية القطرية هو الذي سيحدد نوعية الخطوات التصعيدية السعودية التالية تجاه قطر. إنها بداية مرحلة الغضب السعودي الإماراتي على قطر، ولن تنتهي على خير.
وبالنسبة لانعكاس الصراع في اليمن، فإن مسؤولين في حكومة «الشرعية» مع قطر سيتم تغييرهم قريباً. أما إذا لم تحل مشكلة قطر والسعودية سريعاً، ولا أظنها ستحل إلا بطرف ينهي طرفاً، فإن هادي و«الإصلاح» سيتباعدان. وبالمقابل، فإن صالح وهادي سيتقاربان، لأن الحوثي وصالح سيتباعدان، ولأن الحوثي و«الإصلاح» سيتقاربان أيضاً، في حين أن حراك الإمارات وحراك إيران سيتصادمان بالضرورة، لكن لصالح طرف السعودية في النهاية.
ولقد آن للجميع معرفة حجم قطر وقدراتها وحجم السعودية وقدراتها بالمكشوف. لكن في السياسة الدولية للصراعات، ليس البقاء للأقوى أو الأجمل وإنما للأذكى.

خليك معنا

آخر الأخبار

مرحبا بعودتك!

تسجيل الدخول إلى حسابك أدناه

استرداد كلمة المرور

الرجاء إدخال اسم المستخدم أو عنوان البريد الإلكتروني لإعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك.

أضف قائمة تشغيل جديدة