يَبدو أن العربية السعودية، ستَكون أمام تحدٍّ جديدٍ، يُضاف إلى قائمة الصعوبات، أو العقبات التي تواجهها سواءً فيما يتعلّق بأزمتها “الحازمة” في اليمن، أو ورطتها في تمويل مُعارضة فشلت في إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو حتى الدّعاوى المُتوالية، والتي تَرفعها عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ضمن ما يُعرف بقانون “جستا”، والذي يَسمح لضحايا حادثة البرجين الشهيرة، برفع قضايا على الحُكومات المُتورّطة بدعم “الإرهاب”، ولا ننسى العداوة مع إيران، والأنباء التي تتحدّث عن وساطة مع الأخيرة تُسارع إليها سُلطات بلاد الحرمين.
الجديد في عقبات والتحديات التي تُواجه المملكة هذه المرّة والمُتراكمة حقيقةً، كلام وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في تقرير للخارجية الأمريكية عن أوضاع الحُريّات الدينية، الذي عبّر فيه الوزير تيلرسون، عن قلق بلاده “المُتزايد” من وضع الحُريّات الدينية في السعودية، كما دعا الرياض إلى تبنّي “قدرٍ كبيرٍ” من الحُريّة الدينية، لجميع مُواطنيها.
وأضاف تيلرسون، أن ما يُثير القلق “بشكلٍ خاص” هو الهجمات التي تستهدف “الشيعة” في المملكة واستمرار نمطٍ اجتماعيٍّ من التمييز ضدهم، ويأتي كلام الوزير ضمن تقرير اعتادت الولايات المُتّحدة الأمريكية إصداره منذ العام 1999 سنويّاً، يَرصد فيه أوضاع الحُريّات الدينية في العالم.
اللافت في كل هذا، أو العجيب أن العربية السعودية تُقدّم نفسها على أنها الحليف العربي الأقرب والمُحبّب، إلى الولايات المُتّحدة الأمريكية، كما أنها قدّمت الغالي والنفيس لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارته الأخيرة لها مع “الجميلتين” زوجته ميلانيا، وعلى وَجه الخُصوص ابنته إيفانكا، وحمل ما حمل من أموال طائلة من خزينة المملكة النفطية، ليأتي وزير خارجيته “بكل بساطة” ويَنتقد أوضاع الحُريّات الدينية عند حَليفته (السعودية)، والتي من المَفروض أنها “حصّنت” نفسها من الانتقاد الأمريكي، كحليف تاريخي قديم أوّلاً، ودافعة جزية أو مُقابل بقاء نظامها ثانياً.
لم يكتفِ وزير خارجية إدارة الرئيس دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الأكثر حَظوةً ودلالاً عند السعوديين، بتوجيه نقد بلاده لوضع للحُريّات الدينية في السعودية، وهو يُشير بالطّبع وإن لم يذكره إلى ما يتعرّض له من مُعاملة درجة ثانية وثالثة وحتى غير إنسانية أصحاب الديانات الأُخرى، وتحديداً غير السماوية، والجنسيات “الأقل تقديراً”، هذا بالإضافة إلى المُلحدين، والمُرتدين، وغيرهم من المُعارضين وأصحاب الرأي الحُر الذين “تُلفّق” لهم تُهم التطاول على الإسلام لغايات “انتقامية” أُخرى، وكل هذا يُمكن إدراجه ضمن ما “يُقلق” الإدارة الأمريكية، وتُدرجه ضمن “الحُريّات الدينية”، والذي دعت الرياض إلى تبنّي “قدرٍ كبيرٍ” منها.
السلطات السعودية، ووفق الصور ومقاطع الفيديو “المُوثّقة” القادمة من هناك، هاجمت حي المُسوّرة في منطقة العوامية التابعة لمُحافظة القطيف ذات الغالبية الشيعية ضمن حملة أمنية، وبرّرت السلطات “هُجومها” الدموي الذي استهدف “السكّان الآمنين”، وشرّدهم من مَساكنهم، بأنه حملة لإعادة إعمار الحي وتجديده، وبعد أن أنهت “عمليتها”، جلبت وسائل إعلام محليّة وعالمية، لتُطلع العالم بعد إنهاء “جريمتها” بحق الشيعة، على ما تزعم أنه جرى، وعلى العالم بالطّبع أن يُصدّق مزاعمها.
العملية الأمنية الدموية التي تمّت في حي المُسوّرة، كان هدفها الحقيقي إخلاء الحي التاريخي من ساكنيه “الشيعة”، ومسح أي أثر لهم، وبالفعل حصل ما كانت تُريده السلطات هناك، وتحوّل الحي إلى مجموعة منازل مُدمّرة، كما لو أننا في ساحة حرب، وبحسب مُراقبين فإن العملية الأمنية تمّت بضوء أخضر أمريكي، وبمُوافقة الإدارة الأمريكية الحاليّة، والتي توجّه سِهام نقدها في تقريرها السنوي للحُكومة السعودية.
نعتقد، أن الإدارة الأمريكية تبحث لها عن مصدر “ابتزاز″ واستغلال جديد للعربية السعودية، وخزينتها المالية التي يُقال أنها لا تنضب، وهي برغم مُوافقتها أو إعطائها الضوء الأخضر لحليفتها (السعودية) لمُهاجمة “الشيعة”، يَخرج وزير خارجية أمريكا، ويقول أن ما يُثير قلق بلاده “بشكلٍ خاص”، وضعوا تحت “بشكلٍ خاص” مليون خط، هي الهَجمات التي تستهدف “الشيعة”، إلا إذا كانت إدارة ترامب تُعاني من الانفصام.
خِتاماً، الولايات المُتّحدة ستُواصل “ابتزازها” المالي للحُكومة السعودية بشتّى الطّرق، وهي “لا يُقلقها” أوضاع الحُريّات على كافّة أنواعها “البائسة”، والمُمتد لأكثر من ٨٠ عامّاً في تلك البلاد الصحراوية، وبالتأكيد ما تتعرّض له الطائفة الشيعية الكريمة في بلاد الحرمين من تمييز وظُلم وتهميش، آخر ما يهمها لأنه ليس وليد اللحظة، أرجوكم، إفهموا، واستوعبوا جيّداً، أمريكا لا ترى في حليفتها السعودية، إلا بقرةً حلوب وجب حَلبها، ليأتي اليوم الذي تُحلّل فيه ذبحها، إلا إن قرّرت البقرة ذات يوم أن تُصبح ثَوراً، وهذا ما نَرجو أن يَحدث سَريعاً!