اكتست شوارع الرياض بالاعلام الأمريكية ، ووزع المسؤولون السعوديون التصريحات ذات السقف المرتفع تجاه طهران مع اقتراب وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض لعقد ثلاث قمم متتالية مع السعودية وقادة دول الخليج وقادة من العالمين العربي والإسلامي .
النفس السعودي في العبارات السياسية والمستخدمه يشي بأنها تحقق التفوق الذي يحسم معركة التنافس مع إيران في المنطقة . التحليلات في الصحافة الخليجية تذهب بعيدا جدا في أهمية هذه القمم ونتائجها .
لكن هذه المعنويات والتعويل عال السقف سرعان ما سوف يخبو تدريجيا بتقديرنا مع نزوله إلى أرض الواقع .ترامب لايملك عصا سحرية لتحقيق رغبات الرياض كلها ، وأوراق السياسية والعسكر في المنطقة تفرض تأثير القوى ومكانتها والتعامل معها .
وما يفكر به الأمريكيون عادة هو أن يسير الحلفاء وخاصة من العرب في مسارهم واستراتيجياتهم وليس والعكس . والاستراتيجيات الأمريكية تحكمها المصالح وتحقيق الأهداف وفق معطيات قائمة ، ولا اعتبار للانتقام أو الحقد أو الكيدية.
إن تصوير الرياض حضور عدد من القادة العرب والمسلمين إلى القمة مع ترامب على أرضها وكأنه تتويج لها لقيادة هذه الدول نحو ما تريده ، يشبه إعلان المملكة عن التحالف العسكري لسبعة عشره دولة لخوض الحرب في اليمن ، تبين فيما بعد أنها وحدها في تلك الحرب المدمرة مع الإمارات وبعض الجنود من السودان تدفع المملكة مقابلا ماليا لمشاركتهم.
نعتقد أن الاستعراض الإعلامي كبير ، والنشوة مرتفعة ، لكن في نهاية المطاف سوف يتبادر إلى الذهن الثمن الذي سوف تدفعه المملكة تجاه طلبات الرئيس الأمريكي في ملفات تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بالعلاقة مع إسرائيل . ومدى قدرة الولايات المتحدة على فرض إرادتها على قوى في المنطقة لديها قناعة تامة بأنها استطاعت في محطات عديدة إفشال المخططات الأمريكية، وفي ظروف أصعب من الوضع الراهن . ولعل أشارة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إلى مؤتمر شرم الشيخ في 13 مارس 1996 في خطابه الأخير دليل على أن تلك القوى لا ترى جديدا يقلب المعادلة جذريا .
الملاحظ من خلال السنوات القليلة الماضية وخاصة بعد وفاة ملك السعودية السابق عبد الله بن عبد العزيز، ان المملكة تخلت عن سياسية الحكمة والهدوء والحوار ، وتبنت بالعهد الجديد سياسية الاندفاع والعاطفة والتسرع، وهذا كان له نتائج في الراهن ، وسيكون له نتائج أكبر في المستقبل.
الحماس والاندفاع من خلال التعويل على إدارة أوباما للقيام بعمل عسكري يحسم الوضع في سوريا أدى إلى خيبة أمل ، ليس لدى السعودية وحدها بل انعكس على قوى عسكرية في الميدان السوري ، أخذت منذ ذلك الوقت تتقهقر وتنحسر إلى اليوم . كما أن سياسية خفض أسعار النفط للتأثير في الاقتصادين الروسي والإيراني ، جاءت بنتائج عكسية على اقتصاد الرياض . أما حرب اليمن فكانت الخيار الاوضح لتنبي سياسية الاندفاع والاستعجال والعاطفة . تلك الحرب لم تنجز شيئا حتى الآن ، سوى دمار اليمن وتجويع شعبه وقتل أطفاله بالصواريخ أو الأوبئة أو نقص الغذاء . في حين تطغى الخلافات بين حلفاء الأمس كما هو الآن في عدن ، ويجد تنظيم القاعدة نفسه بوضع أقوى في ظل الفوضى بالبلاد . وينعدم الأمن في معظم المناطق السعودية على الحدود مع اليمن .
واليوم تبدو المملكة بقمة النشوة والاستعجال لاستعمال العصى الأمريكية ضد خصمها على ضفة الخليج الأخرى ، وتبدو جاهزة لدفع إثمان ذلك من اقتصادها وأمنها وتاريخها وهي تجرف الطريق لتطبيع العرب مع إسرائيل، طالما هذا يصب في نهج المواجهة مع إيران ، وكأنها على يقين من أن قمم ترامب ستخرج لها الزير من البير دون حساب للاثمان التي ستدفعها لاحقا جراء هذه السياسية المتعجلة والخطرة.
سينجلي غبار القمم وتبقى الوقائع على الأرض ، فهناك قوى ذكرتها آنفا ، خبرت التعامل مع الادارات الأمريكية المتعاقبة وسياسياتها الصقورية والحمائمية على حد سواء ، ولديها قناعة تؤمن بها وتعمل عليها بهدوء ورأس بارد ، وهي أن العالم لا يحترم إلا القوي ولا يتعامل إلا مع الوقائع المفروضة على الأرض . أما الضعفاء فهم أوراق لتحقيق الاستراتيجات الكبرى لصالح القوى الكبرى فقط . متى ندرك نحن العرب هذه الحقيقة . نريد الخير للملكة السعودية وشعبها العربي الطيب ، ونكرر النصيحة دون أن ننتظر منهم جملا عليها ، لأننا نعتقد أن هذا المسار الذي تتبناه المملكة اليوم سيجلب لها الندم غدا .