الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
تقدم المقالة التالية عرضاً موجزاً حول صناعة الطباعة ونقل النصوص العلمية الإسلامية، وكيفية تأثير الطرق المادية التي تم بها النقل على استقبالها وتأثيرها في كل من العالم الإسلامي وأوروبا.
توثق المقالة بشكل خاص آثار وجود صناعة الطباعة في العالم الإسلامي، وذلك قبل عدة قرون من اختراع الطباعة بواسطة جوتنبرج في القرن الخامس عشر.
نقل النصوص:.
يهدف هذا العرض التقديمي المختصر، إلى توضيح بعض النقاط حول نقل النصوص العلمية، وكيف أثرت الوسائل المادية التي تم بها هذا النقل على كل من العالم الإسلامي وأوروبا.
يُقال أحياناً إن الأدب والثقافة التعليمية الإسلامية كانت تعتمد في البداية على النقل الشفهي، مع استخدام الكتابة فقط، وذلك لتثبيت وتعزيز النصوص المنتجة في سياق المحادثة المباشرة بين المعلمين وزملائهم وطلابهم.
قد يكون ذلك صحيحاً فيما يتعلق بالنصوص الدينية والقانونية والأدبية؛ لكن الأمر يختلف مع الأطروحات العلمية.
تعتمد العروض التقديمية المفصلة للبيانات، والحسابات والرسوم البيانية بشكل أساسي على الكتابة والتدوين على وسط ثابت أو شبه ثابت على الأقل.
ولابد أن تدريس المواد العلمية قد تضمن استخدام الأقلام والورق كما تم تصويره في بعض المنمنمات.
هدية صناعة الورق:.
في البداية؛ استخدم القدماء بعض المواد مثل البردي والرق ، لكن المسلمين قاموا بتقديم أعظم الهدايا للمتعلمين والعلماء ألا وهي الورق.
أُنتِج الورق بشكل أساسي في الصين ، وكان يتميز بسهولة الحمل كما أنه يمتاز بكونه شديد التحمل، وسرعان ما انتشر على نطاق واسع لكل أشكال النصوص المقدسة وغيرها.
تم تأسيس العديد من مراكز إنتاج الورق عبر العالم الإسلامي، وانتقلت التقنية الخاصة بهم في النهاية إلى أوروبا المسيحية.
لم يكن الورق فقط سهلاً في الاستخدام والتخزين والنقل، ولكن الأكثر أهمية من ذلك أنه كان أرخص سعراً من البردي والرق، ربما لأنه كان يُصنع من مواد مُعاد تدويرها.
وفي حين تطلب إنتاج نسخة واحدة من القرآن الكريم مكتوبة على الرق ما يقرب من جلود 300 من الأغنام؛ فإن إنتاج كمية مماثلة من الورق تتطلب وقتا وتكلفةً أقل بكثير.
أدى هذا إلى تغيير إنتاج الكتب، وجعل من الممكن زيادة إنتاج كتب المخطوطات بطريقة لم يسبق لها مثيل في أوروبا في ذلك الوقت.
المكتبات:.
وُضعت العديد من هذه الكتب في المكتبات، حيث كان بإمكان الدارسين الذهاب هناك ومراجعة النسخ، حتى لو لم يكن بإمكانهم إمتلاكها.
بهذه الطريقة ، تم إنشاء ثقافة جديدة للكتب – شارك فيها الرجال والنساء على نطاق واسع كما تشهد العديد من المصادر التاريخية.
لعبت سهولة إنتاج الكتب دوراً حيوياً في إنشاء ونقل النصوص العلمية والحسابية، وتمكن العلماء المسلمون من تسجيل ورسم نتائجهم ونظرياتهم في مجالات عديدة مثل الطب، والصيدلة و علم التغذية.
بعد ذلك؛ أصبح من الممكن إنتاج العديد من النسخ بواسطتهم أو بواسطة الخطاطين الآخرين ، وإتاحتها للباحثين المعاصرين واللاحقين، والذين يمكنهم بدورهم استخدامها كأساس للمزيد من التقدم في المعرفة.
ولكن بالرغم من أن هذا كان يُعد ثورة بسيطة في وسائل نشر المعرفة، فإنه كان هناك بعض القيود الصارمة.
كانت النصوص العلمية متوفرة فقط في بضع عشرات من النسخ، كما كانت المخطوطات تُفقد بشكل متكرر أثناء الحرائق والفيضانات والتدمير الوحشي أثناء الحروب والاضطرابات المدنية.
وقد عانت بعض المكتبات من التدمير، لذلك فقد ظل التقدُم المعرفي هشاً للغاية.
ثورة الطباعة .. ولكن!
كانت الثورة الكبرى التي من شأنها أن تؤدي إلى الانتشار الواسع والحفاظ على الإنجازات الفكرية للعلماء المسلمين على وشك الحدوث، وهي ظهور الطباعة في العالم الإسلامي والتي سمحت بالإنتاج الفوري لمئات بل وآلاف من النسخ الفورية الدقيقة من النصوص والرسوم وبالتالي إمكانية نشرها على نطاق واسع والحفاظ عليها.
نشأت الطباعة أيضاً في الصين ، لكن اعتمادها خارج شرق آسيا عادة ما يُنسب إلى جوتنبرج في القرن الخامس عشر في أوروبا.
لكن هذا ليس صحيحاً حيث أن المسلمين في مصر وربما في أماكن أخرى كانوا يستخدمون الطباعة منذ القرن العاشر.
توجد العشرات من الأمثلة محفوظة في المكتبات والمتاحف، ولكن حتى وقت قريب كانت تتعرض للتجاهل من قبل العلماء .
هذه الظاهرة هي مثال على التاريخ المفقود للعلوم والتكنولوجيا قبل 1000 عام.
العالم الإسلامي يهدي الورق لأوروبا:.
بالرغم من ذلك ، فإن المسلمين لم يستخدموا الطباعة لإنتاج الكتب أو لتمديد النصوص بأي شكل حتى القرن الثامن عشر.
أخذ الأوروبيون هذا التحدي على عاتقهم منذ القرن الخامس عشر، ولم يكن ممكناً لهم أن ينجحوا في الطباعة من دون الهدية التي قدمها لهم المسلمون وهي الورق، والذي وصل إلى أوروبا من العالم الإسلامي عبر إسبانيا وإيطاليا.
نهضة الطباعة في أوروبا:.
تضمنت المطبوعات الأوروبية الأولى أعمال العلماء المسلمين من أمثال “ابن سينا” و “البتاني” و “الرازي” وغيرهم ممن كانت أفكارهم واكتشافاتهم غاية في الأهمية في دعم الثورة العلمية والفكرية للنهضة الأوروبية.
وقد تُرجمت تلك الكتابات إلى اللاتينية وبعد ذلك إلى العامية الأوروبية، ثم نُشرت ووُزعت عبر الأوساط العلمية الأوروبية فيما عُرف بعد ذلك بإسم “جمهورية الحروف” .
لم يكن هذا التأثير الهائل لتلك المخطوطات سيحدث بدون وجود الطباعة في الواقع ، تُرجمت بعض نصوص العلماء المسلمين مثل كتاب القانون لابن سينا في العصور الوسطى، لكنه لم يكن ليشارك في الثورة العلمية الأوروبية إذا اقتصر بقاؤه على المخطوطة فقط.
منذ القرن السادس عشر، لم تكن التراجم فقط هي التي تُنشر، ولكن أيضاً عدداً متزايداً من النصوص العربية الأصلية نفسها. لهذا الغرض طور صائغو الحروف تقنيات صعبة لقص وصب حروف الأبجدية العربية كأشكال متحركة.
لم تكن النتيجة دائماً جميلة، لكنها مكنت عدداً متزايد من العلماء العرب الأوروبيين من الوصول إلى تلك النصوص الأصلية للتراث العلمي الإسلامي.
وفي الوقت نفسه ظلت المخطوطات تُستخدم ذات الاستخدام في العالم الإسلامي.
كانت ثقافة الكتابة في العالم الإسلامي أكثر انتشاراً ورسوخاً من أوروبا المسيحية، وكان المسلمون أكثر ارتياحاً في استخدامها من الأوروبيين، لذا لم يروا أن هناك حاجة فورية لإنشاء مطابع لاستخدامها في الطباعة حتى بعد قيام الآخرين بذلك.
ساهم هذا الرفض على المدى الطويل في إنخفاض مستوى الإنتاج الفكري بالنسبة لأوروبا ليس أقلها مجال العلوم والتكنولوجيا.
لم يكن هذا هو العامل الوحيد لانتقال القيادة العلمية من المسلمين إلى الأوروبيين في القرن السادس عشر، ولكن لا يوجد أدنى شك أن الطباعة قد مكنت الثورة العلمية في أوروبا، حتى لو لم تسببها ، وأن نقص وجودها في العالم الإسلامي قد قيَّد التطور العلمي هناك.
نشأة الطباعة في أوروبا
بحلول القرن الثامن عشر، أصبحت كل من الطبقات الحاكمة وبعض المفكرين في السلطة الإسلامية الرائدة بين الدول المجاورة لأوروبا ، و الإمبراطورية العثمانية ، على دراية بهذا التناقض ، واتخذت تدابير لتصحيح ذلك من خلال إنشاء مطبعة خاصة بهم وهي مطبعة المتفرقة الشهيرة والتي بدأت في عام 1728.
ومن الجدير بالذكر أن من بين الكتب التي أنتجتها عدد من الأعمال العلمية المصورة مثل صورة العالم (بالتركية : جهان نما) وهي أطروحة كونية كتبها المؤرخ التركي الشهير كاتب جلبي.
نفس الشيء كان صحيحاً بعد قرن من الزمان، وذلك عندما أُنشئت أول مطبعة إسلامية في مصر وهي مطبعة بولاق.
نُشرت بعض الأطروحات حول الفيزياء المعاصرة وتطبيقاتها في عام 1838 م ، وكانت مُترجمة من أعمال أوروبية، ومن جديد نرى ما حدث منذ 1000 عاماً حيث تدخل المعرفة الخارجية إلى العالم الإسلامي بواسطة مترجم عربي مسيحي.
وكما حدث في العصور المبكرة، تلى ذلك وجود أبحاث علمية أصلية بدأت مجدداً في شغل مكانها الصحيح في المسعى الفكري الإسلامي بعد فترة طويلة من الركود النسبي.
استمر هذا عبر ثورة الاتصالات في العصور الحديثة إذا كنت تبحث في الإنترنت الآن عن آخر المساهمات العلمية ، فسوف تجد من بين مؤلفيها العديد من الأسماء المسلمة.
خليك معناالمصدر:
موقع تاريخكم