لم يكتف الإعلامي اليمني، عبده جميل المخلافي، بجرم التطبيع مع العدو، بل أرسل ببيان إلى «العربي»، لا لنشر اعتذار، بل لـ«تبرير» ما اقترفه بمشاركة وفد عربي زار برفقته الأراضي الفلسطينية المحتلة. يريد المخلافي، حامل الجنسية الألمانية، بكل وقاحة وصلف، شرعنة خطوته التطبيعية، التي تقدم خدمات مجانية للعدو الإسرائيلي، ظناً منه أن «حق الرد» يخوله نقاش الخيانة كوجهة نظر يمكن أن ينقسم عليها الرأي العام العربي واليمني.
اللافت أن حامل لقب «دكتور»، يؤكد في رده قيامه بزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة «بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية» وبصفته «كأكاديمي وصحافي حر، وذلك ضمن مجموعة من الصحافيين ينتمون لدول مختلفة».
ويتابع مفاخراً بما قام به: «حرصاً مني على الشفافية والعلنية ولأنه ليس لدي ما أخفيه أو أخجل منه، فقد قمت ـ على عكس ما يتبعه الكثيرون ـ بالإعلان على صفحتي على فايسبوك عن هذه الزيارة فور وصولي إلى تل أبيب». ويضيف المخلافي في حفلة رده التبريري: «هذه الزيارة هي قرار شخصي اتخذته بمحض إرادتي كمواطن ألماني يتمتع – وفق دستور بلاده – بحق وحرية السفر إلى كل أنحاء العالم، وبأني في رحلتي هذه لم أمثل أي جهة وليس لأي جهة رسمية أو غير رسمية في ألمانيا أو اليمن علاقة بذلك»، مبدياً أسفه وحزنه على «ما ذهبت إليه بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي العربية في تحميل هذه الزيارة أكثر من حجمها من خلال الضجة الإعلامية المبالغ فيها والتغطية المتحيزة وغير الموضوعية والتي أيضاً تم توظيفها كل حسب رغبته وأهدافه. كما ونسبت لي تصريحات لم أقلها وهي محض افتراء، إذ لم أدل بأي تصريح لأي وسيلة إعلامية. وآمل أن تنتهي هذه الضجة، التي لا أرى أنا شخصياً أي مبرر لها».
ومن ثم يبدي الدكتور المخلافي «انزعاجه» كذلك من خبر عن إدراج الوفد المطبع على «القائمة السوداء»!
إذاً، لا يرى المخلافي «مبرراً» لانتقاده هو وحفنة المطبعين العرب، وهو بهذا التصريح يكشف عن وقاحة استثنائية تصل حد «الانزعاج» من النقد الموجه لزيارته فحسب، لا طلب إنزال العقوبة بحقه! ولربما مرد هذا المنسوب من الوقاحة غياب العقوبة الرادعة في الدول العربية لمقترفي جرم التطبيع، بل مسارعة حكومات في المنطقة إلى إقامة العلاقة مع العدو، في السر والعلن. ويقول في الأعلى: «تحميل هذه الزيارة أكثر من حجمها»، علماً بأنه نشر صورة له على صفحته في «فايسبوك» وهو يضحك مصافحاً المتحدث باسم جيش الاحتلال، وأرفقها بتعليق: «المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي الرائد #أفيخاي_أدرعي، أشهر من نار على علم في الإعلام العربي ومواقع التواصل الاجتماعية»، فهل اللقاء بأدرعي، وجه جيش الاحتلال وجرائمه وعدوانه، تعد ضمن أسباب الزيارة التي يشرحها في رده، بالقول: «زياتي هذه لإسرائيل ليست استفزازاً لأحد ولا هي موقف مع أو ضد أي طرف ولا محاباة لأي طرف على حساب طرف آخر، وإنما الغرض منها كان الاطلاع عن كثب على طبيعة الحياة داخل هذا البلد».
يظن المخلافي أن «علنية» الزيارة تبرر هذا الفعل الخياني، لليمن والأمة والقضية الفلسطينية. ويحاول حرف الأنظار عن جريمته بنقاش أنه لم يدل بتصريحات صحافية أثناء الرحلة، وكأن المشكلة معه في ما صرح أو قال، متجاهلاً أن زيارته بحد ذاتها جرم تطبيعي يستحق عليه العقوبة، اللهم إلا إذا قرر المخلافي التخلي عن هويته اليمنية أو العربية.
لم يحد فاتح عهد التطبيع اليمني، على وقع هرولة دول عربية للتطبيع، عن مبررات أسلافه العرب الذين سولت لهم أنفسهم الإرتماء في أحضان الإسرائيليين، مقدمين خدمات للعدو، من خلال فك العزلة العربية عنه. لكن التجارب تؤكد أن المهرولين إلى التطبيع، حتى لو فلتوا من العقوبة المستحقة بحقهم، وأصروا على جريمتهم ولم يعتذروا للرأي العام العربي واليمني، فإن مكانهم مزبلة التاريخ، وستلفظهم الشعوب العربية، ولو جارتهم الحكومات وحمتهم.
تؤكد التجارب أيضاً أن النجاح العربي في الغرب لا يحتاج إلى هذا الانبطاح، ولو كان الطريق إلى المناصب أو الجوائز أو الشهرة أسرع من خلال الحصول على رضى اللوبيات الصهيونية. لكن، مقابل التمسك بالمقاومة تقدير في عيون أمة عليها واجب الوفاء أيضاً لآلاف العرب الذين حصدوا مناصب آكاديمية وسياسية واجتماعية وشهرة ونجاحات في دول الغرب، من دون أن ينحنوا أمام مغريات الاتصال بالعدو وإعطاء صك الشرعية لاحتلاله، والوفاء الأكبر لآخرين من أصول عربية نشطوا من مواقعهم في هذه الدول للضغط لدى الحكومات التي يحملون جنسيتها لاتخاذ قرارات ضد العدو الإسرائيلي. أما الأعجب من كل هؤلاء فهم شريحة كبيرة من المواطنين الغربيين الأصليين، الذين نشطوا ضد إسرائيل ورفضوا زيارة الأراضي المحتلة، وهم لا رابطة لهم بالعرب، سوى رابطة الإنسانية ورفض منطق الاحتلال وجرائمه.
وبدل أن تبرر لنفسك وللحكومات العربية التي تنفي قيامك بالزيارة / الجريمة بتوجيه منها (وهو ما لا يبرؤ هذه الحكومات من جرم التطبيع المكشوف)، الأجدى بك يا دكتور، هو: الإعتذار… ولا شيء أقل من الاعتذار!
خليك معنا