الصباح اليمني_قراءات|
إختلفت التوقعات من القمة التي دعت اليها الرياض، لتكون الإجتماع التاسع والثلاثين لزعماء “مجلس التعاون” للدول العربية المطلة على الخليج الفارسي، في ظل الأجواء المشحونة في الدول الأعضاء، والتي باتت مستاءة من الأزمات المفتعلة إقليميا قبل غيرها، حتى اوصلها الى حالة إنشطار المجلس الى شطرين، ويبقى مهزوزا تغدو وتروح به العواصف ورياح التغيير، التي تجري بما لاتشتهي سفن الزعماء التقليديين.
وازدادت المخاوف من القمة، حتى وصفها بعض نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي بـ”الغُمة” المخيمة على دول المجلس والتي باتت تهدد اجتماعه بالفشل رغم صدور دعوة بخط الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد لحضور القمة، بعد مقاطعته وفرض حصار جائر على بلاده بأمر من السعودية نفسها قبل حوالي ثمانية عشر شهرا.
واستمرت المخاوف حتى لحظة انعقاد القمة، التي تغيب عنها سلطان عمان، بسبب النحول والكسل نتيجة التقدم في السن، وإطمئنان دولة قطر بعدم جدوى “القمة الصورية” التي لاتريد حتى التطرق الى حلحلة الأزمات التي تعصف بالمنطقة. ما أثقل كاهل القمة التي باتت تحاول الإبتعاد عن جوهر الأزمات والرمي بالمشاكل خارج الساحة.
فالسعودية التي حاولت التعتيم على المشاكل التي افتعلتها مع دولة قطر بادرت لإطلاق سراح المواطن القطري “أحمد خالد مقبل” الذي اعتقلته إبان اندلاع الأزمة مع قطر، قبل يومين من إنعقاد القمة، لتشكل هذه الخطوة الى جانب خطوة توجيه الدعوة الرسمية من قبل الملك السعودي نفسه، ركيزتين اساسيتين لإجتياز الحقبة العصيبة مع دولة قطر على الظاهر. لكن غياب الأمير القطري والإكتفاء بتمثيل بلاده بوزير دولة للشؤون الخارجية، أحبط المحاولات السعودية الصورية، الأمر الذي ابقى الباب مفتوحا أمام التصعيد السعودي القطري، بل بين كل الدول الأعضاء في “مجلس التعاون” المتهالك اساسا.
على أية حال باتت التوقعات متباينة حول إنعقاد “القمة الغُمة”، حتى إنطلقت أعمالها صبيحة يوم الاحد التاسع من كانون اول/ديسمبر الجاري ليقوم الملك السعودي وإعلامه بتجاهل الحضور القطري في القمة، وتقتصر جلسة الإفتتاح على كلمتين، الاولى لرئاسة الدولة السابقة والثانية لرئاسة الدولة الحالية، دون أي إشارة للكوارث الإنسانية التي تعصف باليمن والحصار على دولة قطر العضو في المجلس.
وهنا لا نريد التطرق الى ما دار من حديث شجون بين الزعماء المتهالكين على البقاء في السلطة داخل إجتماع القمة التاسعة والثلاثين، لأن تاريخ المجلس كفيل بالإفصاح عما قدمه المجلس من خدمات للدول الاعضاء فيه او للمنطقة برمتها !!!…
وما نريد الإشارة اليه هو عمق الوقاحة التي بلغها مدونوا البيان الختامي الذي إتسع لأثنين وسبعين بندا، دون التطرق بحرف واحد الى الاسباب الحقيقية للكوارث التي تعصف ببلدان المنطقة وحتى الدول الإعضاء في المجلس، وعلى رأسها الكوارث المتتالية تتوالى على اليمن وشعبه بسبب عدوان التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن، والحصار الذي تسببته السعودية أيضا على دولة قطر قبل اكثر من سبعة عشر شهرا. بل راح البيان يؤكد على ضرورة تشكيل قيادة عسكرية خليجية موحدة لتنفذ القرارات المتخذة لمواجهة التهديدات المحتملة دون تسميتها، او ذكر الجهة التي قد تهدد هذا التحالف الجديد الذي تكون امريكا اهم اطرافه المتحالفة، وايران الوجهة الرئيسية المستهدفة له !!!…
والأغرب من كل ذلك ان البيان يدعو وبكل وقاحة الى دعم القضية الفلسطينية – التي راهنت السعودية على إنسائها ومحوها من التاريخ عبر محاولات إنجاز ما يسمى صفقة القرن مع سمسار البيت الابيض الأمريكي المتصهين دونالد ترامب، وكذلك دعم “الدولة اليمنية”.
ولاندري هنا عن اي دولة يتحدثون، عن تلك التي استقال مجبرا رئيسها بعد حبسه في السعودية، حتى أوكل الأمر مؤقتا الى نائبه عبد ربه منصور هادي، والذي استقال بدوره من منصبه بسبب الضغوط المتواصلة عليه من السعودية، وبات مستقيلا في اليمن حتى تم تهريبه خلسة الى اليمن بعد شهر من استقالته، أم عن تلك الدولة اليمنية التي إتفقت على تأسيسها مختلف التيارات والمكونات الشعبية في صنعاء وراحت تقصفها السعودية على مدى اربع سنوات الماضية.
على أية حال إنتهت “القمة الغُمة” وظلت مواقفها المشبوهة تطرح اكثر من تساؤل على الطاولة، فعلى سبيل المثال إنتقد وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، غياب الامير القطري عن القمة التي اسماها في تغريدة له على تويتر بـ”قمة الخير والموقف الواحد” دون أن يشير الى الكوارث التي تسببتها القمم السابقة لبلاده واليمن وقطر. ما حمل مدير المكتب الإعلامي بالخارجية القطرية احمد الرميحي ليرد عليه عبر صفحته على تويتر بالقول: “قطر تملك قرارها وحضرت قمة الكويت في حين غاب حكام دول الحصار عن الحضور، وقطر لا تحتاج نصائح من دول تبع”.
وانتقد المسؤول القطري، البيان الختامي لقمة الرياض، بسبب عدم مناقشة المجتمعين، لحيثيات الأزمة الخليجية وسبل معالجتها. وكتب في “تويتر”: “ما سبب عدم مناقشة القمة للأزمة الخليجية؟ وما هذا البيان الختامي الذي لم يناقش حصار قطر وسبل معالجته”؟. واضاف “على من تضحكون؟ كفاكم هذا التسطيح والقفز على المشكلات الحقيقية التي يعاني منها – مجلس التعاون”.
كما استخف الرميحي بالمؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بعيد انتهاء اعمال القمة ووصفه بالهزيل، مضيفا انه حاول تمرير ما عجز عن تمريره بالبيان الختامي للقمة في ذلك المؤتمر، وانتقد الشروط التي تحاول السعودية فرضها على دولة قطر للعودة الى مجلس التعاون. وكان الجبير قال في مؤتمره الصحفي إن “الأشقاء في قطر يعلمون ما هو مطلوب منهم للعودة كعضو فعال في مجلس التعاون الخليجي”.
ويرى المراقبون أن قمة الرياض الأخيرة وما أعقبها من تصريحات باتت اشبه بساحات سجال ونزاع يشبه حوار الطرشان، بلغت أفضل أحوالها عندما ألقى امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، كلمته التي إتسمت بشيء من العقلانية حيث قال فيها: “إن وقف الحملات الإعلامية التي زرعت بذور الفتنة والشقاق في صفوف أبنائنا، سيكون مقدمة لتهيئة الأجواء لحل الخلاف بيننا“. داعيا الأطراف المزايدة على عروبة الآخرين، بالعودة الى العقلانية وإتباع طريقة إحترام مبادئ حسن الجوار والتعامل فيما بين الدول المجاورة بالمودة خاصة الدول المؤثرة منها اقليميا ودوليا كإيران الاسلامية، الأمر الذي أزعج بعض المشاركين في القمة التاسعة والثلاثين.
ويبقى المراقبون بإنتظار التطورات التي تحيق بالدول الأعضاء في مجلس التعاون حتى موعد إنعقاد القمة الأربعين المزمع عقدها العام القادم في الامارات.
وهل ستتمكن دول الحصار فرض شروطها على دولة قطر لتعيدها الى بيت الطاعة السعودي الأمريكي؟ أم أن قطر تبقى محتفظة بقرارها القائل بضرورة إحترام السيادة القطرية ورفض الوصاية على القرار الوطني القطري؟
عبدالهادي الضيغمي _ العالم
خليك معنا