لا يستطيع منصف أن ينكر حقيقة أن الأمة العربية تعيش في هذه المرحلة أسوأ فترة من فترات تاريخها، وأن من يقومون على أمرها في أغلبهم هم الأسوأ في تاريخ حكمها. ذلك ما تؤكده، اليوم، مواقف حكام الأمة، الذين تفرغوا فقط لحماية الغرف المخصصة لنومهم (قصورهم)، وتركوا بقية أجزاء البيت (الوطن) كاحتياطي لتنازلاتهم ومساوماتهم.
لقد عاشت الأمة فترات عصيبة على مدى تاريخها، خسرت فيها جولات كثيرة، ولكنها كانت دائماً تخرج من كل جولة وهي محافظة على إصرارها على التمسك بقضاياها وحقوقها، ومعتزة بكرامتها وعروبتها، وعاقدة العزم أكثر على مداواة جراحاتها، للاستعداد لجولات معاركها القادمة. أما في سقوط اليوم المزري للأكثرية من قيادات هذه الأمة، فإن الأمر قد شهد تغيراً سلبياً كبيراً؛ فلم تكن هناك معركة بل كان هناك استسلام وتسليم مباشر دون شروط، بل ومدفوع الثمن، وعليه هدية مجانية مثلما رأينا في قمة الرياض التي دفع عرابوها ثمن حماية غرف نوم بعض قيادات الأمة، ولم يكترثوا ببقية أجزاء البيت العربي، وأعلنوا بذلك سقوط قادة الأمة في الوحل، وتسليم رأس حربة الدفاع عن كرامة الأمة، حركة «حماس»، كهدية فوق البيعة.
إن قيادات الأنظمة العربية اليوم، في أكثريتها المطلقة، باتت تفكر وتتعاطى مع شعوبها بعقلية «السيد»، الذي يمتلك حق التصرف في ما يمتلكه من عبيد وأموال كيف يشاء، وليس بعقلية القائد (ولي الأمر) الذي يحترم الشعب الذي منحه ثقة قيادته ليحافظ على عقيدته أولاً، وكرامته وسلامة أراضي بلاده ثانياً.
وتحول أولئك النفر إلى «مأموري جباية»، يريدون صناعة مجدهم ومجد غرف نومهم التي ينعتونها باطلاً ًبالأنظمة، من خلال إرهاق شعوبهم بالضرائب وغيرها من وسائل السرقة المقننة، وعجزوا عن سلوك الطرق التي سلكتها قبلهم الأمم التي صنعت مجدها بالعلم والعمل واحترام الإنسان وحقوقه، والاعتراف بأن الناس قد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
إن حالة الضعف المخجل والمهين الذي تعيشه الأكثرية المطلقة من قيادات الأمة تتطلب وقفات ومعالجات إيجابية من قبل شعوب هذه الأمة، ترفض من خلالها مسخ الأمة وجعلها مجرد مجموعة من المأجورين يقومون على حراسة ثروات ومساحات جغرافية وبحار ومحيطات ومنافذ دولية بحرية وبرية، ليحكمها ويمتص خيراتها سادة وحماة حكام غرف النوم العربية.
إن على شعوب الأمة أن تدرك أن البيعة قد تمت، وأن القدس العربية الإسلامية هي البضاعة المباعة التي سيسلمها فعلياً قادة أنظمة الذل العربي للصهاينة غداً، وأن الأزمات المفتعلة في إطار تلك الغرف العفنة ليست سوى ذر للرماد في أعين أبناء الأمة، تعميهم عن رؤية الكارثة الكبرى، وتهدف إلى استمرار فكفكة معاقل الممانعة العربية، والتخلي عنها، واتهامها بالإرهاب وغيره من مسميات أعداء الأمة التي صنعوها وصدورها لاسطبلات الحكم في غرف نوم حكام الأمة اليوم، ليحولوها بجهلهم إلى دساتير تقوم عليها خطواتهم القادمة.