الإنفصاليون في جنوب اليمن يعقدون آمالهم على الدعم الإماراتي ومحافظ حضرموت يهدد هادي بالاستقلال… وقرارات الملك سلمان تعزز من وضع ولي ولي العهد… وعلى واشنطن التعلم من سياسة كنيدي في اليمن
بقلم: إبراهيم درويش
في الجنوب اليمني هناك لعبة انفصال قيد التشكل. وحلم الوحدة الملتبسة مع الشمال يتعرض لامتحان على صفيح ساخن.
ووجد الانفصاليون في الإمارات قوة يمكنهم التعويل عليها لتحقيق حلمهم. وتعيد الأحداث الجارية في اليمن سياقات التاريخ الماضي وتجادل الأمم ومصالح الدول فقبل 139 عاماً تجنبت الإمبراطورية البريطانية شمال البلاد واكتفت بدور الحاضنة لـ 14 مشيخة متنافسة في الجنوب.
وعندما جلت قواتها عن الجنوب انفصل هذا وشكل جمهورية اليمن الشعبية التي ارتبطت بالكتلة الشيوعية وحظرت الجمهورية الجديدة على الجنوبيين التواصل مع الشماليين.
وبعد انهيار الإتحاد السوفياتي اتحد الجنوب مع الشمال في زواج تم بالإكراه استمر 27 عاماً حتى الربيع العربي عام 2011 وانزلاق البلاد لدوامة حرب أهلية. واليوم يعيد التاريخ دورته.
وفي هذه الدورة يعوّل السياسيون في الجنوب على الإمارات لتحقيق الانفصال. وفي هذا السياق تشير مجلة «إيكونومست» إلى المصاعب التي يواجهها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والمشاعر الانفصالية بين الشمال والجنوب بشكل لن يجد فيه دولة يحكمها.
استقلال
وكدليل على الدور الإماراتي في الجنوب أشارت المجلة إلى مدينة المكلا التي تم تحريرها العام الماضي بدعم من الإماراتيين. وتقول إن الميجر جنرال أحمد بن بوريك نظر من قصر الحاكم على التلة متمعناً بميناء المكلا عاصمة حضرموت أكبر محافظة في اليمن وكأنه ينظر إلى مملكته مع أنها ليست بعد.
ولم يمنع هذا الوضع بن بوريك من الاحتفال بمرور عام على طرد تنظيم «القاعدة» من المدينة التي سيطرت عليها في 2015.
وأعلن عن عطلة رسمية لكل المحافظة واستقبل آلافاً من الأعيان في مؤتمر دعا فيه للإستقلال عن باقي اليمن.
ولاحظت المجلة الصور التي توزع له وتلك المعلقة على الشوارع وتعلن أنه قائد المدينة وكذا الاستعراضات العسكرية التي نظمها.
ويلقى الحاكم الدعم من الإمارات التي قدمت له العام الماضي المساعدة الجوية والبحرية لاستعادتها من الجهاديين. ولهذا يرى أن اليمن الذي سيخرج من الحرب الدائرة منذ عامين سيكون بخارطة جديدة.
وقال للمجلة: «لا يمكننا انتظارهم حتى يحرروا بقية اليمن»، و«لو استمر النزاع لمدة أطول فسينقسم اليمن إلى دويلات».
وتضيف المجلة أن الإمارات العربية التي تحملت مسؤولية الجنوب ضمن التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين أقامت ست قواعد عسكرية عاملة في أنحاء متفرقة منه.
وفي الوقت الذي قام الطيران السعودي بالقصف من الجو أرسلت الإمارات آلافاً من الجنود للمشاركة في العمليات البرية ودربت حوالي 30.000 مقاتل يمني في داخل وخارج البلاد للمشاركة في قتال الحوثيين و«القاعدة».
قوة المال
وضخت في نفس الوقت ملياري دولار في مشاريع لإحياء الأراضي المهملة.
ونقلت عن رياض ياسين، وزير الخارجية السابق قوله «لن يحصل الجنوبيون على أي شيء لو حكمتهم صنعاء مرة أخرى». ورغم مشاعر السخط التي توحد الجنوبيين إلا أنهم يختلفون في قضايا أخرى،
ومنها الرئيس هادي، الذي يعتبر الرئيس الشرعي ويحكم المناطق التي استعادها التحالف، ولا يوجد هناك ما يشير لسلطته في الجنوب ولا الشمال.
والصورة الوحيدة له كانت على عمود كهربائي لم تمزق لأنها علقت على ارتفاع عال. وهو وإن سار تحت علم الوحدة اليمني الذي يعتقد أنه يحكم كل اليمنيين إلا أن الجنود على نقاط التفتيش يرفعون علم جنوب اليمن القديم.
ومصدر قوة الرئيس نابعة من كونه يسيطر على البنك المركزي الذي يدخر 400 مليار ريال يمني (1.6 مليار دولار) طبعت قبل وقت قريب في روسيا. ومع ذلك تجد المحافظات طرقا للحصول على موارد مالية.
وبسبب تردد هادي تحويل جزء من موارد النفط إلى المحافظات لجأ الحكام إلى طرق أخرى مثل فرض جمارك، كما فعل حاكم المكلا في الميناء، وهو ما فعلته قبله «القاعدة».
ومن خلال القيمة الإضافية التي وضعها على الوقود الموزع في البلاد بما فيها العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين يقول إنه يحصل كل شهر على 16 مليون دولار. وهدد إن لم يفوضه هادي السلطة في المحافظة بحلول إيلول/سبتمبر فسيعلن الاستقلال.
مشاكل في عدن
وفي عدن يواجه الرئيس هادي تحدياً أكبر، ففي صيف 2015 قام الحرس الرئاسي الإماراتي وحلفاؤهم اليمنيون بطرد المتمردين الشماليين الذين سيطروا على معظم المدينة. إلا أن الحروب التي اندلعت بعد التحرير قضت على فرحة الاحتفال.
ويعيش نجل الرئيس في القصر أما عيدروس الزبيدي الذي كان حتى يوم الخميس محافظ المدينة فقد سيطر على باقي المدينة.
وكان هادي قد أصدر عدداً من القرارات أحال فيها الزبيدي إلى وزارة الخارجية وعيّن بدلا منه عبد العزيز المفلحي.
وتعلق المجلة أن الزبيدي اعتمد في سيطرته على المدينة على قوة من الشرطة التي جلبها من مدينة دالي- شمال عدن حيث قامت القبائل فيها بمذابح ضد قبيلة هادي في أبين عام 1986. وقال الزبيدي للمجلة « أقوم بتجاوز الرئيس لمصلحة المدينة».
وأشارت المجلة للتصفيات التي ظهرت وسط الدمار حيث قتل أكثر من 3.700 شخص في المعارك من أجل عدن منذ عام 2015 .
وعلى خلاف المكلا بشوارعها النظيفة فالنفايات منتشرة في عدن والشعارات الجدارية في كل مكان. وتعيش المدينة التي همشتها حكومة الشمال منذ عام 1990 على النوستالجيا.
وتتذكر كيف كانت أهم ميناء في العالم العربي وكانت تفخر بأن أول مصفاة نفط أقيمت فيها . وفي العهد السوفيتي كيف كانت تعقد حفلات القات على الشاطىء.
ورغم محاولات الإماراتيين تغيير صورتها وتحسين أوضاع المدارس وتوفير أجهزة الكومبيوتر إلا أن الفتيات يخفن من الذهاب إليها فالإختطاف شائع وأصوات الرصاص في الليل والمعارك في كل وقت. وفي الوقت الذي يشعر المسؤولون بالثقة الكافية للتجول في المدينة من دون حرس إلا أن المخاطر قائمة فقد قتل محافظها السابق وتعرض المحافظ الذي عزله هادي لأكثر من محاولة اغتيال.
وينتشر علم الجنوب في كل مكان وتظهر شعارات «القاعدة».
وأدى تراجع الريال اليمني أمام الدولار لزيادة أسعار المواد الغذائية. وفي الوقت الذي كان فقر التغذية واقعاً قبل الحرب إلا أن أطباء يتحدثون عن وفاة 8 أطفال جوعا في مستشفيات عدن.
وانقطاع التيار الكهربائي مستمر رغم استثمار الإمارات أكثر من 100 مليون دولار في المولدات الكهربائية.
وأحيانا تبقى البيوت من دون كهرباء والسبب كما تقول المجلة رفض هادي دفع فاتورة الوقود. وكان الزبيدي قد اتهم الرئيس بمحاولة عرقلة جهوده لتوفير الخدمات.
وتختتم المجلة تقريرها بالإشارة لشعور الإماراتيين بالإحباط. فالمسؤولون الذين كانوا يأملون في تحول عدن لنموذج تحذو بقية مناطق اليمن حذوه يخشون من ترك الجنوب وشأنه بشكل سيؤدي لزيادة عدم الإستقرار وقد يؤثر بالضرورة على بقية شبه الجزيرة العربية.
وبالنسبة للآلاف الذين دربتهم الإمارات اختفوا بعدما اخذوا رواتبهم بشكل يجعل من مهة تعبئة قوات جديدة لمواجهة الشماليين معقدة.
ويتساءل محلل إماراتي عن السبب الذي يدعو الإمارات تقاتل حروب غيرها « لماذا نقف مع دولة فاشلة جديدة مثل جنوب السودان». وفي غياب الحكم القوي فالاستقرار يظل بعيدا وكما يرى دبلوماسي بريطاني سابق أن تحقيق الإستقرار في منطقة ما يحتاج أولا إلى إصلاح الحكم، وهو امر بعيد في الوقت الحالي.
تورط سعودي
وفي تقرير مختلف علقت فيه المجلة على قرار العاهل السعودي الملك سلمان إلغاء سياسات التقشف التي جاءت بعد عام من إعلان ولي ولي العهد عن رؤية 2030 الإصلاحية وتضمنت قطع البدلات والعلاوات التي تشكل ثلث رواتب الموظفين.
وكما هو معروف فثلثا المواطنين هم موظفون ويتوقعون حسب المجلة بدلات سنوية سواء عملوا أم لم يعملوا. لكل هذا لم تلق سياسات التقشف قبولا من المواطنين.
ومن هنا جاءت قرارات الملك لتعالج مظاهر التذمر الشعبي وتقوي من موقع الامير الذي ينظر إليه المراقبون للشأن السعودي بصفته الحاكم الفعلي للبلاد.
وبصفته وزيراً للدفاع يشرف على الحرب في اليمن والتي إن طالت ستضعف من موقعه. ولهذا جاءت قرارات الملك لتخفف من حدة الغضب والتذمر ولتعطي الأمير الفرصة للحصول على دعم الطبقة المتوسطة ضد المعارضة من داخل العائلة والأمراء الذي يفضلون ولي العهد الأمير محمد بن نايف لتولي العرش عندما يحين الوقت.
وتعلق المجلة أن التعديلات الوزارية والمراسيم التي أعلن عنها الملك في 22 نيسان/إبريل تقوي من وضع الأمير محمد، فتعيين شقيقه الأمير خالد في أهم منصب دبلوماسي في واشنطن يعزز من علاقة ولي ولي العهد مع إدارة دونالد ترامب.
فولي العهد وإن حظي بدعم المخابرات الأمريكية إلا أنها في ظل الإدارة الحالية لم يعد لها ذلك التأثير مقارنة مع وزارة الدفاع (البنتاغون).
ومع سيطرة ولي العهد على وزارة الداخلية إلا أن قرار الملك إنشاء مركز للأمن القومي تابع للقصرمباشرة يقلل من سلطات الأمير بن نايف.
وكذا قرار تعيين الجنرال أحمد العسيري المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع نائباً لمدير الإستخبارات.
وتضيف المجلة أن هناك من يتوقع إعلان الملك عن تعيين نجله ولياً للعهد وتجاوز ابن أخيه محمد بن نايف.
ومع ذلك تقلل من إمكانية حدوث هذا في الوقت القريب، مشيرة إلى الجدل الذي حدث داخل العائلة عام 1964 بمسألة الملك سعود وإعفائه من منصبه بسبب تجاوزاته الشخصية وسوء الإدارة.
وتتساءل المجلة قائلة إن كان الامير الذي رحب الممولون بمن فيهم صندوق النقد الدولي بمبادرته العام الماضي يريد تغيير المملكة أم لقبه.
درس من التاريخ
ويبقى الدور السعودي في اليمن واستمرار الحرب هناك تحدياً كبيراً. وكانت التأكيدات الأمريكية التي حملها وزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيان إشارة عن دور أوسع لواشنطن في الحرب اليمنية.
وفي مقال للمحلل السابق في شؤون الأمن في معهد بروكينغز نشره موقع «المونيتور» قارن فيه الضغوط السعودية على الإدارة للمشاركة في اليمن بطلبهم قبل 55 عاما من جي أف كيندي دعم حرب أخرى في اليمن ولكنه تجنب بحكمة الطلب.
ويضيف أن السعوديين يعلقون آمالاً كبيرة على دعم الإدارة في الحملة للسيطرة على ميناء الحديدة وتضييق الخناق على الحوثيين وأتباع علي عبدالله صالح.
وستكون هذه العملية الأكثر تعقيداً كما يقول لأن المتمردين عازمون على القتال والاحتفاظ بالميناء. ولهذا يرغب السعوديون بدعم يمنع من تحول العملية إلى مواجهة دموية.
ولهذا السبب فهم في حاجة لمعلومات استخباراتية وذخيرة ودعم بحري ودبلوماسي. ويضيف الكاتب أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما دعمت بشكل محدود الحملة السعودية رغم شكوكها من الدور الإيراني الكبير في الحرب وأن الحوثيين هم نسـخة أخـرى عن «حزب الـله». وقامت الإدارة في السنة الثانية من الحرب بالدفع في اتجاه الحـل السياسـي.
توريط ناصر
ويذكر ريدل هنا بالتدخل المصري في اليمن عندما أرسل جمال عبدالناصر قواته لدعم الجمهوريين على أمل إثارة ثورة في السعودية وإنشاء الجمهورية العربية المتحدة تحت قيادته.
وبدأت القوات المصرية في التدفق على اليمن عبر الحديدة، عندما كان ولي العهد السعودي الأمير فيصل يحضر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ودعا كنيدي الأمير لغداء في البيت الأبيض. وطلب الأمير دعما امريكيا للملكيين الذين كانوا يحصلون على دعم سري من بريطانيا.
ويقول ريدل إن الإسرائيليين انضموا لاحقاً لدعم الملكيين وورطوا ناصر في مستنقع اليمن. ولم يستجب كنيدي للطلب السعـودي وإن كان ملـتزما بالدفـاع عن الممـلكة ضد الأخطار الخارجـية وقـرر الاعـتراف بالحكـومة الجـمهورية.
ويقول ريدل إن كنيدي دعا الأمير فيصل لاجتماع خاص ومن دون مستشاريه وأخبر الأمير أن التهديد للمملكة يأتي من الداخل وتصرفات الملك سعود وفساده.
وقال له إن البلاد بحاجة للإصلاح وإلا انهارت مثل الملكية في اليمن. واتفق فيصل مع تقييم الرئيس الأمريكي ووعد بالقيام بالإصلاح وتنحية شقيقه عن العرش وإلغاء العبودية وتوسيع التعليم خاصة للبنات. ومع ذلك ظلت السعودية تواجه تحديات حيث تم وقف سلاح الجو بسبب انشقاق طياريه المستمر إلى مصر.
وحدث نفس الشيء مع الملك حسين عندما أرسل مقاتلات أردنية لإظهار الدعم. وفي عام 1963 أرسل كيندي مقاتلات امريكية إلى المملكة لمنع المقاتلات المصرية قصف مواقع الملكيين في داخل السعودية. وأطلق على العملية «السطح الصلب» وكانت هي الوحيدة لكنيدي في الشرق الأوسط فيما ابتعدت «سي أي إيه» عن اليمن. واستمرت الحرب لمدة ثمانية أعوام وتركت أثرها المدمر على اليمن.
وفي النهاية أصبح جنوب اليمن أول دولة شيوعية في العالم العربي وخسر ناصر الحرب عام 1967 وسيطر فيصل على العرش السعودي.
ويعلق الكاتب هنا على طريقة إدارة كيندي للملف اليمني التي جاءت وسط أزمة الصواريخ الكوبية وغزو الصين للهند. فقد أدار الملف ببراعة وساعد السعودية ولكنه ظل خارج الحرب.
ويعتقد ريدل أن الدرس من حرب اليمن الأولى يشير لأهمية الحديث وبصراحة مع الرياض.
أما عن الحاضر فيرى الكاتب أن تعيين الأمير خالد بن سلمان سفيراً في واشنطن يعطي الإدارة موقعاً جيداً لحوار صريح معه وحول ما يمكن لواشنطن فعله في اليمن.
وبتدخل أمريكي أو غير هذا فاليمن بحاجة لحل سياسي وإعادة بناء النسيج الإجتماعي الذي مزقته الحرب.
فهناك أكثر من 10.000 قتلوا في النزاع وحوالي 19 مليون في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية و 7.5 مليون على حافة المجاعة.
وعلى خلاف المأساة السورية التي يشاهد العالم تفاصيل دمارها يعاني اليمنيون بصمت.